الكشك..وبلديات بعلبك والدكتور الحص والأتراك
حسين حمية
منذ 4 أيام نشر الموقع الالكتروني لجريدة النهار اللبنانية موضوعا عن طريقة تحضير الكشك كوجبة صباحية، مجتذبا القرّاء بعنوان شهي: ” صحن الكشك في أيام الشتاء القارسة: الطبق القروي الأحب على قلوب اللبنانيين”، مع صورة لصحن كشك مغلي تثير قابلية الطعام.
الكثير من الأكلات في العالم، تأخذ مكانتها من صانعيها وطابخيها، كونها سمة من سمات شخصية الجماعة وأحد تعبيراتها الثقافية، فهي في مكان ما سلاح ناعم لهذه الجماعة، لا يقتصر على جذب الموارد الاقتصادية، ومن جانب آخر ممارسة ثقافية، تحاول اجتذاب الآخر وبالوقت نفسه هي مقاومة تمنع التفلت من الانتماء وتحض على التمسك بالجذور.
الكشك، كأكلة بعلبكية ذاع صيتها في لبنان، هي عبارة عن بودرة مصنّعة من البرغل والحليب والملح، يتم انتاجها في الصيف وتدخل في عداد مؤونة الشتاء، وهي جهد نسائي خالص من ألفه إلى يائه، لا دور للرجال فيه، ويخضع تحضيرها في القرى البعلبكية لعادات وتقاليد تزكّي روح الجماعة والإلفة، فبعد خلط البرغل بالملح ومزجه بالحليب لمدة ثلاثة أيام، ينشر على أسطح المنازل تحت الشمس لكي يجف، ثم يتبادل نساء القرى بفتّه على أكفهن أو جرشه في المطاحن، لاستخلاص هذه البودرة.
مع أن الكشك هو من الأكلات الشهية، لم يتم ترسيمه مع الأكلات الرئيسية للمطبخ اللبناني التي اختزلت بأكلات تعود لأهل جبل لبنان وهي الكبّة والتبولة، فهاتان الأخيرتان، بفعل الدعاية الواسعة باتتا جزءا من الشخصية الوطنية اللبنانية، مع أن الكشك كأكلة، يتميز بشهية خاصة وينطوي على منافع صحية عديدة.
أهم ما في بوردة الكشك المصنعة قرويا، أنه لا يحوي إطلاقا على المواد الحافظة كما في بعض المواد الغذائية التي تباع بكثرة، مع ما تسببه هذه المواد من أخطار على الصحة، أضف، أنه طارد لكل أنواع البكتيريا، ولاحتوائه على الملح، فإن تناوله يحفظ رطوبة الجسم خصوصا في فصل الصيف، وكونه مصنعا من القمح والحليب فهو يحتوي على كميات وافرة من البروتيين والفيتامينات والمعادن، وهذا ما يجعله غذاء شتويا مفيدا فهو أكثر من شورباء وأقل من طعام عادي، ويتم إعداد أكلاته على ألوان مختلفة بالطبخ والسلط، حتى أنه مشروب صيفي، وتستخدمه الحوامل منعا للتقيؤ، وفي حالة الانفلونزا يساعد على استعادة شهية الأكل.
لم تدخل أكلة الكشك في وجبات المطاعم اللبنانية، علما أن لا شيء يمنع ذلك، حتى أن البعلبكيين لا يتغنون بهذه الأكلة، في حين أن بعض الجماعات الأخرى في لبنان وفي إطار التنافس الناعم تستخدم هذه الأكلة للسخرية منهم وتحقيق القهر الثقافي لهم، ولم يحصل أن قام زعماء المنطقة أو نخبها أو المتربعون على سلطاتها المحلية، أن يخصّوا ضيوفهم الكبار من لبنان أو الخارج بهذه الأكلة، كما تفعل عادة أي جماعة، في حين يقتصر التكريم بعادة ممجوجة وهي نحر الخراف، وحده الدكتور سليم الحص رفض هذا النوع من التكريم، عندما اشترط أثناء زيارته لإحدى العشائر في المنطقة أن تمتنع عن ذبح عجل للاحتفاء به، محذرا إياهم بأنه سيعود أدراجه، ونظرا لجدية تهديده بإلغاء الزيارة، امتثلوا لطلبه، ونجا العجل من موتة أليمة.
لم يكن ما كتبه موقع النهار، هو الدافع لهذه المقالة، لكني على يقين، بأن اتحادات بلديات بعلبك، لم تكن هي وراء حض هذا الموقع على ترويج أكلة شعبية لرعاياها، لكن هذا، لا يعفي هذه الاتحادات، أن تعيد نظرتها أو فهمها لعملية التنمية، وحسبها أن تنظر إلى تركيا، هذا البلد الذي يكسب حوالى المليار دولار بزرع الشعر في رؤوس العرب، لم يقبل أن توجّه أدنى إساءة للشاورما في اوروبا، وبكل تواضع، اعتبرت وسائل الإعلام التركية، أن غزوهم لأوروبا ليس بالضرورة بفتح قسطنطينية أخرى…ولما لا يكون ببطون الأوروبيين..