وثبة مدينة صيدا الإقتصاديّة والديموغرافيّة بين عاميّ 1525 و1575م

كعادتنا في موقع “مناطق نت”، نتابع التأريخ الديموغرافيّ والاقتصاديّ للنواحي اللبنانيّة في القرن الأوّل من الحِقبة العثمانيّة المشرقيّة (1516-1574). ونضع بين يديّ القارئ الكريم بحثًا عن مدينة صيدا، من خلال قراءة وتحليل معطيات وثائق دفاتر الطابو تحريري الرسميّة للسنوات: 932هـ/1525-1526م (رقم 430، ص332-338)؛ و959هـ/1552م (رقم 383، ص 390-408)؛ و981هـ/1573-1574م (سنة التجديد والمراقبة) (رقم 543، ص 338-358 ). حيث يتبيّن أنّ صيدا انتقلت من قرية متوسّطة الحجم، إلى مدينة مترامية الأطراف، تعجّ محلّاتها بالسكّان، وبالنشاطات التجاريّة والزراعيّة. فكيف ذلك؟ (دفتر رقم 430، ص 332)

دفتر طابو رقم 430 صفحة 332

لقد كانت مدينة صيدا، قبل أن تصبح مركز ولاية في سنة 1660، مركز ناحية، وتتبع لها نواحي إقليم التفّاح، وإقليم شومر وإقليم خرنوب (الخروب) وجزّين، وتقسم إلى ثلاثة محلّات أو أحياء متقاربة العدد في سكّانها، هي: محلّة قلعة (64 ذكرًا)، ومحلّة دكاكين (67 ذكرًا)، ومحلّة بحر (63 ذكرًا)، وتتبع لها مجموعة من المزارع غير المأهولة، هي: كنيسة المتمّمة لصيدا ببساتينها على نهر الأوّلي وقريعيّة وكفرديش والجديدة وبرغوتيّة وبتيقا وجديدة ديربيل وسلميّه وهلاليّة فارس وهلاليّة الخراب وميمونيّة ودلبو/حلبو وابرامية (البراميّة) وعين دلب (الدلب) وزنكليه… وما سنعالجه في هذه المقالة هو تطوّر مدينة صيدا بدون مزارعها سكّانيًّا واقتصاديًّا.

التطوّر السكّانيّ للمدينة

ففي الدفتر رقم 430، لإحصاء 1525م، بلغ عدد ذكور مدينة صيدا المسلمين نحو 194 بالغًا: منهم 164 خانة، أو ذكرًا متزوّجًا، أو ربّ أسرة (84.53 بالمئة) و26 عازبًا أو مجرّدًا (13,4 بالمئة)، بالإضافة إلى 4 خطباء (رجال دين معفيّين من ضرائب النفوس) (2 في المئة). في حين بلغ عدد الذكور اليهود المتزوّجين نحو 26 نفرًا (خانة). فيكون عدد مجموع الذكور البالغين لتلك السنة نحو 220 ذكرًا، ومجموع السكّان العام حوالي 1100 نسمة بالحدّ الأدنى، وذلك من خلال ضرب عدد الذكور البالغين بالعدد خمسة.

أمّا في سنة 1552م، وبعد مرور نحو 27 سنة ارتفع عدد ذكور صيدا البالغين من 220 إلى 759 نفرًا (3,45 ضعفًا)، أيّ إلى نحو 3795 نسمة؛ وتوزّع هؤلاء الذكور على: 723 ذكرًا مسلمًا (672 متزوّجًا، 93 بالمئة)، و47 عازبًا (6,5 بالمئة)، و4 رجال دين (0,5 بالمئة): 3 خطباء ومؤذّن واحد. أيّ بزيادة مقدارها 529 ذكرًا، وما نسبته 272,7 بالمئة، و36 ذكرًا يهوديًّا متزوّجًا، أيّ بزيادة مقدارها 10 أشخاص، وبنسبة 38,46 بالمئة. وهكذا ارتفع عدد سكّان صيدا في خلال 27 سنة، من 1100 نسمة إلى نحو 3795 نسمة (3,45 ضعفًا) أيّ بزيادة مقدارها نحو 2675 نسمة (243 بالمئة).

وفي العام 1574، وبعد شبه استقرارٍ للوضع الديموغرافيّ في المدينة والاقتصاديّ، لم تطرأ خلال 22 سنة أيّة زيادة كبيرة على السكّان، باستثناء قدوم ثلاث أسر مسيحيّة لتستوطن في صيدا، وتشكّل ما نسبته 0,54 بالمئة من مجموع الذكور المتزوّجين، و0,38 بالمئة من المجموع العام للذكور البالغين، مقابل تراجع عدد الأسر اليهوديّة بنسبة 30,5 بالمئة، أيّ من 36 إلى 25 أسرة أو خانة عن سنة 1552؛ في حين ارتفع عدد الذكور المسلمين من 723 نفرًا إلى 760 ذكرًا، أيّ بزيادة مقدارها فقط 37 نفرًا (5,12 بالمئة). ولقد توزّع هؤلاء المسلمون الذكور على 528 متزوّجًا (خانة أو أسرة) (69.5 بالمئة)، و230 عازبًا مجرّدًا (30,26 بالمئة)، وخطيبين اثنين كرجال الدين (0,27 بالمئة). وهكذا بلغ عدد مجموع الذكور البالغين نحو 788 ذكرًا، فيكون المجموع العام لتلك السنة نحو 3940 شخصًا.

في العام 1574، وبعد شبه استقرارٍ للوضع الديموغرافيّ في المدينة والاقتصاديّ، لم تطرأ خلال 22 سنة أيّة زيادة كبيرة على السكّان، باستثناء قدوم ثلاث أسر مسيحيّة لتستوطن في صيدا، وتشكّل ما نسبته 0,54 بالمئة من مجموع الذكور المتزوّجين، و0,38 بالمئة من المجموع العام للذكور البالغين.

وهذه النسبة الكبيرة لعدد العازبين في إحصاء 1574، تلفت النظر، وترجّح احتمالين: الأوّل، إحجام الفتيات عن الزواج بسبب ضريبة العروسة المرتفعة نسبيًّا؛ والثاني، هو قدوم عناصر شابّة عازبة من القرى الريفيّة المجاورة والبعيدة، للعمل على مرفأ صيدا أو في معامل حرفها وفي بساتينها، بعد أن نمت تجارة صيدا وصناعتها.

أمّا كيف تطوّر عدد سكّان المحلاّت الصيداويّة: فقد ارتفع عدد سكّان محلّة القلعة على التوالي من 320 نسمة، الى 1485 (4,64 ضعفًا)، ثمّ تراجع إلى 1435 نسمة (4,5 ضعفًا)؛ كما ارتفع عدد سكّان محلّة دكاكين، أيّ حي الأسواق التجاريّة من335 نفسًا، إلى 1095 (3,27 ضعفًا)، ثمّ تراجع إلى 1005 نسمة (3 أضعاف عن إحصاء 1525)؛ بينما ارتفع عدد سكّان محلّة بحر (حي سبع أعين قديمًا) من 315 نسمة إلى 1035 (3.3 ضعفًا)، ثمّ إلى 1360 نسمة (4,3 ضعفًا). وهكذا كانت محلّة قلعة العام 1574، بالرغم من كثرة عدد العازبين فيها (38,4 بالمئة)، أكثر كثافةً بالسكّان، تليها محلّة البحر، التي كانت نسبة العازبين فيها 25,7 بالمئة، ثمّ محلّة الأسواق التجاريّة بنسبة 24,8 بالمئة.

ولعلّ، أهمّ ما يدلّ عليه هذا التطوّر السكّانيّ لمدينة صيدا وناحيتها، هو أنّ السكن، إبّان الحِقبة العثمانيّة الأوّلى، لم يكن في يومٍ من الأيّام دينيًّا أو مذهبيًّا أو قوميًّا إثنيًّا، بل كان مختلطًا. وخير دليل على ذلك، تشجيع إدارة السلطنة العثمانيّة لهذا السكن المختلط الجديد من خلال إعفاء المكلّفين المسيحيّين القادمين إلى المدينة من ضريبة الجزية التي كان يدفعها اليهود، والبالغة آنذاك 75 أقجة على كلّ مكلّف غير مسلم، وهي قيمة كبيرة بمقابل ما يدفع المسلم عن شخصه تحت اسم احتساب أنفس، كان أهالي صيدا لا يدفعونها.

إضافة إلى السماح لهم بامتلاك الأراضي والبساتين أسوةً بالمسلمين، وبناء ديرٍ في باطن المدينة، وامتلاك الدير وأسقفه الحواكير والبساتين والعقارات الخاصّة، مثلًا: كرم اسعق ملك الدير، مساحته نصف فدّان (دفتر رقم543، ص353).

كما تدلّ الوثائق على أنّ التنقّل من منطقة إلى أخرى كان حرًّا، طالما العمل اليدويّ متوافرًا، والملكيّة الخاصّة مباحةً للجميع بدون استثناء شرط إقامة البساتين والحدائق الزراعيّة المُنتجة المُغذِّية لواردات الريع العثمانيّ وتوابعه. لذا كانت الأراضي البكر تنادي السواعد العارية لاستثمارها وإحياء الموات منها وغرسها بشتّى أشجار الزيتون والتوت والتين والكرمة، والحمضيّات، وغيرها من أنواع الفاكهة والخضار الساحلية.

التطوّر الاقتصاديّ لمدينة صيدا ومزارعها

بعد مرور أكثر من خمسين سنة من الحكم العثمانيّ لبلاد الشام ارتفعت واردات مدينة صيدا الضريبيّة، على انتاجها الزراعيّ والتجاريّ والحرفيّ، بشكل كبير. فبعد أن كانت العام 1525، حوالي 17843 أقجة، بدون جزية اليهود، وتشتري نحو 178,43 غرارة قمح (السعر الرسمي للغرارة 100 أقجة) وتؤمّن بذلك التغذية السنويّة لنحو 1285 شخصًا (تقريبًا 1.17 ضعف سكّان المدينة أنذاك)، باعتبار أنّ كلّ غرارة، آنذاك، كانت تساوي 72 مُدًّا، والشخص يحتاج إلى 10 أمدادٍ سنويًّا. فارتفعت تلك المحاصيل الضريبيّة بعد 27 سنة، أيّ سنة 1552، إلى قيمة 120790 أقجة (7 أضعاف تقريبًا)، أيّ ما يشتري نحو 929 غرارة قمح (سعر الغرارة الرسميّ كان آنذاك 130 أقجة).

وبذلك كانت تلك العائدات الضريبيّة تكفي لتغذية حوالي 6688 شخصًا في السنة بمادة القمح (1,8 ضعف سكّان صيدا للعام 1552). وفي إحصاء العام 1574، بلغت قيمة العائدات الضريبيّة لمدينة صيدا نحو 122610 أقجة (7 أضعاف عن سنة 1525، و1,02 ضعفًا عن سنة 1552). وهذه الكمّيّة من العائدات كانت تشتري نحو 875.8 غرارة من القمح (سعر الغرارة 140 أقجة)، وبالتالي تكفي لمؤونة نحو 6305 أشخاص في السنة (1.6 ضعف سكّان صيدا لذلك العام).

وهكذا كانت عائدات صيدا الضريبيّة دائمًا تفوق قيمتها حاجة أهالي المدينة المقيمين لشراء مؤونتهم من القمح سنويًّا، فكيف بالحري إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ تلك العائدات كانت لا تقدّر إلّا بقسم من ربع الإنتاج الفعلي (الخراج المقطوع قسم من الربع)، أيّ يمكن أن يصل افتراضيًّا إلى نسبة 12,5 بالمئة. فلذا يمكن افتراض قيمة الإنتاج الفعليّ بحدّه الأدنى، إذا أخذنا بعين الاعتبار التهرّب الضريبيّ الذي يحدث عادةً عند ضعفاء النفوس والجشعين، فتكون على التوالي للسنة 1525، 142744 أقجة، وتشتري قمحًا لنحو 10277 نسمة (9,34 أضعاف سكّان صيدا لتلك السنة)؛ ولسنة 1552، نحو 966320 أقجة، وتشتري قمحًا لمؤونة نحو 53519 نسمة في السنة (14 ضعفًا)، ولإحصاء 1574، حوالي 980880 أقجة، أيّ ما يمكن شراء بهذه القيمة النقدية، آنذاك، قمحًا مؤونة سنة كاملةً لنحو 50445 نسمةً، أيّ لنحو 13 ضعفًا من السكّان المقيمين في المدينة لتلك السنة (دفتر 543، ص 352).

أمّا كيف توزّعت تلك العائدات الضريبيّة، وتتطوّرت قيمة محاصيلها النقديّة؟ فكانت على الشكل الآتي:

قطاع التجارة والخدمات

1- مرفأ صيدا (الأسكلة): لقد ارتفعت عائداته الضريبيّة في السنة من 2000 أقجة العام 1525، إلى 16000 أقجة العام 1552، (8 أضعاف)، ثمّ إلى 18000 أقجة، العام 1574، (9 أضعاف).

2- سوق القصّابين (قصابنيه/قصابان)/ اللحامين: ارتفعت عائدات رسوم هذا السوق من 1000 أقجة إلى 1800 أقجة (1,8ضعفًا)، ثمّ إلى 2000 أقجة (ضعفان).

3- محصول بازار الدبس الضريبيّ: حافظت عائدات سوق الدبس السنوية على قيمتها (250 أقجة) لإحصاء العامين 1525، و1552، لتُحتسب قيمتها في العام 1574، مع مجمل أصناف الأسواق التجاريّة والقبّان والكيّالية.

4- رسوم السوق التجاريّ والقبّان والكيّالة: في إحصاء العام 1525، تمّ احتساب محصول كل من القبّان (2500 أقجة) والكيّاليّة (600 أقجة) على حدى. بينما في إحصاء 1552، تمّ دمجها مع الأصناف التجاريّة المختلفة من أقمشة وجلود وحبوب وغيرها، بحيث بلغ محصولها الضريبيّ جميعًا نحو 20000 أقجة (6,5 ضعفًا)، لترتفع في العام 1574، وتصل إلى 22000 أقجة بعد احتساب محصول بازار الدبس معها.

5- باج بازار (سوق تجارة) الأسب (الحصان) والدواب كالحمير والجمال والبغال وغيرها من حيوانات النقل، حيث بلغت على التوالي 400 أقجة ثمّ 3000 أقجة (4,5 ضعفًا)، ثمّ 3200 أقجة (8 أضعاف).

6- عائدات الميخانه، أيّ حانة احتساء الخمور ولعب الميسر (القمار) التي كانت تسمح إدارة السلطنة لغير المسلمين بارتيادها. فبسبب الازدهار المدينيّ الاقتصاديّ واستتباب الأمن العثمانيّ استقطبت المدينة الكثير من الحجّاج الأوروبيّين في طريقهم إلى القدس فتمّ إنشاء الخمّارة (الميخانة) التي بدأ في احتساب محصولها الضريبيّ منذ إحصاء العام 1552، حيث بلغت قيمته نحو 6000 أقجة، لترتفع قيمته عام 1574، إلى مقدار 10000 أقجة (1,66 ضعفًا).

كانت إدارة السلطنة تسمح لغير المسلمين بارتياد الميخانه، أيّ حانة احتساء الخمور ولعب الميسر (القمار). فبسبب الازدهار المدينيّ الاقتصاديّ واستتباب الأمن العثمانيّ استقطبت المدينة الكثير من الحجّاج الأوروبيّين في طريقهم إلى القدس فتمّ إنشاء الخمّارة (الميخانة)

7- محصول العسسيّة، أيّ حرّاس المدينة، وبخاصّة الليليّين المولجين بحماية الأسواق التجاريّة وأماكن السهر واللهو، وردع القباحات وقمع مخالفات المخلّين بالأمن والاحتشام والأخلاق. كان هذا المحصول الضريبيّ لهم سنويًا 2000 أقجة، يحصّلونه من المخالفين والمشاغبين، ومن أصحاب المحلّات التجاريّة الذين يفتحون دكاكينهم خارج الدوام المسموح به.

8- رسم عادة حماية قافلة اليهود والمسيحيّين المحليّين والأوروبيّين خلال زياراتهم لمدينة القدس الشريف: لقد ارتفع هذا المحصول من 1000 أقجة في إحصاء 1525، و1552، إلى 1200 في العام 1574م (1,2 ضعفًا).

9- بدل تأجير البرجين (برج الخيّاط وبرج صلحات) لتربية الحمام الزاجل أو العادي والدجاج بقيمة 4240 أقجة فقط في إحصاء 1552، دون تدوين محرّر دفتري 543، أيّ إشارة لعدم فرض رسوم هلى هذين البرجين في تلك السنة.

ملاحظة: كان يتبع البرجين حمّامان عامّان، واحد معطّلًا، والآخر يعمل ولكنّه كان معفيًّا من الرسم لأنّه حمّام للعموم وملك إدارة المدينة (ملك عام).

قطاع الحرف، أو محصول المغالق

1- المصبنة: لم تكن الرسوم السنويّة على المصبنة كبيرة نسبيًّا، حيث تراوحت على التوالي: بين 450 أقجة و265 أقجة و300 أقجة. ولكن بالمقابل فُرضت رسومٌ إضافيّة على دخان أبواب المصبنة، ابتداءً من إحصاء العام 1552، بقيمة 1050 أقجة على 3 مداخن ونصف (3,5)، ليرتفع هذا الرسم العام 1574، إلى 1400 أقجة، مع 4 أبواب.

2- عصّارة وعطّارة كلّ من واديي المعلى ودالى اللّتين ارتفع محصولهما الضريبيّ من بيع عصير الليمون (الشرابات) وتقطير ماء زهر أبو صفير وبقيّة الأعشاب الطبّيّة من 19000 أقجة العام 1552، إلى 20000 أقجة العام 1574. مع العلم أنّ هذه الحرفة لم تذكر في الدفتر 430 للعام 1525.

3- محصول الفحّامة ( الفحّانه، أيّ المشاحر لصناعة الفحم الطبّيّ: أرتفع رسمها السنويّ من 400 أقجة العام 1552، إلى 500 أقجة العام 1574، في الوقت الذي لم تذكر في إحصاء 1525.

4- معاصر الزيت: بلغ عدد معاصر الزيت في إحصاء العام 1552، 18 معصرة، ليرتفع هذا العدد إلى 20 العام 1574. وهكذا لم تعرف مدينة صيدا قبل وثبتها الاقتصاديّة من العام 1548، أيّ تواجد لمعاصر الزيت فيها، إلاّ بعد تمتّعها بالأمان والاستقرار إبّان الحكم العثمانيّ (كان رسم المعصرة الضريبيّ السنوي 60 أقجة).

5- دواليب الحرير: كما لم يتمّ احصاء معاصر الزيت في العام 1525، أيضًا لم يسجّل في تلك السنة أيّ دولاب لحلّ الحرير، وأوّل تسجيل لدواليب الحرير كان في إحصاء 1552، حيث بلغ عددها 4 دواليب فقط، ورسم ضريبتها 240 أقجة، ومن ثمّ ارتفع العدد في إحصاء 1574، إلى 10 (2,5 ضعفًا) دواليب، وقيمة رسمها إلى 600 أقجة (الرسم السنوي 60 أقجة على كلّ دولاب).

6- رسم استخراج الملح أيّ محصول مملحة البرج البرّاني بمحلّة الحريريّة: ارتفع رسمها السنوي من 100 أقجة العام 1525، إلى 1000 أقجة (10 أضعاف) لإحصاء العامين 1552، و1574.

7- المطاحن: بالرغم من وجود منطقة في خراج صيدا تحمل اسم دكرمان، أيّ الطواحين باللغة العثمانيّة، وقرب المدينة من نهر الأوّليّ، إلاّ أنّ صيدا كانت فقيرة نسبيًّا بالمطاحن، بحيث كان عددها في إحصاء 1525، مطحنتين، وكلّ منها على حجرين، فأصبحت في إحصاء العامين 1552 و1574، مطحنة واحدة فقط، على حجرين (مطحنة نهر الأوّليّ)، دون تدوين أيّ ملاحظة من قبل محرّري الدفاتر إن كانت تعطّلت تلك المطحنة، أم أُتبعِت إلى ناحيةٍ أخرى. مع العلم، أنّ الرسم السنوي لحجر الرحى الواحد كان 30 أقجة، يُضاف إليه رسم حاصلات مطحنة نهر الأوّلي السنويّ، من إنتاجها وإنتاج البساتين المحيطة بها، البالغ على التوالي: 2500 أقجة للعامين 1525، و1552، و2400 أقجة للعام 1574.

محاصيل قطاع الزراعة وتربية المواشي

1- رسوم الماعز والنحل: لقد بلغت قيمتها السنويّة العام 1574، نحو 800 أقجة، دون أن يذكر محرّر الدفتر (430) أيّ معلومة عن رسم تربية النحل والماعز للعام 1525. بينما ضمّ محرّر الدفتر (383) للعام 1552، هذا الرسم إلى تحصيلات العسسيّة، بحيث بلغت 12000 أقجة، ممّا لا يسمح بمعرفة رسم كلّ منها. ولكن في العام 1574 (دفتر 543)، تمّ تخصيص بند خاص لرسم النحل والمعاعز فبلغ 800 أقجة. من هنا، فلو احتسبنا قيمة هذا الرسم، كلّها على الماعز فيبلغ عدد رؤوسها 1600 رأسٍ، باعتبار أنّ قيمة الضريبة كانت أقجة واحدةً على كلّ رأسين. وفي حين اعتبرناها كلّها نحلًا فيبلغ عدد الخلايا 800 خليّة، وذلك لأنّ ضريبة الخليّة الواحدة كانت آنذاك أقجة واحدة فقط.

2-رسوم تربية الأبقار: ارتفعت هذه الرسوم تحت اسم رسم جواميس، من 150 أقجة العام 1552، إلى 200 أقجة، العام 1572 (1,33 ضعفًا).

3- رسوم القيشلاق: أيّ أمكنة مشتى الماعز والأغنام: بما أنّ صيدا كانت مدينة ساحليّة، وتمتلك في خراجها آنذاك المغاور والكهوف والمراحات الدافئة والصالحة لمبيت قطعان الماعز والأغنام في فصل الشتاء؛ تلك القطعان الوافدة من المناطق الجبليّة الباردة، لذا ارتفع مردود هذه الأماكن من 1000 أقجة العام 1525، إلى 6000 أقجة (6 أضعاف) العام 1552، ثمّ إلى 7000 أقجة (7 أضعاف) العام 1574.

4- محصول المراعي (المعارنة): بسبب ازدياد أعداد رؤوس قطعان المواشي الوافدة إلى سهول المدينة قرّرت إدارة المدينة منذ العام 1552، استيفاء رسم تأجير المراعي العامة المشاعيّة آنذاك، وخصّصت لذلك مساحةً قُدّرت بعشرة فدادين (الفدّان 3 أنواع: الرومانيّ والإسلاميّ والكدنة اليوميّة التي تقدّر بـ4200 -4800 مترًا مربّعًا في الأراضي السهليّة) بحيث بلغت قيمة إيجارها السنويّة نحو 2000 أقجة العام 1552، لترتفع العام 1574، إلى 3000 أقجة (1,5 ضعفًا).

5- تأجير سهول صيدا المشاعيّة العامّة أيّ السليخ البيضاء (بروشا) الصالحة لزراعة الخضار. فبعد ازدهار زراعة سهول المدينة وازدياد عدد سكّانها، أخذت المدينة تستقطب أبناء القرى الجبليّة القريبة: كشحيم ومزبود وداريّا والبعيدة كسحمر ويحمر والشقيف، ممّا سمح لهؤلاء المزارعين الوافدون بضمان الأراضي السليخ المرويّة لزراعة الخضار على أنواعها، بحيث بلغت قيمة بدل الإيجار السنويّ للعام 1574، نحو 5000 أقجة. وكانت هذه القيمة النقديّة بإمكانها شراء نحو 2571 مُدّا من القمح، على سعر 140 أقجة للغرارة الواحدة، وتؤمّن بذلك الغذاء سنويًّا لنحو 257 شخصًا بمادّة القمح الضروريّة لمعيشة الإنسان في المجتمعات الزراعيّة.

بعد ازدهار زراعة سهول المدينة وازدياد عدد سكّانها، أخذت المدينة تستقطب أبناء القرى الجبليّة القريبة: كشحيم ومزبود وداريّا والبعيدة كسحمر ويحمر والشقيف ممّا سمح لهؤلاء المزارعين الوافدون بضمان الأراضي السليخ المرويّة لزراعة الخضار على أنواعها

6- خراج البساتين والكروم وأراضي الزيتون: لقد ارتفع عدد الأراضي الزراعيّة من حقول وبساتين صيدا وحواكيرها بشكل كبير بين سنتي 1525 و1574. ففي حين كان العام 1525، نحو 72 موقعًا، منها: 55 بستانًا (26 بستانًا داخل المدينة + 5 بساتين على ضفاف نهر الأوّلي + 23 بستانًا في منطقة الشقيف بطلّون)؛ و3 حواكير (الحاكورة هي أرض صغيرة خصبة مصوّنة) و13 قطعة أرض، وكرم واحد (الكرم: عادة هو حقل عنب أو تين أو زيتون أو توت أو مختلف من فاكهة متنوعّة مجتمعة في حقل واحد)، وحقل زيتون فارسيّ ملك وقف الحرمين الشريفين، كان خراجه السنويّ لوحده 1000 أقجة؛ وباقي الحقول والبساتين 3384 أقجة، ولكن هذا البستان الأخير أصبح عند إحصاء سنتي 1552 و1574، بمساحة 10 فدادين، مناصفةً بين الوقف وبانمور، دون توضيح من هو بانمور (دفتر رقم 543، ص 356).

وفي العام 1552، بلغ عددها نحو 188 موقعًا زراعيًّا مع مزرعة كنيسة (2,6 ضعفًا) منها: 90 حاكورة و47 بستانًا و34 كرمًا و17 قطعة أرضٍ لزراعة المزروعات الصيفيّة). ولقد قُدِّرت المساحة المزروعة للعام 1552، بنحو 322 فدّانًا منها في مزرعة كنيسة لوحدها 96 فدّانًا (تقريبًا 30 بالمئة). بينما في إحصاء 1574، بلغ عدد المواقع الزراعيّة على أنواعها نحو 184 موقعًا، منها: 91 حاكورة، و45 بستانًا و17 كرمًا و31 قطعة أرض بيضاء (سليخ). كما بلغ مقدار مساحتها نحو 372 فدّانًا، منها 110 فدادين (29.5 بالمئة) في مزرعة كنيسة لوحدها. وهكذا يظهر أن الكروم خسرت موقعها الشجري وتحوّلت إلى أراضٍ للمزروعات الصيفيّة لإنتاج الخضار على أنواعها.

7- متفرّقات ضريبيّة: بادهوا وجرم وبيت مال ومال مفقود ومال غائب ورسم عروسان، بلغت العام 1525، نحو 3750 أقجة، ثمّ انخفضت إلى 2000 أقجة في العام 1552، لتعود وترتفع العام 1574، إلى 3000 أقجة. ويعود سبب انخفاض هذه العائدات إلى نسبة العازبين المرتفعة وإحجامهم عن الزواج في إحصاء 1574، حتّى لا يضطّرون لدفع “بدل “العروسان”، وأيضًا بسبب انخفاض الجريمة وعدم مغادرة المكلّفين بالضرائب والرسوم مدينتهم.

بعض الإستنتاجات

1- تثبت دفاتر الطابو تحريري العثمانيّة أنّ مدينة صيدا، لم تبقَ خرابًا حتّى العام 1595، كما تتحدّث السرديّات التاريخيّة الكلاسيكيّة، بينما كانت قد أصبحت مرفأ مدينة الشام (دمشق) التجاريّ، ونما اقتصادها الزراعيّ والتجاريّ بشكلٍ مطردٍ وتأهّلت لتكون مركز نفوذ الأمير فخر الدين منذ العام 1595. يقول عارف الزين في كتابه عن مدينة صيدا: “… إنّ صيدا كانت حتى سنة 1004هـ- 1595م قرية لا شأن لها… حيث جدّدها الأمير الدرزيّ العظيم فخر الدين… ص63″، أيضًا عبد العزيز سالم، تاريخ صيدا في العصر العثمانيّ 1986، 185-186.

2- لقد تطوّرت الزراعة، والصناعة الحرفيّة لاستخراج الزيت وصناعة الصابون وتحضير المربّيات ومياه الأزهار المقطّرة.

3- كانت مدينة صيدا مركز استقبال الحجّاج المسيحيّين القادمين من أوروبّا أو من الداخل اللبنانيّ ومن الجوار العربيّ بهدف نقلهم برًّا إلى فلسطين.

4- تظهر تسجيلات دفاتر الطابو تحريريّ أنّ كلّ البساتين والحواكير والكروم والأراضي الزرعيّة كانت مملوكةً ملكيّة خاصّة إفراديّة أو وقفيّة أو بالشراكة، دون التمييز بملكيّتها طائفيًّا ودينيًّا. فكان هناك ملكٌ للدير ولأفراد من اليهود والمسيحيّين، كما كان هناك ملكيّات لشيخ الإسلام الأكبر والوزير السكاكينيّ وغيرهم من المقيمين أو الوافدين إلى صيدا (من سحمر وبليبل وشحيم وغيرها).

تظهر تسجيلات دفاتر الطابو تحريريّ أنّ كلّ البساتين والحواكير والكروم والأراضي الزرعيّة كانت مملوكةً ملكيّة خاصّة إفراديّة أو وقفيّة أو بالشراكة، دون التمييز بملكيّتها طائفيًّا ودينيًّا

ولكنّ تلك الملكيّات كانت صغيرة نسبيًّا حتّى أنّ بعض الحواكير أو الكروم لم تتعدَّ مساحة بعضها نصف ربع الفدّان (ثِمن 1/8) أيّ نحو 525 مترًا مربّعًا ، إذا اعتبرنا مساحة الفدّان في الأرض السهليّة 4200 متر مربّع. ولكن بالمقابل كان هناك مساحات كبيرة تخطّت العشرة فدادين ووصلت إلى نحو 14 فدّانًا. (ملاحظة: تراوحت مساحة الحاكورة بين ثُمْن(1/8) من الفدّان و5 فداين، أمّا البساتين فتراوحت مساحتها في باطن المدينة بين ربع فدّان و8 فدادين، وفي مزرعة كنيسة بين فدّانين و14 فدّانًا، والكرم فيها بين فدّان ونصف و5 فدادين، مقابل مساحة ثُمن فدّان و7 فدادين لكروم باطن المدينة.

5- إنّ ملكيّة الأحراج والمراعي والكهوف والمغاور وشاطئ البحر والحمّامين والسهول المرويّة قبل تجزئتها، كانت ملكيّة عامّة.

6- يظهر من التسجيلات العثمانيّة أنّ بعض الملكيّات التي كانت مشتركةً، هي نتاج شراكة المغارسة بين المزارعين والنافذين، على سبيل: كرم الوزير وشركائه فدّان وربع (الوزير السكاكيني)، حاكورة شرّاقة وشركاه (فدّان وربع)، وحاكورة حسام الدين وشركائه (فدّان وربع)، [ دفتر رقم 543، ص 353].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى