ناحيتا صيدا وإقليم التفّاح.. أسماء القرى وتطور السكان (1525 – 1569)

تواصل “مناطق نت” من خلال دراسات تاريخيّة معمّقة يُعدّها د. عبدالله سعيد، تسليط الضوء على حقبة مهمّة من تاريخ لبنان، وهي بدايات الحقبة العثمانية، تحديدًا تلك الممتدة من العام 1525 وحتى العام 1569، وذلك من خلال وثائق الدفاتر طابو تحريري العثمانية.

من خلال تلك الوثائق، يرصد د. عبدالله سعيد التطور السكانيّ والإنتاجيّ والاقتصادي والضريبي لتلك المناطق، وأيضًا أسماء تلك القرى والمزارع التي تتبعها وعدد سكانها، وحركة الإنتاج الزراعي فيها والضرائب التي كانت تُجبى منها. ويقدّم د. سعيد في ختام كل دراسة استنتاجات وأسئلة وخلاصات، لما كانت عليه تلك المناطق، وما أصبحت عليه اليوم.

في هذه الدراسة عن قرى ناحيتي صيدا وإقليم التفاح، سوف نعمد إلى نشر القسم الأول منها، والذي يتعلّق بأسماء القرى وتطور السكان وأسماء العائلات، على أن ننشر في وقت قريب في قسمٍ ثانٍ، تطور الإنتاج الزراعي والضريبي لتلك القرى.

(المحرّر)
ملاحظة منهجية لا بدّ منها

سنعتمد السنة الميلادية الأولى للإحصاء كمصدر أساس للدراسة من خلال الدفاتر طابو تحريري: رقم 430 تاريخ 932هـ/1225- 1526م، ص 338-358؛ ورقم 383، تاريخ 959هـ/1552م، ص 390- 444، وص 565-567؛ ورقم 543، تاريخ 977هـ/ 1569-1570، ص 338-358، وص 563-576. يعني السنوات 1525 و1552 و1569، بالتتابع، للمقارنة السكّانيّة والاقتصاديّة.

إنّ إدارة المسح السكّانيّ والإنتاجيّ في السلطنة لم تُجرِ، خلال القرن السادس عشر للميلاد، مسحًا مستقلًّا لكلّ من ناحيتيّ صيدا وإقليم التفّاح، بل اعتبرتهما ناحية واحدة مع تحديد تبعيّة كلّ قريّة أو مزرعة، إن كانت لصيدا أم لإقليم التفّاح. وبما أنّنا تناولنا، سابقًا، مدينة صيدا بالدرس اقتصاديّا وسكّانيًا. لذا سنبحث ونحلّل وثائق تسجيلات قرى ومزارع الناحيتين معّا، طالما كانتا متداخلتين وتتبعان لإدارة ماليّة وضريبيّة واحدة، وما التقسيم إلّا تسهيلًا لجباية الخراج والرسوم، وتوزيع عائدات الخراج المقطوع بين الخاص الهاميونيّ (السلطان) والزعامات والتيمارجيّة وأرباب الأوقاف.

صيدا وبحرها كما رسمهما الفنان الهولندي شارلز ويليام ميريديث ڤان دو ڤيلد (1818 – 1898) والذي زار لبنان في العام 1851 ورسم العديد من المناطق
سكّان إقليم التفّاح 1525- 1574

في أوّل إحصاءٍ اعتمدته السلطنة العثمانيّة، ووصل إلينا، لسكّان قرى ناحيتي صيدا وإقليم التفّاح معًا العام 1525، بلغ عدد قرى الناحيتين نحو 27 قرية ومزارعها حوالي 89 مزرعة، وبلغ عدد سكّان تلك القرى، حوالي 604 ذكور مكلّفين، منهم 539 خانة (بيتًا أو أسرة، أو فقط ذكرًا متزوِّجًا) (89,24 بالمئة)، و60 مجرّدا (ذكرًا عازبًا) (10 بالمئة)، و5 رجال دين (إمام) (0,82 في المئة). لينخفض عدد القرى إلى 26 قرية ويرتفع عدد المزارع إلى نحو 118 مزرعة، كما يرتفع السكّان في إحصاء 1552، إلى 1398 ذكرًا بالغًا (231,8 بالمئة من عدد سكّان إحصاء العام 1525)، منهم: 1234 خانة (88,3 في المئة)، و155 مجرّدا (11 بالمئة)، و7 رجال دين (5 في المئة) (خمسة أئمّة، ومؤذّن واحد وخطيب).

أمّا في إحصاء 1569، الذي ظلّ معتمدًا وصالحًا للعام 1574، بعد مراقبة الدفتر من قبل أمين خزانة الشام في العام 981 هـ، وتأكيده لمعطياته، فانخفض عدد القرى إلى 22 قرية مقابل ارتفاع عدد المزارع إلى 127 مزرعة. كما انخفض مجموع عدد الذكور البالغين عن العام 1552، إلى 1211 ذكرًا (86,6 بالمئة)، أي بنقصٍ مقداره 187 نفرًا، لكن بزيادة مقدارها 608 ذكرًا (100,8 بالمئة) عن إحصاء 1525.

في أوّل إحصاءٍ اعتمدته السلطنة العثمانيّة، ووصل إلينا، لسكّان قرى ناحيتي صيدا وإقليم التفّاح معًا العام 1525، بلغ عدد قرى الناحيتين نحو 27 قرية ومزارعها حوالي 89 مزرعة

ولقد توّزع الذكور البالغون للعام 1569، على 904 متزوّجًا، أو خانة (74.65 في المئة)، و297 عازبًا مجرّدا (24,5 بالمئة)، و10 رجال دين (0,4 بالمئة)، (5 أئمّة و4 خطباء ومؤذّن واحد فقط). ويرجّح سبب انخفاض عدد السكّان في الإحصاء الأخير إلى ارتفاع عدد العازبين الذي قارب ربع مجموع عدد الذكور البالغين، وخلوّ ثلاث قرى في تلك السنة (1569) من السكّان، ألا وهي: كفرفالوس ومجدليون ولويزيّه.

وهكذا ارتفع عدد سكّان قرى إقليم التفّاح الإجماليّ، من 3020 نسمة في إحصاء 1525، (لمعرفة مجموع عدد السكّان نضرب عدد الذكور البالغين بما فيهم رجال الدين والخانات والمجرّدين بخمسة)، إلى 6980 في إحصاء 1552، أيّ بزيادة مقدارها 3960 نسمة، وما نسبته 131 بالمئة، بالرغم من خلوّ قريتي لويزيّه وعقتانيت (عقتنيت) من السكّان في هذا الإحصاء. ولكنّه عاد العدد وانخفض في إحصاء 1569 إلى 6055 نسمة، أيّ بمقدار 925 نسمة (13,25 بالمئة) عن العام 1552، وبزيادة مقدارها 3035 نسمة (100,5 بالمئة) عن العام 1525. وذلك، بالرغم من خلوّ سبع قرى من السكّان في إحصاء 1569 بسبب خرابها، حيث ذكر كاتب الدفتر بأنّها تخرّبت، وهي: بصليّا (بصليّه) وزفتانين وكفرفالوس وكفربيت وعقتانيت (عقتنيت) ولويزيّه ومطيريّة.

نهر الأولي شمالي صيدا كما رسمه الفنان الهولندي شارلز ويليام ميريديث ڤان دو ڤيلد (1818 – 1898) والذي زار لبنان في العام 1851 ورسم العديد من المناطق
تطوّر عدد سكّان كلّ قرية من قرى الناحيتين، بين عامي 1525 و1569.

بما أنّ أهمّ مسألة في الدراسة السكّانيّة لأيّ قرية في المجتمعات الزراعيّة لما قبل الرأسماليّة، هي دراسة وتحليل تطوّر عدد خانات تلك القرية، أيّ عدد الأُسَر، أو المنازل، وليس فقط التطوّر السكّانيّ العام. فالأسرة أو البيت القرويّ بما يضمّ من أسرة (عائلة) ممتدّة من الجدّ والجدّة إلى الأب والأولاد من الجنسين والأحفاد، وأحيانًا كثيرة، الأخوة والأخوات العازبين، كانت في مفهوم الاقتصاد الزراعيّ العثمانيّ، النواة أو الوحدة الإنتاجيّة الرئيسة في الاقتصاد القروي آنذاك.

من هنا سنعرض لتطوّر عدد بيوت قرى ناحيتي إقليم التفّاح وصيدا خلال خمسين سنة تقريبًا من نموّها السكّاني. ونبدأ بالقرية الأكثر عددًا بخاناتها (أسرها، وبيوتها) لإحصاء 1569، حيث جاءت الغازية (غازيّة) في المرتبة الأولى، التي قد ارتفع عدد خاناتها من 58 بيتًا، في إحصاء 1525، إلى 125 بيتًا (خانة)، في إحصاء 1552، و124 بيتًا في إحصاء 1569؛ بينما احتلّت بعدد سكّانها الإجماليّ البالغ 700 نسمة المرتبة الثانية. (ملاحظة: سيبقى الترتيب الإحصائيّ هو نفسه في استعراض عدد خانات القرى الأخرى للناحيتين موضوع هذا البحث، أيّ بترتيب السنوات 1525 ثمّ 1552، ثمّ 1569).

واحتلّت المرتبة الثانية قرية كفرحونا بحيث تطوّر عدد بيوتها (خاناتها) من 56 بيتًا، إلى 174، ثمّ تراجع إلى 121 بيتًا؛ بينما في عدد السكّان الإجماليّ، كانت كفرحونا في المرتبة الأولى لإحصاء 1569، وذلك بتدرّج عدد سكّانها من: 345 نسمة إلى995 نسمة، ثمّ تراجع إلى 760 نسمةً.

وجاءت قرية حارا (حارة صيدا، أو حارة بني زايره/زايري؟) مع مزرعة مجداليون في المرتبة الثالثة بحيث ارتفع عدد خاناتها (بيوتها أو أسرها)، من 47 ، إلى 137، ثمّ إلى 120 خانة، وتطوّر مجموع عدد سكّانها على التوالي من: 260 نسمة، إلى 710 نسمات، ثمّ تراجع إلى700 نسمة؛ وفي المرتبة الرابعة جاءت قرية جباع (جبع في التسجيل العثمانيّ الرسميّ)، التي ارتفع عدد خاناتها، أو أسرها من 69 خانة، إلى 148، ثمّ تراجع إلى 109 خانات، وهكذا كانت جباع، في إحصاء 1525، تحتلّ المرتبة الأولى بعدد منازلها قبل أن تتقدّم عليها كلّ من كفرحونا وحارة صيدا، في المقابل تطوّر عدد سكّانها الإجمالي من حوالي 395 نسمة إلى 805 نسمات ثم تراجع إلى نحو 675 نسمة؛ وجاءت في المرتبة الخامسة، قرية حومين التحتا التي تطوّر عدد خاناتها على التوالي من 22، ثم إلى 64، ثمّ إلى 68 بيتًا أو خانة، كما ارتفع عدد سكّانها الإجمالي من 115 نسمة، إلى 410 نسمات، ثمّ إلى535 نفرًا.

قرية جباع

وحلّت في المرتبة السادسة قرية عين قانا التي ارتفع عدد خاناتها من 24، ثمّ إلى 57 بيتًا في الإحصاءين 1552 و1574؛ كما ارتفع عدد سكّانها الإجماليّ من 145 إلى 320 نسمةً، ثمّ إلى 370 نسمة؛ وحلّت في المرتبة السابعة، قرية عرب صاليم (عرب صالين في سجلّات الطابو دفتري تحريرّي)، التي ارتفع عدد خاناتها من 27 خانة إلى 78، ثم تراجع إلى 47 خانة؛ في حين ارتفع عدد سكّانها: من 160 نسمة، إلى 400 نسمة، ثمّ تراجع إلى نحو 325 نسمة.

وجاءت عنقون في المرتبة الثامنة، التي ارتفع عدد خاناتها من 24 خانة، إلى 54، ثم تراجع إلى 38 خانة؛ بينما احتلّت المرتبة التاسعة من حيث عدد سكّانها الإجمالي الذي ارتفع من 120 نسمة إلى 350 نسمة (292 بالمئة) ثم تراجع هذا العدد إلى نحو 300 نسمة في إحصاء العام1569؛ وجاءت قرية حومين الفوقا في المرتبة التاسعة، التي ارتفع عدد خاناتها من 27 خانة إلى79، ثم تراجع هذا العدد إلى 36 خانة أو بيتًا، أيّ إلى أقلّ من النصف؛ في حين تطوّر عدد سكّانها الإجماليّ على التوالي من: 135 نسمة، إلى 550 نسمة، ثم تراجع إلى 300 نسمة، أيّ حوالي النصف تقريبًا.

وجاءت دير بيل (بيت/ بين؟) في المرتبة العاشرة، التي ارتفع عدد خاناتها، بيوتها من 14 خانة إلى 35 خانة، ثمّ تراجع هذا العدد إلى 29 خانة، في حين ارتفع عدد سكّانها الإجماليّ من نحو 80 نسمة، إلى 175 نسمة في كلّ من إحصاءيّ 1552، و1569.

وجاءت في المرتبة 11، قرية كفرملكا (كفرملكي)، التي ارتفع عدد خاناتها من 48 خانة، إلى 51 خانة، ثمّ تراجع إلى 27 خانة؛ في حين احتلّت المرتبة الثامنة من حيث تطوّر عدد سكّانها الإجماليّ الذي ارتفع من 270 نسمة، إلى 315 نسمة، ثم تراجع إلى 310 نسمات؛ وحلّت جرجوع في المرتبة 12، التي ارتفع عدد خاناتها من 26 خانة إلى 38، ثمّ تراجع إلى 26 خانة؛ بينما احتلّت المرتبة 11 بالنسبة لتطوّر عدد سكّانها الإجماليّ الذي ارتفع من 130 إلى 205 نسمات ثمّ تراجع إلى 200 نسمة.

وجاءت المزيرعة (مزيرعة بني تريخ أو ترتج؟) في المرتبة 13، التي ارتفع عدد خاناتها من 16 خانة إلى 23 خانة، ثمّ تراجع هذا العدد إلى 18 خانة؛ في حين ارتفع عدد سكّانها من 80 نسمة إلى 125 نسمة؛ وحلّت كل من قريتي كفرحتّا (كفرحتّى)، ولبعا (لبعه) في المرتبة 14 بالنسبة لعدد الخانات في إحصاء 1569، حيث ارتفع عددها في الأولى من 7 خانات إلى 21 خانة قبل أن يتراجع إلى 14 خانة، وفي الثانية من 5 خانات إلى19 خانة قبل أن يتراجع هذا العدد أيضًا إلى 14 خانة؛ أمّا بالنسبة لعدد السكّان الإجماليّ، ففي حين احتلّت قرية كفرحتّى المرتبة 14 للعام 1569، بعد أن ارتفع عدد سكّانها الإجماليّ، على التوالي من 40 نسمة، إلى 115، ثمّ تراجع إلى 100 نسمة، احتلّت لبعا المرتبة 16، بعد أنْ تطوّر عدد سكّانها من 30 نسمة إلى 110 نسمات قبل أن يتراجع هذا العدد إلى80 نسمة.

 ارتفع عدد سكّان قرى إقليم التفّاح الإجماليّ، من 3020 نسمة في إحصاء 1525، إلى 6980 نسمة في إحصاء 1552، أيّ بزيادة مقدارها 3960 نسمة، لكنّه عاد وانخفض في إحصاء 1569 إلى 6055 نسمة، أيّ بمقدار 925 نسمة عن العام 1552.

وجاءت قرية بنعفول في المرتبة 16، حيث ارتفع عدد خاناتها من خانتين أو بيتين، إلى 18 بيتًا، قبل أن يتراجع هذا العدد إلى 12 بيتًا (خانة)؛ ولكن بالمقابل، ارتفع عدد سكّانها الإجماليّ من 10 أشخاص العام 1525، إلى 105 أشخاص (1050 بالمئة) في إحصاء 1552، ثمّ تراجع إلى90 نسمة في إحصاء 1569؛ وحلّت في المرتبة 17 قرية رومين التي انخفض عدد خاناتها، من 17 خانة إلى 14 خانة، ثمّ إلى 11 خانة، وبذلك تراجع عدد سكّانها من 100 نسمة في إحصاء 1525، إلى 75 نسمة في إحصاءي 1552 و1569.

وجاءت كفرفيلا في المرتبة 18، التي ارتفع عدد بيوتها من 7 إلى 13 بيتًا ثمّ عاد إلى 7 بيوت، بينما ارتفع عدد سكّانها من 45 نسمة إلى 70 نسمة، تراجع إلى النصف أيّ 35 نسمة في إحصاء 1569.

وحلّت مغدوشا (مغدوشه) في المرتبة 18، أيضًا، التي ارتفع عدد خاناتها، من بيتين إثنين، إلى 11 بيتًا (أسرة)، ثم تراجع العدد إلى 7 بيوت؛ وجاءت قرية مجيدل (المجيدل) التي لم يرد اسمها في عدّاد القرى العام 1525، في المرتبة 20، بحيث تراجع عدد بيوتها من 18 خانة في إحصاء 1552، إلى 6 خانات العام 1569، وبالتالي تراجع عدد سكّانها، من 95 نسمة إلى30 نسمة (أقل من الثلث).

وحلّت في المرتبة 21 قرية خربة اللوز التي لم يرد اسمها أيضًا في عدّاد القرى لإحصاء العام 1525، بحيث حافظت على عدد خاناتها البالغ 6 خانات في إحصاءيّ 1552، و1569، مقابل ازدياد عدد سكّانها الإجماليّ من 30 نسمة إلى 40 نسمة بسبب إحصاء 4 مجرّدين فيها (ذكور عازبين). وفي المرتبة 22، والأخيرة جاءت قرية جرنايا، التي تراجع عدد بيوتها، بدلًا من أنْ يتزايد، من 10 بيوت، إلى تسعة، ثمّ إلى 5 بيوت، وبالتالي تراجع عدد سكّانها الإجماليّ من 65 نسمة العام 1525، إلى 55 نسمة العام 1552، ثمّ إلى 60 نسمة العام 1569.

أمّا القرى التي تخرّبت نهائيًا وغابت عن إحصاءيّ 1552 و1569، بعد أن أُحصيت العام 1525، فهي: مطيريّة (خانتان اثنتان، أيّ 10 أنفار)، ولويزيّه (6 خانات و3 مجرّد، أيّ 45 نسمة)، وعقتانيت (5 خانات، أيّ 25 نسمة)، وكفربيت (5 خانات، ومجرّد واحد، أيّ 30 نسمة)؛ وعن إحصاء 1569، غابت أيضًا، قرى: بصليّا، وزفتانين وكفرفالوس.

وإن دلّت هذه الإحصاءات السكّانيّة على شيء، فهي تدلّ على أنّ معظم قرى ناحيتي صيدا، ارتفع عدد سكّانها بين سنتي 1525 و1552، باستثناء قرية رومين التي تراجع عددهم من 100 نسمة إلى 75 نسمة، بينما تراجع العدد بين عامي 1552 و1569، في معظمها، ما عدا قرى: جرنايا ومغدوشه اللتين ارتفع عدد سكّان كلّ منهما من 55 نسمة إلى 60 نسمة، وخربة اللوز التي ارتفع عدد سكّانها من 30 نسمة إلى 50 نسمة. في حين احتفظت كلّ من قريتي دير بيل، والمزيرعة بعدد سكّانهما نفسه (125 نسمة) في إحصاءيّ 1552 و1569.

استنتاجات لا بدّ منها

وهكذا، يتبيّن من التسجيلات العثمانيّة الديموغرافيّة، أنّ الاستقرار الأمنيّ والإداريّ والاجتماعيّ الذي أرسته السيطرة العثمانيّة على مقاطعات لواء الشام، سمح للسكّان بالتنقّل الحرّ بين المناطق وبالاستثمار الزراعيّ والصناعيّ والتجاريّ، إلى جانب التملّك الخاص، وبحرّيّة الاستثمار، شرط دفع الضرائب والرسوم المتوجّبة على كلّ ذكرٍ بالغٍ، وكلّ مالكٍ أو مستثمرٍ لقطعة أرضٍ مُنتِجَةٍ، كلٌ حسب حجم إنتاجه ونوعيّته، في مواقيتها. وإنّ هذه الحرّيّة في التحرّكات السكّانيّة المفتوحة جعلت القرى جميعها في نواحي لواء الشام تكبر وتتضخّم بأعداد أهاليها، أو تفتقر وتعود مزارع صغيرة في حال هجرها زرّاعها ومستثمرو أراضيها.

والمسألة الثانية في التحرّكات السكّانيّة، هي أنّ بعض القرى التي كانت تتوافر فيها الأراضي والمساحات، أيّ المنبسطات الملائمة للزراعة، أو المجاري المائيّة الصالحة للريّ، ولتشغيل المطاحن ودواليب الحرير، وبعض معاصر الزيت، كانت تستقطب أكثر من غيرها المالكين والزرّاع الجدد الناشطين، ممّا يزيد من عائداتها الريعيّة تجاه الإدارة الماليّة العثمانيّة، ويخفّف البعض منها عن قاطني تلك القرى. وذلك لأنّ تلك الضرائب كانت جَماعِيّة، أيّ يدفهعا أهالي القرية أو مستثمري المزارع متكافلين متضامنين، ومجتمعين وليس كأفرادٍ منفصلين، كأن يدفع كلّ شخص ضريبته الخاصّة بشخصه أو عن إنتاجه، فيجمعها منهم المتعهّد بها من قبل السلطنة. لذا، التعداد كان جَماعيًّا وتسجيل المحصول أيضًا. من هنا كان الترحيب الدائم والمُحبّب من أهالي القرية أيّ قرية، بأيّ عنصرٍ أو أسرةٍ مُنتجة، طالما هذا السكن الجديد سيزيد من الإنتاج ويخفّف قيمة الرسوم على الأفراد الباقين في القرية.

تنوّع ومساواة

من هنا، لم تكن أيّ قرية أو مزرعة “لبنانيّة” قديمة، بالمفهوم الحاليّ للكيان اللبنانيّ، والعثمانيّ بالعرف السياسيّ والاجتماعيّ للقرن السادس عشر، حكرًا على دين أو مذهب، أو طائفة أو قبيلة أو عائلة. بل تشير تسجيلات الطابو دفتري العثمانيّة القديمة، أنّ جميع سكّان الناحيتين كانوا من المسلمين فقط، كما تشير أيضًا إلى وجود أكثر من شهرة عائليّة في القرية الواحدة حتّى ولو كانت هذه القرية أو تلك مأهولة من أسرتين أو أكثر. فترى بين قاطني قرى الناحيتين (1525-1574): المصريّ، والمغربيّ، والعربيّ، والعجميّ، والتركمانيّ، والفارسيّ، والحلبيّ، والسحمريّ، والمشموشيّ، والشحيميّ، والصيداويّ، والبيروتيّ، واليحفوفيّ، والبعلبكيّ والبقاعيّ، والشوفيّ، والصعيديّ، والعربانيّ، والبدوانيّ، والمورانيّ… إلخ.

حتّى أنّه لا يستطيع أيّ لبناني أن يفاخر بنقاوة نسب انتمائه العرقيّ والمذهبيّ، فالكلّ اندمج قرويًّا وشاميًّا أوّلًا، ومن ثمّ لبنانيًّا في ما بعد، حتّى أنّك تجد الشهرة العائليّة الواحدة تمتدّ أحيانًا كثيرة إلى أكثر من قرية ومنطقة وأسرة وطائفة ومذهب، دون معرفة السبب لذلك، إن كانت جذورها واحدة أم هناك تشابه في أسماء الشهرة، أم بحكم النسب والمصاهرة أو الالتجاء، كما حدث في القرنين الثامن والتاسع عشر، عندما التحقت العائلات الصغيرة بالعائلات الكبيرة، طلبًا للحماية وتخفيفًا عن كاهلها بعض الرسوم، تلك الرسوم التي كانت عائليّة وجَماعيّةً وليست فرديّةً قبل صدور قانون الولايات العثمانيّ العام 1861، وإجراء المسح الشامل للسكّان والأراضي الزراعيّة المُنتجة وللمغالِق والمشاغل الحرفيّة، وتثبيت الملكيّات بأيادي أصحابها الفعليّين.

بلاد مفتوحة بلا عوائق وحريّة التنقل والارتزاق

لذا بعد قراءة النصوص العثمانيّة الرسميّة للقرن السادس عشر للميلاد، لا يحقّ لأيّ جماعة سكّانيّة، قبيلة كانت أم عائلة أم طائفة، بالمفهوم اللبنانيّ، أنْ تدّعي حقّ الانتماء إلى منطقة خاصّة بها. لأنّه إذا أراد أيّ شخصٍ من هذه الجماعة أو تلك، أنْ يفتّش عن انتمائه يمكن أن يجد من يشاركه هذا الانتماء في كلّ مكانٍ ومنطقةٍ من لبنان وفلسطين وسوريّة الحاليّة والعراق واليمن ومصر، وبلاد فارس، وحتّى في أوروبّا وشبه جزيرة العرب، وفي دول المغرب العربيّ، وتركيّا وجمهوريّات آسيا الوسطى، طالما كان التنقّل الحرّ للارتزاق وطلب العلم كان مباحًا بسهولة تامّةً لجميع سكّان الولايات العثمانيّة المفتوحة الحدود على بعضها البعض، قبل اعتماد الحدود بين الولايات والدول الوطنيّة في العصور الحديثة، وقبل أن يكون للانتماء القوميّ في السلطنة، أيّ مكانٍ في قاموس الرعايا العثمانيّين إلّا بعد حركة التتريك وانقلاب العام 1908، ومحاولة فرض الهويّة التركيّة الطورانيّة على جميع قاطني الولايات العثمانيّة آنذاك، لكّن تلك المحاولة فشلت، وأحيت العصبيّة القوميّة والكيانيّة الوطنيّة.

ملحق أسماء بعض أسماء عائلات قرى صيدا وإقليم التفاح

لقراءة أسماء عائلات قرى صيدا وإقليم التفاح إضغط هنا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى