زراعة البطاطا الأشهر في شعث البقاعيّة يحصدها كبار التجّار
على مدى أكثر من نصف قرن تتربّع بلدة شعث البقاعّية على عرش زراعة البطاطا، وتسجّل معها حكايات من فصول وجذور، تمتدّ من الزراعة التقليديّة المعروفة بـ”القلقاس” إلى الزراعة المتشعّبة والمتعدّدة، وقد طوّر مزارعو هذه البلدة حركتهم الزراعيّة الناجعة حتّى غدت شعث بلدة زراعيّة بامتياز، يعتاش منها كثيرون من أبنائها، ومن زراعات موسميّة تضاف إلى البطاطا، كالبصل والقمح والفريز والبطّيخ وغيرها.
زراعة من الجدود إلى الحداثة
كانت زراعة البطاطا خلال ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي بدائيّة وعلى نطاق محدود. يروي المزارع محمد حسن الحاجّ حسن بعض تاريخها فيقول: “إنّها من أيّام جدودنا، بدأنا زراعة البطاطا المعروفة بالقلقاس، ذات الحبة الصغيرة، بالأساليب اليدويّة التقليديّة، وكنّا نحرث على السكّة باستخدام الأبقار والدوابّ، وننتهي بقلع يدويّ”. ويضيف: “في السابق كان يجتمع من ثلاثة إلى أربعة فلّاحين ليزرعوا نصف دونم، لكن اليوم تطوّرت زراعة البطاطا، وراح الفلاحون يزرعون أرضهم على آلة حديثة من خلال استخدام “زرّاعة البطاطا”، وصار بإمكان المزارع الواحد زراعة 20 دونمًا في اليوم”.
ويلفت الحاج حسن إلى “أن زراعة القلقاس أو البطاطا ذات الحبّة الصغيرة، كانت تتمّ على شكل مساكب، وكانت لا تعطي الإنتاج المطلوب”.
بدأ تطور الزراعة هذه في مطلع التسعينيّات، من خلال استيراد البذور المؤصّلة من الخارج، واستقدام معدّات وتقنيّات حديثة، فتضاعف الإنتاج لتصبح بلدة شعث من البلدات التي تتميّز بإنتاج البطاطا وتشتهر بجودته.
وفي السياق نفسه يؤكّد المزارع حسين العرب تحديث زراعة البطاطا في شعث وريّها بمياه عذبة، مع عدم الإفراط في استخدام الموادّ الضارّة.
موسمان وقلعان وتكاليف
عند الحديث عن زراعة البطاطا لا بدّ من ذكر مضاعفة الإنتاج الذي راح يستفيد منه أصحاب الحقول، إذ بات بإمكان مزارعي شعث زرع موسمين متلاحقين في العام الواحد. وهنا يتحدث المزارع علي تركي زعيتر عن الموسمين، فيقول: “هما نوعان: “بكّيري” و”تشريني”. وبحسب الحاج حسن فإنّ البكيري “يُزرع في شباط/فبراير ويُقلع في حزيران/ يونيو، بينما التشرينيّ يُزرع في آب/ أغسطس ويُقلع بين التشرينين الأوّل والثاني(بين أكتوبر ونوفمبر)”.
عند الحديث عن زراعة البطاطا لا بدّ من ذكر مضاعفة الإنتاج الذي راح يستفيد منه أصحاب الحقول، إذ بات بإمكان مزارعي شعث زرع موسمين متلاحقين في العام الواحد.
يشكو مزارعو البطاطا في شعث من كلفة الزراعة والإنتاج، لكنهم يجمعون في الوقت نفسه على أنّها زراعة أصيلة تعطي أكُلُها إذا ما منحها المزارع حقّها من الاهتمام والأسمدة المفيدة، إذ إنّ أرض شعث زراعيّة خصبة ومناسبة جدًّا لهذه الزراعة، والنتائج خير دليل على ذلك.
يلفت زعيتر في حديث إلى “مناطق نت” إلى “أنّ التكلفة العالية لهذه الزراعة تعود إلى أنّ أسعار البذور المستوردة غالية الثمن وهي بذور من هولندا”. ويقول الحاج حسن لـ “مناطق نت”: “إنّ الطنّ الواحد من البطاطا بحاجة إلى بذور تتراوح قيمتها ما بين 1450 دولارًا و1600 دولار، حيث أنّ كلّ طن يغطي زراعة أربعة دونمات، وكل دونم يحتاج إلى 250 كيلوغرامًا من البذور، بالإضافة إلى جرّار وعمّال وتكاليف الزراعة وأجورها”. ويردف: “يعني أن كلفة زراعة الطنّ الواحد تصل إلى نحو 125 دولارًا، وبين 50 و60 دولارًا كلفة وأجور قلعه”.
كما تحتاج البطاطا أكثر من أيّ زراعة أخرى إلى ريّ دائم، فضلاً عن الأسمدة والأدوية وهي بدورها غالية الثمن.
مساحات بطاطا شاسعة
تستحوذ زراعة البطاطا على مساحة مهمّة من أرض شعث الزراعيّة، لكن تتفاوت هذه المساحة بين موسمٍ وآخر، ففي حين تكون في بعض المواسم حوالي الألف دونم، فإنها تتخطى في مواسم أخرى الألفين، يصل معها حجم الإنتاج إلى آلاف الأطنان من البطاطا سنويًا. أمّا بالنسبة لعدد مزارعي البطاطا في شعث فإنّه يتراوح بين 70 و100 مزارع.
في هذا السياق يتحدّث زعيتر، الذي يزرع نحو ثمانية دونمات، فيشير إلى أنّ “زراعة البطاطا تتوقف على قدرة المزارعين على ري المساحات المزروعة وكميات المياه المتوافرة. وعليه، فإنّ كلّ دونم مرويّ كفاية ينتج من خمسة أطنان إلى ستة، في حين ينقسم المزارعون إلى قسمين، قسم يندرج ضمن فئة المزارعون الصغار الذين تتراوح حيازاتهم الزراعية ما بين دونمين وعشرة دونمات، وقسم المزارعون الكبار وهؤلاء يزرعون من 300 إلى 500 دونم”.
يزرع الحاج حسن حوالي 600 دونم، يقول: “إّنها تعطي إنتاجًا مقداره 3000 طن، حيث أنّ كلّ دونم يعطي ما بين خمسة إلى سبعة أطنان”. أمّا المزارع حسين العرب فيؤكّد أنّه يزرع نحو تسعين دونمًا تنتج حوالي 500 طن.
جودة عالية
المعيار في زراعة البطاطا في شعث ليس المساحات المزروعة وحجمها، أو عدد المزارعين وحجم الإنتاج فحسب، لكي تكون هذه البلدة البقاعيّة من أشهر البلدات في زراعة البطاطا، بل إنّ ذلك يعود بدرجة أولى إلى جودة البطاطا وتميّزها عن غيرها ونكهتها المختلفة.
يجزم الحاج حسن “أنّ بطاطا شعث من أفضل البطاطا في لبنان، وليس من باب الترويج لها، فصيتها ذائع، بل لأنّ البطاطا في البلدة لا ترتوي من المياه الملوّثة بل من مياه الآبار الجوفيّة على عمق 300 إلى 400 متر، وأرضها خصبة، وتربتها تمتاز بلونها الداكن، وكونها رمليّة مناسبة بالتحديد لزراعة البطاطا، بالإضافة إلى توافر المعدّات وانتشارها في أرجاء حقول البلدة، وكذلك لجهة زراعتها وقلعها ورش المبيدات”. لافتًا إلى “أنّ المساحات الشاسعة في شعث تناسب زراعة البطاطا، لأنّ هذه الأخيرة تحتاج إلى أراضٍ جديدة، وهناك أراضٍ في شعث حتى اليوم لم تزرع بعد، ويتمّ استصلاحها اليوم لزراعتها غدًا”.
من جهة ثانية يعتبر العرب “أنّ تمّيز بطاطا شعث يعود إلى خلوّها من الأمراض البكتيريّة بالإضافة إلى أنها تحتوي على أقلّ نسبة من البوتاسيوم”.
تصريف ظالم تفرضه الديون
بالرغم من جودة الإنتاج وعدم كساده لدى المزارعين، إذ يتمّ تصريفه في أسواق لبنان المختلفة، إن في قبّ الياس أو الفرزل أو بيروت أو حتّى في سوق بعلبك، لكنّ التجّار هم المستفيدون وليس المزارع؛ يقول زعيتر: “إنّ التجّار يأخذون البطاطا ويحتكرونها ويصرّفونها في الخارج، ونحن كمزارعين نضطرّ إلى البيع لإيفاء الديون المتراكمة من ثمن البذور والأسمدة. وفي ظلّ عدم حماية المزارع، وتحكّم التجار، يضطرّ المزارع إلى بيع البطاطا “في أرضها” وتذهب بأسعار زهيدة”.
يعتاش نحو 75 بالمئة من أبناء شعث من الزراعة، وأكثر من ستين عائلة تعتمد على زراعة البطاطا، ما يستدعي اهتمامًا لافتًا من قبل وزارة الزراعة من أجل دعم ومساعدة المزارع. يختم المزارع الحاج حسن: “إنّ دور الوزارة يقتصر على الرزنامة الزراعيّة التي تمنع الاستيراد من مصر، ابتداء من شهر الثامن إلى الثاني عشر، والشهر الأوّل من السنة، حفاظًا على الإنتاج المحلّيّ وحرصًا على عدم كساده”. فيما يؤكّد المزارع حسين العرب دعم الوزارة للمزارع في تصريف إنتاجه.