وقفُ تمويل “الأونرُوا”.. الخطر يحدّق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان

من دون أيّ تمهيد يُذكر، قرّرت الولايات المتّحدة الأميركيّة ومعها دول كثيرة، من بينها، كندا وأستراليا وإيطاليا، تعليق الدّعم الماليّ لوكالة الأُمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين “أونروا”، وكأنّ الفلسطينيّين في غزّة كما في دول الشّتات، كان ينقصهم المزيد من التّفقير والتّدمير والإجحاف.

وفي لبنان، أقلق هذا القرار اللّاجئين الفلسطينيّين، ممّن يتلقّون مساعدات من الأونروا، لا سيّما أنّهم، مثل كثيرين من اللبنانيّين، يعانون من تبعات الأزمة الاقتصاديّة والنقديّة الخانقة التي عصفت بلبنان منذ أكثر من أربع سنوات، وكذلك تبعات حرب لا تزال مفتوحة على الحدوده الجنوبيّة للبلاد.

في سياق القرار

يأتي هذا القرار، في أعقاب اتّهام إسرائيل موظّفين في الوكالة الأُمميّة، بالضلوع في هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، وكأنّه بمثابة عقاب جماعيّ بحقّ جميع اللّاجئين الفلسطينيّين، علمًا أن لا تحقيقات أجريت من قبل الجهات المانحة للتأكّد من هذه المعلومات. وعلى أثر هذا الاتّهام، قرّرت الأونروا فسخ عقود 12 من موظّفيها ممّن اتّهمتهم إسرائيل.

أطفال فلسطينيات أثناء خروجهن من إحدى مدارس الأونروا في لبنان (الصورة من بوابة اللاجئين الفلسطينيين)

هذا الأمر اعتبره معظم الفلسطينيّين أنّه اتّهام مفبرك جاء على خلفيّة استعانة محكمة العدل الدوليّة بتقارير من الوكالة تثبت فيها معاناة الفلسطينيّين ومجازر قوّات الاحتلال التي نفّذتها في غزّة وأودت بحياة أكثر من 27 ألف شخص وخلّفت أكثر من 66 ألف جريح ودمار شبه شامل.

الأونروا، وكالة أُمميّة أنشئت في العام 1949، لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين في الشرق الأدنى، وحدّدت لها الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة ولاية تزويد الخدمات الأساسيّة مثل التعليم والصحّة والإغاثة والخدمات الاجتماعيّة للاجئين الفلسطينيّين في الشرق الأوسط؛ تموّل من تبرّعات دوليّة على رأسها الولايات المتّحدة الأميركيّة والاتّحاد الأوروبيّ، وتقدّم مساعداتها لنحو 6 ملايين لاجئ في مناطق عمليّاتها الخمس، في قطاع غزّة والضّفة الغربيّة ودول الشّتات؛ لبنان والأردن وسوريّا.

دائمًا تتهم إسرائيل الوكالة الأُمميّة، بأنّها السّبب في استمرار الصّراع، لأنّها تُفشل محاولات إعادة توطين اللّاجئين، وقد سعت طوّال الأعوام الماضيّة إلى إنهاء وجودها، ولأجل ذلك دعا رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو صراحة في العام 2018 إلى وضع اللاجئين الفلسطينيّين تحت إدارة مفوضيّة شؤون اللاجئين في الأمم المتّحدة.

في مضمون القرار

حتّى كتابة هذا التحقيق، بلغ عدد الدّول التي علّقت مساعداتها الماليّة عن الأونروا 16 دولة، في حين قرّرت بعض الدّول مثل إسبانيا مواصلة الدّعم وأخرى مثل سويسرا وفرنسا انتظار نتائج تحقيق يجري في الاتّهامات الموجّهة، علمًا أنّ القرار كان مفاجئًا وسريعًا ويأتي في توقيت حرج جدًّا نسبة إلى ما يجري في قطاع غزّة.

حتّى كتابة هذا التحقيق، بلغ عدد الدّول التي علّقت مساعداتها الماليّة عن الأونروا 16 دولة، في حين قرّرت بعض الدّول مثل إسبانيا مواصلة الدّعم وأخرى مثل سويسرا وفرنسا انتظار نتائج تحقيق يجري في الاتّهامات الموجّهة.

“كأنّه حكم بالإعدام على اللاجئين الفلسطينيّين” يقول مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين ومؤسّس الحملة الشعبيّة الدّوليّة “الأونروا حقّي حتّى العودة” علي هويدي لـ”مناطق نت” ويضيف: “هذا القرّار ستكون له انعكاسات جدًّا واضحة وصعبة على المستوى الإنسانيّ في مناطق عمليّات الأونروا الخمس، ومنها لبنان، وستظهر هذه الانعكاسات بشكل واضح على طبيعة الخدمات الإنمائيّة والمعيشيّة المقدّمة للاجئين، ففي حال توقّفت المساعدات سيرتفع عدد الفقراء أكثر، خصوصًا وأنّ نسبة الفقراء ممّن يعيشون تحت خطّ الفقر في مخيّمات اللجوء في لبنان مرتفعة في الأصل”.

من جهته يرى مسؤول اللّجان العمّاليّة الشعبيّة الفلسطينيّة في لبنان، عبد الكريم الأحمد، “أنّ هذا القرار بما فيه من سلبيّة يشكّل حكمًا قاسيًا جدًا على اللّاجئين، وهو أشبه بحكم الإعدام، كونه يعلّق جزءًا ليس ببسيط من المساعدات السنويّة الممنوحة للأونروا، هي بمثابة عون للّاجئين، برغم قلّتها”.

ويقول لـ”مناطق نت”: “إنّه إجراء سياسيّ ضاغطٌ على اللّاجئين الفلسطينيّين كافّة، من دون استثناء، إذ إنّ حوالي 70 في المئة من سكّان غزّة هم لاجئون في القطاع منذ العام 1948. وهو ليس مستغربٌ كونه امتداد لاستهدافاتٍ سابقةٍ واجهتها الأونروا على مرّ السنوات الماضيّة”. ويضيف الأحمد: “في حال لم يتمّ التراجع عنه، ستكون له تأثيراتٌ بالغة السوء والسلبيّة على وضع اللّاجئين في لبنان وباقي مناطق تواجدهم”.

استجابة عمياء سريعة جدًّا

وعن استجابة الدّول السّريعة للطّلب الإسرائيليّ، يرى الخبير الاقتصاديّ بلال علامة في حديث مع “مناطق نت”: “إنّها ملفتة جدًا وعمياء، وهي إن دلّت على شيء فعلى أنّ مستقبل الأونروا أصبح في خطر”.

ويلفت علامة إلى أنّه “حتّى الآن لم يصدر أيّ بيان رسميّ يفيد بأنّ الأونرّوا ستتوقّف خدماتها في مناطق عملها، باستثناء تحذيراتها من توقّف عمليّاتها نهاية الشهر الجاري، في حال بقي تمويلها معلّقًا. وما صدر عن نتنياهو بأنّه لن يسمح للأونروا بالعمل في الأراضي الفلسطينيّة بعد انتهاء الحرب، حتمًا سيساهم توقيف التّمويل في توقّف خدماتها”.

بلال علامة: حتّى الآن لم يصدر أيّ بيان رسميّ يفيد بأنّ الأونرّوا ستتوقّف خدماتها في مناطق عملها، باستثناء تحذيراتها من توقّف عمليّاتها نهاية الشهر الجاري، في حال بقي تمويلها معلّقًا. وما صدر عن نتنياهو بأنّه لن يسمح للأونروا بالعمل في الأراضي الفلسطينيّة بعد انتهاء الحرب، حتمًا سيساهم في توقّف خدماتها”.

نقطة أخرى، يلفّت إليها علامة، تتعلّق بما صرّح به “نتنياهو”، حينما قال: إنّ على الأُمم المتّحدة أن ترسل مفوضيّة اللاجئين لتحلّ مكان الأونرّوا في فلسطين، “وهذا يعني أنّ الفلسطينيّ سيعامل آنذاك معاملة الشّخص اللّاجئ، الذي عادة ما تسعى المفوضيّة لأخذه إلى أمكنة أخرى قريبة أو بعيدة من حيث تواجده”، وهذا أمرٌ بحسب علامة “خطير جدًّا كونه لا ينطبق على حالة الفلسطينيّ الذي يسكن أرضه وأرض أجداده، وكون هذا الطّلب يعني في خباياه إنهاء القضيّة الفلسطينيّة أو تصفيتها بالمعنى الإداريّ”.

لاجئو لبنان في 12 مخيّمًا

بداية يعيشُ في لبنان حوالي 250 ألف لاجئ فلسطينيّ، ينتشرون في 12 مخيّمًا رسميًا للّجوء، “وهو رقمٌ تقريبيّ للذين يستفيدون من خدمات الأونروا المختلفة، في حين أنّ المسجّلين لديها بلغ أكثر من 550 ألف لاجئ” وفق ما يؤكّد هويدي.

رصدت الأونروا للّاجئين الفلسطينيّين في لبنان 160 مليون دولار خلال ميزانيّة العام 2023، في حين لم تكن قد أعلنت عن حاجاتها لهذا العام  الجاري بعد.

كثيرة هي الخدمات التي تقدّمها الأونروا للّاجئين الفلسطينيّين في لبنان، مثل الطّبابة والتّعليم والمساعدات الغذائيّة والنقديّة والقروض، ووفق ما تبيّنه الأرقام المتوافرة، فقد سجّلت العيادات الـ27 التّابعة للوكالة الأُمميّة الموجودة في المخيّمات الرسميّة، 600 ألف زيارة خلال العام 2023، وهي الآن ستكون معرّضة للإقفال في حال توقّفت المساعدات الماليّة.

“استقبلت 63 مدرسة ابتدائيّة ومتوسّطة وثانويّة تابعة للأونروا، 40 ألف طالب وطالبة من اللّاجئين، وقدّمت مساعدات غذائيّة طارئة لـ114 ألف لاجئ فلسطينيّ، واستفادت 2300 إمرأة حامل من خدمات الأونروا للنّساء الحوامل في خلال العام نفسه، كما غطّت تكاليف دخول المرضى للمستشفيات وإجراء العمليّات. وكذلك استفاد من برنامج شبكة الأمان الاجتماعيّ 142 ألف لاجئ على شكل مساعدات نقديّة، و61 ألف لاجئ من برنامج القروض الذي قدّم مبالغ ماليّة على شكل قروض”، وفق هويدي.

إلى ذلك، تدخل ضمن خدمات الأونروا، أعمالٌ تتعلّق بالبنى التحتيّة، كالحفر الصحّيّ والمجاري وتوسيع الطرقات، وبرامج الصحّة البيئيّة، مثل جمع النّفايات من داخل المخيّمات.

وعمليًا باتت الدّولة اللبنانيّة على علم بما يجري، “وهناك مسألة خطيرة، بدأ الهمس فيها أخيرًا، عن وعود بمساعدات ستمنح للّاجئين الفلسطينيّين فقط في لبنان، وهو أمر خطير كونه يعمل على تقسيم القضيّة وليس توحيدها”، بحسب هويدي.

حقّ اللاجئين في خطر

“هذا حقّنا كلاجئين، لكنّه للأسف حقٌّ ضائع” تقول نعمات، وهي سيدة خمسينيّة تسكن أحد مخيّمات اللّجوء في بيروت لـ”مناطق نت”، وتضيف: “مساعدات الأونروا زهيدة جدًّا، وليست على مستوى حاجاتنا ومتطلّباتنا الحياتيّة الكثيرة، لكنّها أفضل من لا شيء”، على اعتبار أنّ أسعار السّلع والخدمات ارتفعت جدًّا في السّنوات الثّلاث الماضيّة وباتت خارجة عن مقدور كثيرين في لبنان.

تتقاضى نعمات 50 دولارًا كلّ ثلاثة أشهر، كمساعدة نقديّة من الأونروا، لا تكفي لشراء حاجتها الأساسيّة من المؤونة، كالأرزّ والزّيت والمعكرونة، لكنّها تعمل في بيع الثّياب داخل منزلها الصّغير في المخيّم، من أجل الحصول على مدخول إضافيّ، خصوصًا وأنّها تعاني من مشاكل في قرنيّة العين مذ كانت طفلة صغيرة، وتحتاج إلى علاج مستمرّ، حالها كحال كثر من مرضى الكلى والسرطان والأمراض المزمنة الأخرى.

تقول نعمات: “أنا مسؤولة عن نفسي ولا تكفيني مساعدة الأُونرُوا، فما بالك بحال العائلات التي تعاني وضعًا معيشيًّا صعبًا للغاية على امتداد مخيّمات لبنان؟ وماذا سيكون حالهم في حال انقطعت حتّى هذه المساعدات الضّئيلة عنهم؟”.

تتقاضى نعمات 50 دولارًا كلّ ثلاثة أشهر، كمساعدة نقديّة من الأونروا، لا تكفي لشراء حاجتها الأساسيّة من المؤونة، كالأرزّ والزّيت والمعكرونة، لكنّها تعمل في بيع الثّياب داخل منزلها الصّغير في المخيّم، من أجل الحصول على مدخول إضافيّ.

من جهته يؤكّد الشّاب أحمد الشاعر وهو أب لطفلين، يسكن في مخيّم نهر البارد (شمال لبنان) أنّ وقف الدعم سيؤثّر عليه سلبًا، حاله حال كلّ الأسر في المخيّمات اللبنانيّة. ويقول لـ”مناطق نت”: “هي الداعم الأساسيّ لنا، معظمنا سيتأثّر وبشكل كبير، وهي تساعدنا في الحصول على الطبابة وتعليم الأولاد، وللمخيّم هنا خصوصيّة، كونها تنفّذ أعمال إعادة الإعمار بعدما دمّرت أحداث العام 2007 أكثر من نصف المخيّم، وحتّى يومنا هذا، لا تزال الأونروا تقدّم خدماتها في هذا المجال، برغم مرور كلّ هذه الأعوام”.

ويضيف الشاعر: “تقدّم لنا الأونروا منذ عام تقريبًا، مساعدة ماليّة قيمتها 50 دولارًا (كلّ ثلاثة اشهر) عن كلّ ولد تحت سنّ الـ18 عامًا، وهذا الدّعم مهدّد بالتوقّف في حال لم تتراجع الدول المانحة عن قرارها”. ويلفت الشاعر إلى “أزمة ازدحام غرف الدراسة في مدارس الأونروا راهنًا. ولنا أن نتخيّل ماذا سيحل بالطلاب في حال توقف الدعم”.

ماذا عن لبنان؟

في ظلّ هذا الواقع المأزوم، تطرح علامات استفهامٍ كثيرةٍ حول أثر هذا القرار على المستوى اللبنانيّ، وفي هذا التّوقيت بالذات. وفي هذا السّياق، يقول علامة، المخاطر في لبنان، كبيرة جدًا في ظل الوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ المتردّي، خاصّة أنّ الوكالة الأُمميّة تعمل في مناطق المخيّمات المكتظّة بالسكان بطريقة عشوائيّة.

وبالتّالي، “فإن إيقاف خدمات التعليّم والصحّة هو بمثابة قنبلة موقوتة” على حدّ تعبير بلال علامة، “وهذه القنبلة قد تؤدّي إلى الإطاحة بالاستقرار الاجتماعيّ القائم في بيئة المخيّمات وجوارها”، ويضيف: “من المؤكّد أنّ العمل الذي تؤدّيه الأونروا في لبنان يساهم في إدخال جزء من الأموال الأجنبيّة ويخلق فرص عمل في مجالات مختلفة، خصوصًا في المستشفيات والتّمريض والتّعليم والمدارس والتّدريب، وتوقيفها يعني خسائر اقتصاديّة جمّة”.

ويُكمل: “أمّا على المستوى الاجتماعيّ، فإنّ هذا الأمر سيكون بمثابة مسمار يدقّ في نعش الاستقرار الاجتماعيّ، وسيخلق مشاكل جدًّا كبيرة قد تنعكس سلبًا على اللبنانيّين في لبنان، خصوصًا أنّ مفوضيّة اللّاجئين تعمل مع النازحين السّوريّين وليس لديها قدرة، لتشمل ايضًا اللّاجئين الفلسطينيّين وهو أمرٌ غير مطلوب في الأصل”.

أحد مراكز الأنروا في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت (الصورة من مؤسسة الدراسات الفلسطينية)

ويلفت علامة، إلى “أنّ الأخطر سيكون في حال توسّعت الحرب وبات الفلسطينيّون خارج نطاق التغطية من الأونروا، ستتمّ معاملتهم كأيّ فئة نازحة في أماكن أخرى، ربّما داخل أو خارج لبنان، وبالتّالي ستسعى لإيجاد حلّ لهم خارج نطاق المخيّمات أو المواقع أو الأراضي الفلسطينيّة”.

من جهته يرى عبد الكريم الأحمد، “أنّ على لبنان التصدّي لمثل هذا القرار المجحف بحقّ الفلسطينيّين ولبنان في آن، كونه قد يكون مقدّمة لإجراء التّوطين وهذا ما يرفضه لبنان ونرفضه نحن كفلسطينيّين، إذ إنّه في ظلّ الحرب الجنوبيّة والوضع الاقتصاديّ الراهن لن يكون بإمكان لبنان تحمّل عبء ما يجري”.

ويختم الأحمد: “نحن نتطلّع لأن تكون هناك ميزانيّة ثابتة للأُنرُوا كونها وكالة أمميّة، وعتبنا ليس على الدّول الغربيّة فقط وإنّما على الأنظمة العربيّة التي تملك إمكانيّات هائلة جدًّا ولا تساهم سوى في 2.5 في المئة من موازنة الأُنرُوا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى