الفعاليات الرمضانية تنعش ليل بيروت وتبث الفرح

من يتجول في شوارع بيروت ويشاهد الفعاليات الرمضانيّة التي انتشرت في أكثر من مكان، يشعرْ أنّ العاصمة لم تتعرّض لانهيار ماليّ وُصف بأنّه ثالث أسوأ أزمة ماليّة في العالم، ولم يحدث في مرفأها انفجار، أُطلق عليه “بيروتشيما” تيمنًا بالقنبلة التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانيّة.

“زينة وأضواء وزحمة سير وأسواق وزوار”. هذه حال بيروت وأجواؤها في خلال ليالي شهر رمضان، وقد حوّلتها من مكان يلفّه الصمت في الأيّام العاديّة إلى ساحة تنبض بالحياة.

القرية الرمضانيّة “بيروت العيد”، في وسط بيروت، والتي تمتد بمحاذاة الشوارع التي شهدت حشودًا هائلة إبّان ثورة 17 تشرين، تشهد ازدحامًا من نوع آخر، إنّه ازدحام الناس المنتشرة في أرجائه، لتُحيي العادات والتقاليد الرمضانيّة الروحانيّة والدّينيّة والترفيهيّة، وهي تبدأ مع استهلال شهر رمضان وتستمر إلى نهايته.

“زينة وأضواء وزحمة سير وأسواق وزوار”.. هذه هي حال بيروت وأجواؤها في خلال ليالي شهر رمضان، وقد حوّلتها من مكان يلفّه الصمت في الأيّام العاديّة إلى ساحة تنبض بالحياة.

ازدحام واحتفاليّات

على رغم الأخبار المتواترة على مدار الساعة وتفيد بحدوث غارات وقصف على القرى والبلدات الحدوديّة الجنوبيّة، وبالرغم من تدهور القدرة الشرائيّة عند قسم كبير من اللبنانيّين، إلّا أنّ ذلك لم يمنع طقوس أماسي وليالي رمضان من أن تستمرّ منذ اقتراب موعد الإفطار، فتزدحم حركة الناس في الشوارع، وتغصّ متاجر الحلويّات بالمواطنين، وتأخذ “بسطات العصائر” مكانها الرياديّ في بيع ما لذّ وطاب.

بعد آذان المَغرب المبشّر بحلول الإفطار، يرن الصمت على المدينة، إذ لا صوت يعلو فوق صوت “المدفع” فتجتمع العائلات على موائد الإفطار، إمّا في المنازل أو في المطاعم والمقاهي، لتزدحم بعدها المساجد بـ”المؤمنين” لأداء الصلاة، وبعدها إلى أماكن الترفيه والسهر.

إنها بيروت مدينة التناقضات بامتياز، حيث تقف جنبًا إلى جنب مشاهد الانهيار والدمار ومشاهد المهرجانات والاحتفاليّات “الرمضانية”، فتزدحم الشوارع بعد الإفطار، وتشهد المدينة هذه السّنة إقامة أكثر من قرية رمضانيّة، تتضمّن احتفاليّات أعادت بعض الحياة إلى بيروت المستقبلة زوارها بأجواء مليئة بالفرح والبهجة، على الرغم من كلّ شيء.

قرى رمضانية للجميع

في قرية “بيروت العيد” التي تُنظّمها شركة “SMS”، بالتعاون مع جمعيّة “أجيالنا”، وشركة “Solidere”، مطاعم ومقاه وخيم رمضانية؛ و”عجقة” زوّار من كبار وصغار.

القرية الرمضانية “ليالي زمان” في “forum de beirut”

تقول إلهام، وهي تتجول مع بناتها في هذه القرية الرمضانيّة لـ”مناطق نت”: “من الجميل أن نرى بيروت بهذه الحال، حيث أُعيد إحياء شوارعها خصوصًا بعد انفجار الرابع من آب، وتمّت الاستفادة من مساحاتها العامّة”، مؤكّدة أن “الأجمل من ذلك أنّ هذه القرية هي للجميع، من كلّ المستويات والأعمار”.

من جهتها، تقول آرشو التي التقتها “مناطق نت” في القريّة الرمضانيّة: “إلنا زمان ما شفنا بيروت هيك” وتكمل: “عادةً أزور وسط بيروت لأرى الفعاليّات المُقامة خلال فترة الميلاد، وهذه المرّة الأولى التي أعيش فيها أجواء رمضان، من الجميل رؤية المدينة بهذا الازدحام، ورؤية بيروت تنبض من جديد”. وتتابع “عاصمتنا تجمع كثيرًا من النّاس من مختلف الخلفيّات والمستويات وهذا ما يميّزها”.

لبنان الفرح والترفيه

من “بيروت العيد” في وسط بيروت إلى قرية “ليالي زمان” في “Forum de Beyrouth” والتي ينظّمها ما يُعرف بـ”سوق الأكل” وشركة “In Action”، الأجواء ذاتها، التصاميم العربيّة والشرقيّة التقليديّة تنتشر في المكان وتوحي بطقوس رمضانيّة، بائعو القهوة بالزيّ التقليديّ يجولون في أنحاء القرية وقد تحوّلت إلى واحة فرح، وجوه النّاس مُبتسمة ومُجتمعة على لعب الطاولة والورق، يستمعون إلى الموسيقى الشرقيّة وصوت العود يصدح في أرجاء “القرية”.

تقول مديرة التسويق في شركة “In Action” جويل مسعد لـ”مناطق نت”: “إنّ هذه القرية الرمضانيّة كانت ضرورة بعد نجاح “Christmas In Action” العام الماضي، خصوصًا أنّ الفعاليّات الرمضانيّة كانت غائبة لسنوات عديدة نتيجة جائحة “كورونا” والأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة التي مرّ بها البلد ولا يزال”.

زينة رمضان في طريق الجديدة

وتتابع مسعد: “هذه الفعاليّات شكّلت تحدّيًا كبيرًا، لا سيّما في الأوضاع التي يمرّ بها البلد؛ ولكن قرّرنا القيام بهذه الخطوة لإفراح النّاس، فلبنان ما فتئ يمرّ بمشاكل مختلفة، ولو أردنا انتظار الهدوء فلن نقوم بأيّ شيء”. وتختم مسعد: “سنبقى نقيم هكذا فعاليّات من أجل الشعب اللبنانيّ الذي يحبّ الحياة بالرغم من كلّ ما يمرّ به من أزمات، فهو يستحقّ أن يعيش بسعادة وفرح وحبّ”.

تكرّر علا، إحدى زائري القرية، ما قالته مسعد فتقول لـ”مناطق نت”: “بيروت بحاجة إلى هذا المُتنفّس، وهذا هو لبنان الذي نعرفه، لبنان الفرح والترفيه، وليس لبنان الحرب والدمار والأزمات”.

من جهته، يؤكد جورج خوري صاحب مشروع “Blazed Hot Flavors” الموجود في القرية لـ”مناطق نت” أنّ هناك إقبالاً كبيراً من قبل النّاس، الذين يأتون لتشجيع المشاريع الموجودة هنا، بشراء المنتجات اللبنانيّة”. ويوضح أنّ “النّاس تأتي إلى القرية للإستمتاع بالأجواء الرمضانيّة الجميلة رفقة عائلاتهم وأصدقائهم على الرغم مما تمرّ به البلاد من أوضاع”.

طريق الجديدة وبهجة رمضان

لكلّ شارع من شوارع بيروت حكاية مع رمضان، لكن لطريق الجديدة مع “الشهر الفضيل” حكاية مختلفة، فالتجوال في المحلّة له نكهة مميّزة مجلّلًا بالزينة التي تزدان بها الشوارع والمتاجر. الجولة في طريق الجديدة لا تكتمل من دون المرور عند “الهوّاري” بائع العصير، عند أوّل الشارع، لتتذوّق أطيب العصائر، بعد أن تكون قد دلفت قبل الإفطار إلى حلويات “صفوف” المكتظ دائمًا بالزبائن طلبًا لـ “الكلاج” و”الشعيبيات” و”المدلوقة” وغيرها، وبين الفترتين تتناهى إليك ضحكات الأطفال وأصوات المفرقعات وأحاديث الشباب في المقاهي، يتسايرون ويتبادلون الأحاديث، حول يومهم وصيامهم والمشاكل والتجارب التي يمرّون بها.

لكلّ شارع من شوارع بيروت حكاية مع رمضان، لكن لطريق الجديدة مع “الشهر الفضيل” حكاية مختلفة، فالتجوال في المحلّة له نكهة مميّزة مجلّلًا بالزينة التي تزدان بها الشوارع والمتاجر.

يقول السيد عبد، ابن طريق الجديدة لـ”مناطق نت”: “إنّ أجواء رمضان هذه السّنة هي الأجمل مقارنة بالسنوات التي سبقت، على رغم الأحداث المأسويّة التي تحصل سواء في الجنوب أو في غزة أو على صعيد الصعوبات الاقتصاديّة والمعيشيّة”. ويتابع عبد: “تسير في الشارع هذه السنة فتشعر ببهجة رمضان بسبب الزّينة والأضواء وبسطات العصائر والمفرقعات ومحلّات الحلويّات”. ويختم: “الحركة كثيفة في الشارع وهذا ينعكس إيجاباً على الأجواء وعلى نفسيّة النّاس”.

على رغم الجراح والألم

بدّل رمضان هذا العام من وجه بيروت الكئيب، بعدما رافقها طوال السنوات الماضية، فبدت خلال الأيام الأولى منه مختلفة بعض الشيء، تحاول إزاحة هذا الكمّ الكبير من المآسي التي حلّت بها، لتظهر بمظهر مختلف تمامًا عمّا كانت عليه في السنوات القليلة الماضية، حيث الشوارع تعجّ بالنشاطات والفعاليّات الرمضانيّة، ما يمنح المدينة جوًا مفعمًا بالحياة.

تعاند العاصمة الصعوبات، تتأقلم مع مظاهر الانهيار، لكنّها تحاول من جديد بث الروح في شرايينها المتعَبة، عبر احتفاليّات لطالما كانت تزهو بها، إذ لرمضان فيها تاريخ جميل، ينضح بالحكايا، وبالعادات البيروتيّة التي أعطت المدينة نكهة جميلة ومميزة، لا تزال تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى