الأمومة العازبة بين القدسيّة والتّهميش

لا تخلو الثقافة الشعبيّة في لبنان، كغيره من البلدان سواءً العربيّة أو الغربيّة، الإسلاميّة والمسيحيّة من صورة أيقونيّة جامعة، عابرة للطوائف والعصور. صورة العذراء مريم وهي تحمل بين يديها الطفل يسوع، متأمّلة باسمة، أو باكية، أو شاردة النظر، وفي جميع حالاتها تقف وحيدة مع طفلها، كنموذج بدئيّ يحتذى به عن الأمومة المثاليّة، التي لا تشوبها شائبة برغم غياب صورة الأب بالمطلق.

هذه الأمومة التي تطلق عليها الكاتبة المصريّة، إيمان مرسال “أمومة المتن”، والأمّ الأداتيّة”، هي التي نعرف أنّه من خلالها ستكون الكلمة، وأنّ جسدها هو المعبر للخطاب المتجسّد بالابن. فأين أمّهات الهامش الوحيدات/العزباوات اليوم، من المتن؟ وما هو الخطاب الذي تعبّرن عنه؟

صورة تعبيرية من Shutterstock
من هي الأم العازبة؟

ثمّة اختلاف كبير اليوم حول ماهيّة الأم العزباء، حتّى داخل الأوساط النسويّة، والاختلاف يشمل التسميّة. فتعترض كثيرات على كون المصطلح معرّب من الكلمة الانكليزيّة Single mother، ويقصد به الأمّ الوحيدة أو التي تختار الإنجاب وخوض رحلة الأمومة بشكل منفصل عن وجود شريك، أو أب بيولوجيّ. بحيث يمكنها اختيار الإنجاب عبر التلقيح الاصطناعيّ، أو عبر وجود علاقة خارج إطار مشروطة مع شريك بغية حصول الحمل، وتتكفّل بتربية الطفل بشكل مستقلّ، وتضمن هذه الاستقلاليّة أن يوضع الطفل على خانتها، أيّ أن يأخذ تلقائيًّا اسمها ولقبها.

ثمّة اختلاف كبير اليوم حول ماهيّة الأم العزباء، حتّى داخل الأوساط النسويّة، والاختلاف يشمل التسميّة. فتعترض كثيرات على كون المصطلح معرّب من الكلمة الانكليزيّة Single mother، ويقصد به الأمّ الوحيدة.

ويمكن أن يشمل مفهوم الأمّ العازبة أو الوحيدة، النساء اللواتي تعرّضن للاغتصاب، أو الاستغلال الجنسيّ، وأخذن على عاتقهنّ تربية الطفل في حال حدوث الحمل. وكذلك النساء اللواتي عمدن إلى التبنّي برغم عدم وجود هذه الفرصة في كثير من البلدان.

ويُستغرب في هذا السياق إطلاق لقب الأمّ العازبة على المطلّقات والأرامل، وذلك لأنهنّ لم يخترنَ تجربة الأمومة العازبة، بل وأنّ الزوج في غالب الأحوال معروف، ويكنّى الأبناء على اسمه، وما من إشكاليّة قانونيّة تواجه أطفالهنّ أسوة بغيرهم من الأطفال ممّن ولدوا من أمّ عازبة وأب مجهول.

ثقل الأمومة العازبة

وبالرغم من هالة القدسيّة التي تحيط الأمومة في مجتمعاتنا، إلّا أنّ خيار النساء بإنجاب الأطفال خارج إطار المؤسّسة الزوجيّة، وخارج الإطار الدينيّ شبه معدوم، حيث تتعرّض اللواتي تسلكنَ هذا المنحى إلى كثير من التحقير، وأحيانًا إلى القتل لمجرّد خيارهنّ. ويكفي الإشارة إلى الطريقة التي يمكن الحديث عنها عن الطفل الذي ينسب إلى أمّه، والتي تحمل الذمّ والتشكيك بطريقة مولده، برغم أنّه للمفارقة يتبجّحون بأنّ الرجال والنساء سينادون في الجنّة بأسماء أمّهاتهنّ وليس آبائهنّ، فتأتي الفكرة كأنّها منسلّة من أعمق أشكال الذاكرة التاريخيّة للبشر، من مرحلة ما قبل ظهور مفهوم الملكيّة الخاصّة، حين كان الأطفال يُعرفون من خلال خطّ النسب الأموميّ.

كذلك تحمل الأمّهات العازبات ثقل أمومتهنّ كيفما توجّهن، في حين تمارس عليهنّ أقسى أنواع التمييز، وغياب الدعم الاجتماعيّ، وصعوبة تأمين حاجياتهنّ واحتياجات أطفالهنّ، والحدّ من حرّيّة تنقّلهنّ بمفردهنّ، وحصولهنّ على عمل.

تحمل الأمّهات العازبات ثقل أمومتهنّ كيفما توجّهن، في حين تمارس عليهنّ أقسى أنواع التمييز، وغياب الدعم الاجتماعيّ، وصعوبة تأمين حاجياتهنّ واحتياجات أطفالهنّ.

تقول سمَر لـ”مناطق نت” عن تجربتها، وهي امرأة توفّى زوجها عندما كانت في الثلاثين من عمرها، وتربّي أطفالها بشكل مستقلّ: “عندما يموت الرجل، يصبح كلّ شيء محسوبٌ عليك، الخروج من المنزل والدخول”. تضيف: “اضطررت بعد وفاة زوجي للانتقال إلى منزل والدي، وذلك سهّل الأمر عليّ، فكنت قبلها مراقبة بكلّ خطوة أخطوها وموضع شك”. وتتابع عاتبة: “لا أحد يفكّر بالعناء الذي أتكبّده، فلديّ أطفال يذهبون إلى المدرسة وبحاجة لتلبية حاجاتهم، فمن يعيلهم إذا ما تمنّعت عن الخروج؟”.

وردًّا على سؤال حول تفضيل وجود شريك على بقائها أمًّا عازبة، تقول سمر: “من المؤكّد لو أنّ ثمة شريك في حياتي لكان الأمر أسهل عليّ، حينها لن أكون مضطرّة على تحمّل المعاناة اليوميّة، وسأخرج أسوة بباقي النساء من دون أدنى إشارة نحوي بالسوء، فمجتمعنا لم يرحمني”.

من جهتها تقول عبير 29 سنة لـ”مناطق نت”: “مجتمعنا ذكوريّ بامتياز، فعندما تُطلّق المرأة أو تصبح أرملة تصير بالنسبة للمجتمع لقمة سهلة، لذلك يقومون بمحاصرتها، ويتمنّعون عن دعمها، بينما من النادر أن نرى اعتراضًا على حياة الأب العازب بهذا الشكل”.

نساء يحلمن بأمّهات عازبات

في بعلبك كما غيرها من المناطق، نساء يحلمن بأن يصبحنَ أمّهات عازبات. هبه (33 سنة) إحدى النساء في المنطقة، تسكن في إحدى القرى البقاعيّة؛ عند سؤالنا لها عن تعريفها لمفهوم الأم العازبة، وإذا ما كانت تفضّل وجود شريك كنموذج العائلات السائد، تقول هبه لـ”مناطق نت”: “الأمّ العازبة هي الأمّ التي قرّرت بناء عائلة بمعزل عن الرجل، فليس الرجل دائمًا هو عمود البيت، لذا لا تحتاج المرأة إليه إلّا بيولوجيًّا لتوجد أطفالها، لكنّها تستطيع تربية الأولاد بدون وجوده” .

هبة: الأمّ العازبة هي الأمّ التي قرّرت بناء عائلة بمعزل عن الرجل، فليس الرجل دائمًا هو عمود البيت، لذا لا تحتاج المرأة إليه إلّا بيولوجيًّا لتوجد أطفالها، لكنّها تستطيع تربية الأولاد بدون وجوده.

تتابع: “القضيّة هي في نموذج الأسرة المفروض علينا، وهو السبب الذي يجعلني أفضّل أن أكون أمّا عزباء، فالعائلة بمفهومها العام والتقليديّ تفرض الكثير من القيود حتّى لو كانت ضمن مجتمع متحرّر، لكن المرأة دائمًا هي التي تخسر أحلامها وطموحاتها ومساحتها، على سبيل المثال لا أستطيع الترفيه عن نفسي بالكتابة في الوقت الذي من المفترض أن أؤدّي متطلّبات الرجل التي يعتبرها المجتمع أهمّ من مساحتي وخيالي، فمشكلتي الأساس في تقييد حرّيتي”.

قوانين تقطع الفكرة

أمّا عن المشاكل التي يمكن أن تواجهها من تفكّر في أن تكون أمّا عزباء، أو تمنّعها عن القيام بهذه الخطوة، ومدى تقبّل المجتمع لذلك فتقول هبه: “ستكون المشاكل من كّل النواحي، أوّلا لا وجود لقانون يسمح بأن أكون أمًّا عازبة إلّا في حالات الطلاق أو وفاة الزوج، وبرغم هذه الحالات إلّا أنّ القانون لا يحفظ حقوق النساء اللواتي يربّينَ أبناءهنّ بشكل منفصل عن وجود شريك”.

وتضيف “لا تهمّني العلاقات خارج إطار الزواج، لكنّ الزواج الدينيّ لا يضمن اختياري لهذا الأسلوب من الحياة، كذلك فكرة التبنّي محرّمة، ولا أستطيع إعطاء طفلي اسمي، حتّى اقتصاديًّا لا يمكنني توريث أطفالي في هذه الحالة” .

الصورة تعبيرية من صفحة happysinglemommy

كذلك تقول زينب (34 سنة): “أعتقد أن أكون أمّا عزباء، أفضل بكثير من أن أكون معنّفة، ويشاهد أطفالي آثار العنف على ملامحي، أو يتأثّرون نفسيًّا به”، وتضيف: “لكن الخيار ليس سهلًا، ففي حالات الطلاق نعاني من حرماننا من حقّنا في حضانة أطفالنا، وكأنّنا لم ننجبهم، نصبح في نظرة المجتمع مجرّد آلة أخرجت أطفالًا وانتهى وجودها عند هذا الحدّ، لذا أفضّل أن أكون أمًّا عزباء على أن أكون آلة إنجاب في اعتقاد أحدهم”.

وما بين تشييء النساء، وحرمانهنّ من حقهنّ في اختيار أنماط حياتهنّ، وبين العنف الذي يرافقهنّ في كلّ المراحل، وعلى مختلف الأصعدة والدرجات، يبقى سؤال الأمومة محطّ جدل واسع، فترفض الكثيرات صفة القدسيّة والمثاليّة التي يسبغها المجتمع على أمومتهنّ، ويفضّلنَ أن يبقين أمهات متزوّجات أو عزباوات، يستطعنَ ارتكاب الأخطاء، ويحاولنَ التعلّم من تجاربهن المستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى