مربّو الأبقار في عيترون وجاراتها يشكون نكبتهم وخساراتهم واستغلالهم
باع العشرات من مزارعي ومربّي الماشية في بلدة عيترون الجنوبيّة الحدوديّة، أبقارهم وأغنامهم، بأبخس الأثمان، بسبب القصف والتهجير الطارئين، بعدما تعثّروا في إيجاد زرائب في البلدات والقرى التي نزحوا إليها، سواء في الجنوب أو في بعض بلدات البقاع الغربيّ، إذ استغلّ كثيرون من تجّار هذه المناطق أزمة المزارعين هؤلاء، المتراوحة بين حاجتهم إلى المال من جهة، وعدم إيجاد زرائب لإيواء أبقارهم ومواشيهم من جهة أخرى.
تعدّ عيترون، كبرى بلدات منطقة بنت جبيل، ويلامس عدد أبنائها العشرين ألفًا، (تركوا بلدتهم قسرًا، على وقع القصف والغارات)، واحدة من أكبر البلدات اللبنانيّة والأولى على مستوى الجنوب، في تربية الأبقار والمواشي، التي تضاعفت بشكل كبير، بعد تحرير الجنوب في العام ألفين، لتكون عنوانًا زراعيًّا آخر، إلى جانب شتلة التبغ، التي تتربّع عيترون على صدارتها، زراعة وإنتاجًا في لبنان عامّة.
مع الأيّام الأولى لبدء الأعمال الحربيّة والعسكريّة، على جانبيّ الحدود اللبنانيّة والفلسطينيّة، سارع العدد الأكبر من مربّي الأبقار، إلى ترحيل أبقارهم من مزارعهم المنتشرة في أرجاء البلدة، وغالبيّتها على مقربة من الحدود مع فلسطين المحتلّة، نحو أقرب البلدات البعيدة عن الاعتداءات الإسرائيليّة في مناطق بنت جبيل والنبطيّة وصولاً إلى كامد اللوز في البقاع الغربيّ، فدفعوا بدلات نقل باهظة، لتأمين إخراج أبقارهم من البلدة، بعدما أصيب العديد منها جراء القصف الإسرائيليّ.
يتحدّث المزارعون (من مربّي المواشي) عن اقتنائهم نحو أربعمائة رأس بقر، وآلاف رؤوس الماشية من غنم وماعز، يقتنيها أكثر من خمسين مزارعًا، يعمل معهم أو لديهم مئات العمّال اللبنانيّين والسوريّين، في مزارعهم على وجه الخصوص، حيث تنتج هذه الأبقار آلاف الأطنان من الحليب يوميًّا، تتولّى شراؤها بلديّة عيترون التي تمتلك واحدًا من أكبر معامل تجميع الحليب، مع معمل آخر لأحد أبناء البلدة (الجرّة)، ويقوم المعملان بتصنيع الألبان والأجبان، بجودة عالية منافسة.
وإلى جانب عيترون، توجد في المنطقة مزارع أبقار أخرى، في رميش وبيت ليف وغيرهما، وقد اضطرّ أصحابها إلى نقل أبقارهم إلى خارج المنطقة، وبيعها بأسعار أقلّ من ثلث قيمتها الفعليّة.
كغيره من القطاعات، المتضرّرة، جراء الاعتداءات الإسرائيليّة المتواصلة، لم يجرِ حتى اليوم الانتهاء من إحصاء الخسائر المباشرة وغير المباشرة، التي أصابت قطاع المواشي في الجنوب، نتيجة استمرار العمليّات العسكريّة، واستحالة الإحصاء على أرض الواقع.
تنتج هذه الأبقار آلاف الأطنان من الحليب يوميًّا، تتولّى شراؤها بلديّة عيترون التي تمتلك واحدًا من أكبر معامل تجميع الحليب، مع معمل آخر لأحد أبناء البلدة (الجرّة)، ويقوم المعملان بتصنيع الألبان والأجبان، بجودة عالية منافسة.
ولم تشارك وزارة الزراعة اللبنانيّة، بعمليّة تسجيل الخسائر في خلال أيِام الهدنة التي استمرّت نحو أسبوع (بين 24/11/2023 و01/12/2023)، لعدم وجود فرق كافية لديها (وفق مصادرها)، فتولّت البلديات بالتعاون مع مؤسّسات “جهاد البناء” التابعة لحزب الله، ومن ثمّ مجلس الجنوب، تسجيل الخسائر في إبّان الهدنة وبعدها، لتكوين ملّف شامل حول الخسائر، وسبل التعويض على المزارعين.
استغلال إلى أبعد الحدود
يمتلك حسين طعان علويّة مزرعة أبقار في عيترون، تضمّ ثمانية عشر رأس بقر، وعددًا من العجول، وقد تعرّضت مزرعته للقصف الإسرائيليّ، ما سبّب إصابة بعض الأبقار الحلوب. سارع علويّة إلى نقل أبقاره بواسطة عدد من سيّارات البيك أبّ المستأجرة (الشاحنات الصغيرة)، إلى بلدة كامد اللوز البقاعيّة، فدفع أجرة نقلها حوالي ألف وخمسمائة دولار أمريكي، ومكث هناك في غرفة صغيرة، إلى جانب المزرعة.
يقول علوية لـ”مناطق نت”: “لم يستقرّ بنا الأمر طويلًا في البقاع، فعدت مجدّدًا إلى الجنوب، وتحديدًا إلى بلدة بيت ياحون”. مضيفًا: “إنّ الوضع صعب جدًّا، فأسعار الأعلاف والتبن مرتفعة، ولم نستطع نقل أيّ من كمّيّات التبن والعلف الموجودة لدينا في داخل المزرعة في عيترون، بسبب أعمال القصف والاعتداءات المستمرّة”. يتنهّد ثمّ يقول: “إنّ آخر دفعة، سدّدتها لأحد تجّار البقر، كانت بعدما سلّمت موسم التبغ”.
ويضيف علوية الذي خسر في خلال رحلة النزوح الأولى والعودة إلى النزوح الآخر خمسة عجول: “إنّ الطامّة الكبرى، هي أنّ الشخص الذي ذهبنا إليه في كامد اللوز، حجز الأبقار عندما علم بأنّنا سنعود إلى الجنوب، وطلب مقابل بدل خمسة أيام أمضيناها في بيت إلى جانب مزرعته ثلاثمائة دولار أميركي”.
وختم: “إنّ معاناتنا كبيرة ولا توصف، ولم نجد من يسأل عنّا، بل إنّنا متروكون لمصيرنا وعذاباتنا، ناهيك عن خسارتنا التي تجاوزت 15 ألف دولار أمريكي في خلال هذا الترحال القسريّ”.
يروي إبراهيم خريزات، حكاية رحلة التهجير الأولى (قبل الهدنة) “وكانت من عيترون إلى رميش المجاورة، ومن ثمّ إلى ميفدون قرب النبطية، التي نقلت إليها قطيع الأغنام، بينما نقلت الأبقار إلى بلدة بيت ياحون جارة تبنين”. واضطراره إلى بيع العجول “كي أتمكّن من تأمين تكلفة أعلاف الأبقار ومستلزماتها”.
وأشار خريزات لـ”مناطق نت” إلى “أنّ العديد من أصحاب المواشي، ممّن ضاقت بهم الدنيا، ولم يجدوا زرائب أو مآوي، باعوا رأس الماعز بأقلّ من خمسين دولارًا، بينما سعره الوسطيّ، يتعدّى مئة وعشرين دولارًا، وهذا الأمر، كان نوعًا من أنواع الاستغلال المستمرّة بحقّ النازحين عن بلداتهم”. ويؤكد أنّ عددًا قليلًا من أصحاب مزارع الأبقار والمواشي، لا يزالون في عيترون.
المزارع حسين علويّة: معاناتنا كبيرة ولا توصف، ولم نجد من يسأل عنّا، بل إنّنا متروكون لمصيرنا وعذاباتنا، ناهيك عن خسارتنا التي تجاوزت 15 ألف دولار أمريكي في خلال هذا الترحال القسريّ.
متروكون لمصائرنا!
لم ينتظر يوسف حجازي أمدًا طويلًا، لحسم موضوع تدبير مآوي لأبقاره، فعمد مباشرة بعد خروجه من عيترون إلى بيع سبعة رؤوس بقر وعجلين، بسبعة آلاف دولار، بينما يصل سعرها الواقعيّ إلى عشرين ألف دولار.
وتحدّث حجازي لـ”مناطق نت” قائلًا: “لم يسأل أيّ أحد عنّا حتّى الآن. وانطلاقًا من ذلك، نطالب المعنيّين في الدولة اللبنانيّة وغيرها، بمدّ يد العون والمساعدة، لإعادة هذا القطاع إلى حيويّته، عبر تأمين أبقار بديلة مدعومة، خصوصًا وأنّ العشرات من أبناء عيترون وعائلاتهم، يعتاشون من هذا القطاع”.
أمّا المزارع حافظ مصطفى، من بلدة بيت ليف، وهو أحد مربّي الأبقار، فقد نفق لديه ثلاث أبقار جرّاء القصف الذي تعرضت له مزرعة زميله طوني الحاج في رميش. ونقل ما تبقّى من أبقار وعددها 17 بقرة، إلى خارج بيت ليف، لكنّه لم يوفّق بمكان لإيوائها في صور، حيث يسكن وعائلته مع النازحين في أحد مراكز الإيواء في صور.
وأبلغ مصطفى “مناطق نت”، أنّه اضطرّ مكرها إلى بيع أبقاره، “بمبالغ لا تساوي نصف قيمتها، لكي أتمكّن من تأمين المال وتدبير أمور العائلة، في ظلّ لا مبالاة المعنيّين لواقعنا وأحوالنا”.
تقوم مزرعة طوني الحاج، على مقربة من الجدار الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلّة في بلدة رميش “كانت أوّل مزرعة تتعرّض للقصف الإسرائيليّ، ما نتج عنه، نفوق ستّ بقرات وتدمير قسم من المزرعة”.
ويقول الحاج لـ “مناطق نت: “بعد ذلك سارعت إلى نقل ما تبقّى من أبقار في المزرعة، إلى داخل رميش، ويتولّى رعايتها حاليًّا أحد أبنائي”، مؤكّدًا أنّ خسارته المادّيّة تقدّر بعشرات الآلاف من الدولارات.
صامدون برغم المخاطر
لم يزل إسماعيل ناصر، ابن كفرشوبا، الذي واجه بصدره العاري الجرّافة الإسرائيليّة المعتدية على أرضه (بتاريخ الثامن من حزيران/ مايو 2023)، يتحدّى العدوان الإسرائيليّ المتواصل على بلدته، من خلال تمسّكه برزقه وتشبّثه بأرضه.
ويقول ناصر الذي يملك قطيعًا كان يزيد على ستمائة رأس ماعز قبل ندلاع المواجهات الحدوديّة: “إنّ القصف على كفرشوبا أصاب منزلي بأضرار جسيمة، ما دفعني إلى نقل القطيع إلى بلدة مدوخا في البقاع، بغية تأمين مأوى لمدّة معيّنه، بعدها عدت إلى بلدة الخْرَيْبة قرب راشيّا الفخّار (جارة كفرشوبا)، وأقوم برعي القطيع في المنطقة، برغم كلّ المخاطر”.
ويضيف ناصر لـ”مناطق نت”: “إنّ مئة رأس من الماشية نفقت بظروف مختلفة، ومنها بسبب القصف أو ضلال القطيع، أو الجوع، وإنّ مئة رأس أخرى بعتها على دفعتين، بثمن 75 دولارًا للرأس الواحد، وهو سعر لا يساوي خمسين بالمئة من القيمة الفعليّة لثمن رأس الماعز، الذي يتراوح بين مئة ومئة وخمسين دولارًا”.
لافتًا إلى “أنّ كلّ الخسائر، هي فداء للمقاومة وغزّة، والشيء المهمّ هو تحقيق الانتصار والصمود في وجه هذا العدوّ الغاصب.”
بلدية عيترون
يؤكّد عضو المجلس البلديّ في عيترون طريف سلامي، “أنّ أبناء عيترون يملكون نسبة كبيرة من المواشي، لا سيّما الأبقار، التي يفوق عددها أربعمائة رأس، قبل اندلاع الحرب. وتشكّل هذه الثروة الحيوانيّة موردًا اقتصاديًّا مهمًّا لعشرات العائلات من البلدة، ودورة حياتيّة كبيرة، إلى جانب زراعة التبغ والبقولات والقمح والشعير”.
ويضيف: “حاليًّا وبسبب العدوان الإسرائيليّ المستمرّ، تدنّى العدد وتراجع، خصوصًا بعدما عمد عدد لا بأس به من المربّين، إلى بيع أبقارهم ومواشيهم، ولم يبقَ في البلدة سوى بعض المزارعين، ممّن يملكون اعدادًا قليلة من الأبقار، في حين أنّ الغالبيّة، قد نزحوا إلى خارج المنطقة، وبعضهم باع هناك أبقاره”.
وختم سلامي مؤكّدًا “أنّ معمل البلدية أقفل أبوابه وأوقف نشاطه بسبب الأوضاع الامنيّة ومغادرة مربّي الأبقار البلدة، الذين كانوا يؤمّنون الحليب للمعمل، وكذلك فعل أصحاب معمل الجرّة الخاص بأحد أبناء البلدة.”