رشميا المزروعة في التاريخ والجغرافيا بلدة المياه والحرير والرؤساء

كثيرة هي البلدات اللبنانيّة الجميلة بموقعها الجغرافيّ وثرواتها الطبيعيّة والبيئيّة والثقافيّة، لكن واحدة منها فقط هي مسقط رأس أول رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة بعد الاستقلال، الرئيس بشارة الخوري، هي بلدة المياه ومنها حصلت على اسمها، فكان “رأس الماء”، وفي السريانيّة “رشميّا”، إذ ينقسم اسم رشميّا إلى قسمين “ريش” و”مايا” وتعني باللغة العربيّة رأس النبع أو رأس الماء، إذ يتواجد فيها أكثر من 50 نبعًا.

كانت رشميّا بلدة أساسيّة في حكم جبل لبنان قبل إعلان دولة لبنان الكبير، فكانت مديريّة تتبع لها عدّة قرى، وكانت ثاني أهمّ منتجة للحرير في لبنان، ولها عملتها الخاصّة اسمها “بندر رشميّا”، وكانت تُبدل بالليرات العثمانيّة.

بلدة رشميا
كنز من الماء

قامت بلدة رشميّا على كنز من ماء، وضفاف نهرها الذي يفصل بين قضاءي الشوف وعاليه، تحوّلت مع الزمن إلى مقصد للرياضيّين المحبّين لرياضة المشي في الطبيعة، ففي البلدة مسار طبيعيّ إلى جانب النهر يشكّل تحدّيًا للرياضيّين لصعوبته التي يتميز بها، انطلاقًا من منطقة الاستراحات والمطاعم التي خفّ بريقها بعض الشيء مع الأزمات اللاحقة بالوطن، وصولًا إلى بركة طبيعيّة هي الأجمل أو من الأجمل في لبنان، وتتميّز بتكوينها الصخريّ وشلّالاتها المنسكبة فوقها.

خمسون نبعًا في البلدة وربّما أكثر، أشهرها وأكبرها نبع “الميس” الذي ينبع من عقار دير مار يوحنّا، ومنه تُسقى البلدة وأهلها ومزروعاتها المتنوّعة بين الخضار والحشائش على أنواعها والفاكهة وبساتين الزيتون وكروم العنب والتين، بعد أن كانت سابقًا من المراكز الأساسيّة لتربية دودة القزّ.

أقدم معمل كهرباء في الشرق

هذا الغنى المائي كان لا بدّ من استثماره، وهذا ما حصل في العام 1928، قبل الاستقلال، إذ قام المنتدبون الفرنسيّون بتأسيس معمل كهربائيّ يدور على المياه، تبدّى إنتاجه العام 1932، فكانت رشميّا أولى البلدات التي حصلت على الكهرباء في لبنان. ولا يزال المعمل قائمًا ومنتجًا حتّى يومنا هذا، بعد أن تعطّل لفترة بسبب الأزمة الاقتصاديّة، وأعادت تشغليه السفارة الأميركيّة في بيروت من خلال مشروع تأهيل بدأ في صيف العام 2022.

من مياه “نبع الصفا” تُنتج الكهرباء في المعمل الأقدم في الشرق الأوسط، ومع الزمن تمّت إضافة مجموعات عمل جديدة إليه، وكان من أهم المعامل التي تغذّي قصر الرئاسة في لبنان بالكهرباء.

رشيما الغنية بمياهها
رحلة التهجير والعودة

أثناء ما عُرف بحرب الجبل نزح سكانّ بلدة رشميّا إلى دير القمر كمرحلة أولى، حيث حوصروا فيها، قبل أن يُنقلوا بالباصات في 23 كانون الأوّل 1983 إلى ملعب برج حمّود ومنه إلى أماكن النزوح. وبعد 10 سنوات في العام 1993 بدأت العودة.

يقول رئيس “رابطة الشبيبة الرشماويّة” السابق الزميل سعد الياس: “بعد 30 سنة على العودة تبدّل كلّ المشهد، فبعد أن كانت العلاقات غير سويّة وغير جيّدة بين أهالي رشميّا ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكيّ وليد جنبلاط، باتت العلاقة اليوم أكثر من ممتازة”. مشيرًا في حديث لـ”مناطق نت” إلى “أنّ المصالحة التي أجراها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير في آب 2001 كان لها الفضل في الأمن والأمان الذي يعيشه أهل رشميّا اليوم”.

في زمن الحرب الأهليّة نزح سكانّ بلدة رشميّا إلى دير القمر كمرحلة أولى، حيث حوصروا فيها، قبل أن يُنقلوا بالباصات في 23 كانون الأوّل 1983 إلى ملعب برج حمّود ومنه إلى أماكن النزوح.

يتحدث سعد عن رشميّا بحبّ كبير، ولو أنّ في صوته حرقة “لما خسرته خلال الحرب من دمار طال الأديرة التاريخيّة الأساسيّة، مثل دير حنّا المعمدان، ودير مار انطونيوس ودير مار الياس ومزار مار تقلا، والحارة التاريخيّة المعروفة باسم حارة المشايخ، أمّا كنيسة مار قرياقوس فقد صمدت، وهي بناء أثريّ عتيق بُني العام 1580 ميلاديّ، بينما يقول البعض إنّ بناءها كان في العام 1683، وقد أعيد ترميمها بعد الحرب الأهليّة في العام 1994”.

يشدّد سعد الياس على “أنّ البلدة بحاجة إلى بعض المشاريع التي تعزّز صمود أهلها فيها. ويضيف: “على مدى 10 سنوات وظّفت علاقاتي في خدمة رشميّا، فأنشأنا الملاعب الرياضيّة المجّانيّة لكلّ المنطقة، ودفعنا الديون، ووسّعنا الطرقات بالتعاون مع وزارة الأشغال والوزير غازي زعيتر. وسعى المرحوم نجيب الكيك الذي كان في لجنة العودة بمشروع شقّ طرقات زراعيّة، ومدّ شبكات الريّ، ولكن البلدة بحاجة إلى بعض المشاريع التي تؤمّن فرص عمل، وفي قطاع التعليم والاستشفاء أيضًا”.

جانب من طبيعة رشميا الخلابة
رجالات رشميّا

أنجبت رشميا رجالات كبار في كل الميادين منهم رئيسين للجمهوية الأول بشارة الخوري، أول رئيس لبناني بعد الاستقلال، والثاني رئيس لبنان الذي أعلن في زمانه لبنان الكبير، أيّ الرئيس حبيب باشا السعد، وهما قريبان، يتبعان الجدّ نفسه، الشيخ سعد الخوري؛ فأبناء العمّ وبسبب خلافهم قسّموا اسم الجدّ، فاتّخذ بعضهم عائلة الخوري، وبعضهم الآخر اتخذ عائلة السعد.

ويُشير سعد الياس إلى أنّ رشميّا ثريّة برجالات لبنان، منهم المطران اغناطيوس مبارك الذي شارك في مؤتمر الصلح في باريس برفقة الياس الحويك للمطالبة بلبنان الكبير، واستلم على مدى سنوات أبرشيّة بيروت للموارنة، الوزير السابق بيار الخوري الذي كان له دور أساسيّ في بناء بازيليك حاريصا، الشيخ ميشال الخوري الذي كان حاكمًا لمصرف لبنان، والأباتي باسيل الهاشم الذي يشغل منصب الرئيس العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، والقاصّ والروائي فؤاد كنعان الذي توفّى العام 2001، وهو من الروّاد اللبنانيّين في كتابة القصة.

تتربّع بلدة رشميّا الممتدّة على مساحة 25 كيلومترًا مربّعًا على عرش الجمال برغم قساوة المنافسة، في قضاء عاليه، ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 350 و900 مترًا، وتبعد عن العاصمة بيروت 28 كيلومترًا. عديد سكّان البلدة في العام 2022 بلغ نحو 8 آلاف نسمة، لكن منهم من هاجر بسبب الحرب ومنهم من تركها سابقًا منتقلًا إلى مناطق أخرى في لبنان للأسباب عينها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى