مشاريع القوانين تدق باب الانتخابات.. ماذا تقول الكتل؟

على مسافة أقلّ من عام على موعد الانتخابات النيابيّة المزمع إجراؤها في أيّار (مايو) العام المقبل 2026، يحضر بقوّة، كما في كلّ استحقاق، القانون الذي ستتمّ وفقه الانتخابات، فيبدأ تقديم مشاريع القوانين ويحتدم السجال بشأنها بين القوى السياسيّة والمجتمعيّة، ليس بسبب تطويرها وعصرنتها، بل لكي تتناسب مع نتائج تكون مدروسة سلفًا وفق القانون.

في كلّ دول العالم تشكّل الانتخابات محطّة أساسيّة لتجديد الحياة السياسيّة، وفي كلّ دول العالم يجري بشكل دائم تحديث لقوانين تلك الانتخابات كي تراعي ووفق أعلى المعايير صحّة التمثيل وعدالة الترشّح والاقتراع. لكن في لبنان ومنذ الاستقلال وحتّى اليوم، يجري عكس ذلك، إذ تُحضّر قوانين الانتخابات وفق ما تشتهي المنظومة السياسيّة، فتأتي الانتخابات في كلّ مرّة لتعيد إنتاج تلك المنظومة ولتكرّس هيمنتها على مفاصل الدولة.

منذ الاستقلال وحتّى اليوم، لم يستقرّ قانون الانتخاب في لبنان على تقسيم واحد وواضح، بل كان على الدوام متحرّكًا، فأحيانًا كان يسير بدوائر كبرى، وأحيانًا بدوائر صغرى، وفي معظم الأحيان كان وفق كلمات أغنية الرحابنة “قصقص ورق ساويهن ناس”. ويكاد لا يمرّ عقد في تاريخ لبنان الحديث من دون أن يُطرح فيه هذا القانون على طاولة النقاش، إمّا لتعديله أو لاستبداله بالكامل، ما يدلّ على عمق الأزمة البنيويّة التي يعاني منها النظام الانتخابيّ اللبنانيّ.

القانون الحالي بما له وعليه

القانون الجديد، الذي أُقرّ في الـ 16 من حزيران (يونيو) 2017، مثّل محطّة مفصليّة في المسار الانتخابيّ اللبنانيّ، كونه أدخل ولأوّل مرّة في تاريخ البلاد نظام الاقتراع النسبيّ بدلًا من الأكثريّ. كذل أُعيد تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابيّة متوسّطة الحجم، مع اعتماد آليّة الصوت التفضيليّ ضمن القضاء، واللائحة المغلقة التي تمنع الناخب من اختيار مرشّحين من لوائح متعدّدة. وقُدّم القانون يومها على أنّه نقلة نوعيّة في سبيل تحقيق عدالة التمثيل وتعدّديّة القوى داخل البرلمان، إلّا أنّ الواقع أظهر غير ذلك في كثير من الجوانب.

ينظر النوّاب “التغييريّون” الذين أفرزتهم انتفاضة “17 تشرين” إلى القانون الحاليّ على أنّه أداة لإعادة إنتاج المنظومة الحاكمة، وبحسب آراء مختلف المجموعات المستقلة، فإنّهم يطالبون بإلغاء القيد الطائفيّ

فعلى الرغم من أنّ اعتماد النسبيّة نظريًّا يفتح الباب أمام تمثيل القوى الصغيرة والمستقلين، فإنّ القانون أُفرغ من مضمونه بفعل آليّات التنفيذ، خصوصًا من خلال حصر الصوت التفضيليّ بالقضاء لا بالدائرة، ما حوّل المنافسة إلى معارك محلّيّة طائفيّة ضيّقة، وأعاد إنتاج الزعامات التقليديّة نفسها. كذلك فإنّ غياب الكوتا النسائيّة عنه، وعدم إقراره أيّ تمثيل خاصّ للأقلّيّات، جعله قانونًا هشًّا من حيث العدالة الشاملة، لا سيّما وأنّ الانتخابات الأخيرة العام 2018 أفرزت ستّ نساء فقط من أصل 128 نائبًا، في وقت كانت فيه الدعوات تتصاعد لضمان تمثيل نسائيّ لا يقل عن 30 في المئة.

أمّا من الناحية الجغرافيّة، فقد شابت تقسيم الدوائر الانتخابيّة إشكاليّات كبيرة. فبعض الدوائر مثل بيروت الأولى تضمّ عددًا صغيرًا من الناخبين لكنّها تمنح عددًا كبيرًا من المقاعد مقارنة بحجمها، في حين تضمّ دوائر أخرى مثل الشمال الثانية (طرابلس والمنية والضنّيّة) عددًا ضخمًا من الناخبين في مساحة انتخابيّة شاسعة ذات طابع طائفيّ متداخل، ما يجعل من التمثيل فيها مجحفًا ويقوّض مبدأ تكافؤ الأصوات بين اللبنانيّين. أيضًا فإنّ الصوت التفضيليّ المحدود داخل القضاء عزّز الانقسامات، وكرّس النفوذ الطائفيّ في المناطق بدلًا من تقويضه.

وفي ما يخصّ تمثيل الطوائف، يبدو أنّ القانون حافظ على التوزيع الطائفيّ المعتاد بين المسيحيّين والمسلمين، وبما يضمن حضور الطوائف الكبرى، لكنّه في المقابل فشل في ضمان عدالة تمثيل الأقلّيّات، خصوصًا وأنّ الطوائف الصغيرة في بعض المناطق غالبًا ما تُستتبع سياسيًّا إلى طوائف أكبر بفعل الواقع الديمغرافيّ، لا القانونيّ، وهو ما يتناقض مع هدف القانون المعلن بتحقيق التعدّديّة.

مجلس النواب في إحدى جلساته
ما تقول الكتل بالقانون؟

اليوم ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابيّة المنوي عقدها في 2026، تعود الانتقادات إلى الواجهة، بخاصّة من الكتل السياسيّة عينها التي صادقت على القانون في العام 2017.

ينظر النوّاب “التغييريّون” الذين أفرزتهم انتفاضة “17 تشرين” إلى القانون الحاليّ على أنّه أداة لإعادة إنتاج المنظومة الحاكمة، وبحسب آراء مختلف المجموعات المستقلّة داخل المجلس النيابيّ، فإنّهم يطالبون بإلغاء القيد الطائفيّ، وتطبيق النسبيّة الكاملة مع تحويل لبنان إلى دائرة واحدة وضمان كوتا نسائيّة لا تقلّ عن 30 في المئة.

“القوّات”: لاعتماد البطاقة الممغنطة

من جهته يقول رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابيّة النائب جورج عدوان،  في حديثه إلى “مناطق نت”: “نحن كحزب قوّات لبنانيّة نتمسّك بهذا القانون الانتخابيّ لسببين رئيسيّين: أوّلًا، لأنّه يُعدّ الأفضل من بين جميع القوانين التي طُبّقت منذ العام 1992؛ وهو القانون الذي يوفّر أفضل تمثيل نسبيّ، وهو الهدف الأساسيّ من أيّ قانون انتخابيّ. ففي القانون السابق كان المسيحيّون ينتخبون 33 نائبًا مسيحيًّا بأصواتهم، أمّا اليوم فأصبحت أصوات المسيحيّين تمثّل 55 نائبًا. فمهمّة القانون الانتخابيّ، في جوهرها، هي تأمين التمثيل الصحيح والعادل، لا سيّما في بلد متعدّد الطوائف كلبنان، إذ يُعدّ هذا الأمر حسّاسًا ودقيقًا. وثانيًا، لا يجوز تغيير قانون الانتخابات في كلّ دورة انتخابيّة. يجب أن يصبح القانون الانتخابيّ مكسبًا ثابتًا، كي يشعر المواطن بالاستقرار ويعرف مسبقًا قواعد العمليّة الانتخابيّة، ممّا يعزّز ثقته بالاقتراع ويشجّعه على المشاركة”.

بالنسبة إلى موضوع تصويت المغتربين، يعلّق عدوان قائلًا “نحن نرفض حصرهم بستة نوّاب فقط في الخارج. لا يجوز عزل اللبنانيّ المغترب عن واقعه الوطنيّ. عندما يُتاح للمغترب التصويت لـ 128 نائبًا، يشعر بأنّه جزء فعّال من دائرته، متواصل مع ناخبيه ونوّابه وأبناء مجتمعه، ومشارك حقيقيّ في صناعة القرار”.

حزب الله وحركة أمل، هما من أشدّ المدافعين عن القانون الحاليّ، كونه يعزّز حضورهما النيابيّ في الجنوب والبقاع ويوفّر استقرارًا نسبيًّا في التمثيل الشيعيّ

وفي ما يخصّ موضوع الـ “ميغا سنتر” والبطاقة الممغنطة، فهما نقطتان جوهريّتان وأساسيّتان ضمن الإصلاحات الانتخابيّة، برأي عدوان، “يجب إقرار الميغا سنتر والبطاقة الممغنطة كحقّ للمواطن بغية تسهيل الاقتراع وتقوية المشاركة الشعبيّة، ولا يجوز التساهل في تطبيقهما”.

أمّا حزب الله وحركة أمل، فهما من أشدّ المدافعين عن القانون الحاليّ، كونه يعزّز حضورهما النيابيّ في الجنوب والبقاع ويوفّر استقرارًا نسبيًّا في التمثيل الشيعيّ، بحسب ما عبّرت عنه مصادر الثنائيّ الشيعيّ لـ “مناطق نت”.

“التيّار”: لزيادة تمثيل المغتربين

في هذا الإطار يدعم النائب الدكتور إدكار طرابلسي، عضو تكتّل لبنان القويّ، في حديثه إلى “مناطق نت”، قانون الانتخابات الحاليّ بصيغته القائمة، باعتباره “يؤمّن قدرًا من التمثيل العادل والتوازن المطلوب بين مختلف المكوّنات اللبنانيّة. وعلى رغم وجود بعض الملاحظات عليه، إلّا أنّ التيار يرى في هذا القانون إطارًا مقبولًا يمكن الانطلاق منه في ظلّ الظروف الراهنة، مع إدخال تعديلات محدّدة تضمن مزيدًا من العدالة والمساواة”.

ومن أبرز التعديلات التي يطالب بها التيّار، يذكر طرابلسي “اعتماد الميغاسنتر، الذي من شأنه أن يسهّل عملية اقتراع المواطنين في أماكن سكنهم، ويقلّص من تأثير النفوذ السياسيّ والمذهبيّ في بعض المناطق، وكذلك يعزّز حرّيّة الناخب وخياراته. ويطالب التيّار بتطبيق نظام البطاقة الممغنطة، لما فيه من تطوير تقنيّ وإداريّ للعمليّة الانتخابيّة، وضمان مزيد من الشفافيّة وتنظيم الاقتراع، شرط أن تكون وزارة الداخليّة قادرة على إنجازه ضمن المهل المحدّدة”.

أمّا في ما يخصّ تمثيل المغتربين، فيقول طرابلسي: “نتمسّك بحقّ اللبنانيّين المنتشرين في الخارج بالمشاركة الفعليّة في الحياة السياسيّة، عبر تخصيص ستّة نوّاب يمثّلون الاغتراب”.

وانطلاقًا من هذه النقاط، يرى التيّار بحسب طرابلسي، أنّ “أيّ تطوير للعمليّة الانتخابيّة يجب أن يتمّ من منطلق تعزيز المساواة، وضمان تمثيل فعليّ وحقيقيّ لجميع اللبنانيّين، المقيمين منهم والمغتربين، في إطار رؤية إصلاحيّة متكاملة تضع حدًّا للنهج الطائفيّ وتعزّز الدولة المدنيّة”.

“الاشتراكي”: لإنشاء مجلس شيوخ

من ناحيته اعتبر عضو كتلة اللّقاء الديمقراطيّ، النّائب ​_**هادي أبو الحسن، في حديثه لـ “مناطق نت” أنّ “**_أيّ طرح لقانون انتخابيّ جديد يتزامن مع قانون إنشاء مجلس الشيوخ، تُعدّ هذه الخطوة عمليّة إصلاحيّة متكاملة، إذ إنّ الإصلاح لا يمكن تجزئته”. ويضيف “كنّا قد تقدّمنا في حزيران 2022 باقتراح قانون ينصّ على إنشاء الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة السياسيّة، وهو ما يستلزم اتّخاذ مجموعة من الخطوات، منها إقرار قانون انتخابيّ جديد، ووضع قانون موحّد للأحزاب، وآخر موحّد للأحوال الشخصيّة، إلى جانب ترسيخ ثقافة وطنيّة تتجاوز الاصطفافات والانقسامات المذهبيّة والطائفيّة”.

وعليه، “فإنّ هذا الطرح يُشكّل مدخلًا لإقرار قانون انتخابيّ يخرج من العباءة الطائفيّة، بالتزامن مع إنشاء مجلس شيوخ يُطمئن الطوائف”، برأي أبو الحسن. لكن، “قد يكون من الصعب خلال الأشهر الـ 11 المقبلة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات النيابيّة، التوصّل إلى توافق لبنانيّ شامل حول قانون انتخابيّ جديد”. ويردف أبو الحسن “لذلك، وعلى رغم التحفّظات والشوائب التي نأخذها على القانون الحاليّ، إلّا أنّنا نرى ضرورة التوجّه نحو تطبيقه مع تعديل جوهريّ واحد، يتمثّل في إعطاء المغتربين والمنتشرين اللبنانيّين الحقّ في التصويت لمرشّحيهم في دوائرهم داخل لبنان، لا عبر القارّات الستّ”.

“هذا التعديل واقعيّ، وقد جُرّب في انتخابات العام 2022” بحسب أبو الحسن، كذلك فإنّه “ينسجم مع مقدّمة الدستور والمادّة السابعة منه، التي تنصّ على المساواة في الحقوق المدنيّة والسياسيّة بين جميع اللبنانيّين. وعندما نقول ‘جميع اللبنانيّين‘ لا يمكننا التمييز بين المقيم والمغترب، فكلّهم لبنانيّون أينما وُجدوا، وما يُطبّق على اللبنانيّين في الداخل يجب أن يُطبّق على اللبنانيّين في الخارج”.

أمّا في ما يتعلّق بالبطاقة الممغنطة، يقول عضو كتلة اللّقاء الديمقراطيّ “نحن نؤيّد هذا الطرح، غير أنّ السؤال يُوجّه إلى وزارة الداخليّة: هل باستطاعتها إنجاز هذه البطاقة خلال الفترة الزمنيّة المتبقّية؟”.

أمّا الكتائب اللبنانيّة، فتدعو إلى قانون انتخابيّ جديد بالكامل، يقوم على مبدأ المواطنة بدل الطائفيّة، ويؤسّس لتمثيل وطنيّ حقيقيّ، بحسب تصريحات عدد من نوّابهم.

إصلاحات مطلوبة

في موازاة ذلك، تبرز اليوم مجموعة من الاقتراحات الإصلاحيّة التي يدفع بها المجتمع المدنيّ وبعض الكتل النيابيّة المستقلّة، ومنها إلغاء الصوت التفضيليّ أو توسيع نطاقه إلى الدائرة بدلًا من القضاء، واعتماد “الميغاسنتر” لتخفيف الضغط على الناخبين وتحفيز المشاركة، وتحديد سقف جدّيّ للإنفاق الانتخابيّ، إضافة إلى إعادة رسم الدوائر بطريقة علميّة أكثر عدالة.

مخيبر: القانون الحاليّ يُعاني من تشوّهات بنيويّة تُفرغ العمليّة الانتخابيّة من مضمونها الديمقراطيّ

في هذا الإطار تواصلت “مناطق نت” مع النائب السابق غسّان مخيبر، وهو من أبرز الأصوات الداعية إلى إصلاح شامل وعميق لقانون الانتخابات النيابيّة في لبنان، إذ يرى أنّ “القانون الحاليّ يُكرّس نظامًا أوليغارشيًّا فاسدًا ويُعيق بناء دولة ديمقراطيّة حقيقيّة”.

منذ سنوات، شدّد مخيبر على أنّ تطوير قانون انتخابيّ عادل هو مدخل أساسيّ للخروج من منظومة الفساد البنيويّ، معتبرًا أنّ “القانون الحاليّ يُعاني من تشوّهات بنيويّة تُفرغ العمليّة الانتخابيّة من مضمونها الديمقراطيّ”.

ويشير كذلك إلى أنّ “التزوير لا يقتصر على الممارسات الانتخابيّة فوحسب، بل يبدأ من القانون نفسه، فيُعتبر ‘تزوير القانون‘ أخطر أنواع التزوير، إذ يُحوّل سوء التمثيل إلى أداة لإعادة إنتاج السلطة نفسها”.

ويدعو مخيبر إلى “إصلاحات جذريّة تشمل اعتماد الورقة المطبوعة سلفًا لمنع التزوير، وتفعيل مشاركة اللبنانيّين في الخارج عبر تسهيل تسجيلهم وإلغاء شرط الحدّ الأدنى من المقترعين في كلّ دائرة، بالإضافة إلى خفض سنّ الاقتراع إلى 18 عامًا، وإدراج كوتا نسائيّة لضمان تمثيل المرأة”.

وكان مخيبر قد شارك في تقديم اقتراح قانون مستند إلى مشروع لجنة فؤاد بطرس، الذي يُعدّ من أبرز المحاولات لتطوير قانون انتخابيّ أكثر عدالة وتمثيلًا.

بالإضافة إلى ذلك، ينتقد مخيبر بشدّة “الانتهاكات الصارخة لقانون الانتخاب، لا سيّما تجاه استخدام المال السياسيّ والإعلام الموجّه”، معتبرًا أنّ “هذه الممارسات تُقوّض مبدأ تكافؤ الفرص وتُفرغ العمليّة الانتخابيّة من مضمونها الديمقراطيّ”.

معارضة للميغاسنتر

في المقلب الآخر، تبرز معارضة معظم الأحزاب السياسيّة اللبنانيّة لفكرة “الميغاسنتر”، أيّ مراكز الاقتراع الكبرى التي تتيح للناخبين التصويت من خارج أماكن قيدهم الأصليّ. يعود هذا الرفض إلى خشية تلك الأحزاب من فقدان قدرتها التقليديّة على التأثير المباشر في جمهورها الانتخابيّ ضمن المناطق التي تُعدّ معاقل لها، حيث تُمارس مختلف أشكال الضغط والمراقبة والمساومات، بدءًا من التلويح بالخدمات، مرورًا بالتخويف، وصولًا إلى الاعتداءات والملاحقات والمحاصرة والتضييق.

والميغاسنتر، بما يمنحه من حرّيّة تنقّل للناخب، يُضعف فعليًّا قدرة الأحزاب على التحكّم بسلوك ناخبيها، ويُعطي مساحة أكبر للناخبين المتردّدين أو المعترضين أو غير المرتبطين عضويًّا بالأحزاب للإدلاء بأصواتهم بحرّيّة وبعيدًا من أعين “المندوبين” ومراكز النفوذ التقليديّة. لذلك، يُنظر إلى الميغاسنتر كآليّة إصلاحيّة من شأنها أن تُعزّز الشفافيّة وتُقلّص من تأثير الزبائنيّة والضغوط الطائفيّة والحزبيّة في العمليّة الانتخابيّة.

وفي المحصّلة، يبدو أنّ قانون الانتخابات النيابيّة في لبنان، وعلى الرغم من محاولات تحديثه الشكليّة، لا يزال يرزح تحت عبء المحاصصة الطائفيّة، والتقسيمات السياسيّة القائمة، ويعكس توازنات القوى أكثر ممّا يترجم إرادة الناس. وعلى رغم مرور ثمانية أعوام على إقراره، لم يتمكّن من تحقيق الغايات الأساسيّة التي طُرح من أجلها، وبخاصّة لجهة تعزيز التمثيل العادل، وتكافؤ الفرص، وتمكين النساء والأقلّيّات. وتبقى أيّ محاولة لإصلاحه رهينة توافق القوى السياسيّة، التي لم تُبدِ حتّى اللحظة أيّ استعداد جدّي للتخلّيّ عن الامتيازات التي يمنحها لها القانون الحاليّ.

“أُنتج هذا التقرير بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع أصوات من الميدان: دعم الصحافة المستقلة في لبنان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى