“يالله جايي”.. عن اكتظاظ المقاهي وأحضانها الباردة!
“وين بدنا نشتغل اليوم” “جايي الكهربا عندكن؟” “في انترنت أو مقطوع؟”، هذا هو حال قسم كبير من الموظفين الذين باتوا يعملون من منازلهم في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي في لبنان بشكل مستمر.
المفارقة أنني وأثناء كتابة هذا المقال عن حال “نزوح” الموظفين الذين يعملون “أونلاين” للعمل في المقاهي بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت، وجدت نفسي أعيش الحالة ذاتها معهم.
حرب مع انقطاع التيار الكهربائي في لبنان
يبدو المشهد وكأننا في ساحة حرب، بكل ما تحمله تلك الكلمة من معنى. العنوان الأساسي للحروب هو الفوضى والقلق والخوف. أسأل زميلتي في العمل كيف سننجز أعمالنا اليوم؟ بعد أن مرت ساعات عدة من النهار دون أن نرى الضوء ولو لدقائق معدودة. وضبت أغراضي وتوجهت إلى أحد المقاهي لأجري مقابلة مع أحد العاملين فيها. ألتقي بزميل آخر لي في العمل، وهو بدوره يجول من متجر إلى آخر بحثًا عن “فانوس” يشتريه يعمل بدون كهرباء. لا يمكن أن “نطبطب” على بعضنا البعض، فكلانا تائه يتصبب منه العرق، نهرول لنتدبّر كيف سننجز أعمالنا في ظل فوضى انقطاع التيار الكهربائي في لبنان.
تصفحت “الفايسبوك” بصعوبة، الانترنت بالكاد تعمل! زميلة أخرى تشكو عدم قدرتها على العمل الذي تراكم بسبب انقطاع الكهرباء في المكتب الذي نعمل فيه وفي منزلها أيضًا.
أين نعيش؟ ما الذي يجري؟ أليست هذه هي الحرب؟! حرب مع الكهرباء نعيشها كل يوم لننجز أعمالنا في خضمّ الفوضى، إضافة لحروب أخرى نخوضها على المستويات كافة. من أين نأتي “بالطاقة” وقد أمسينا كالزومبي جسد بدون روح!
“نزوح” نحو المقاهي
مع سلسلة الأزمات التي تطاول الكهرباء والمحروقات وكلّ نواحي الحياة في لبنان، تحاول الناس اللجوء إلى أي حل بديل للتغلب على الظروف التي تعيشها. ظاهرة جديدة نشهدها بسبب انقطاع التيار الكهربائي في لبنان وشبكة الإنترنت عن المكاتب والمنازل، وهي اكتظاظ المقاهي بالموظفين و”لابتوباتهم”. حيث تحولت تلك المقاهي من أماكن للترفيه واللقاء، إلى أماكن للعمل بسبب توفّر الكهرباء والانترنت لدى بعضها، لكن يبقى السؤال إلى متى ستصمد تلك المقاهي؟.
لم تستمر فرحة “داني” الذي كان يعمل من منزله بعد انتشار جائحة كورونا، ظنًّا منه أن العمل من المنزل سيساعده أكثر على التركيز وسيمكّنه من النوم لساعات إضافية في الصباح. مع انقطاع الكهرباء بشكل مستمر، تحولت فرحته إلى معاناة يوميّة. يواظب “داني” منذ مدة على إنجاز عمله من المقهى بسبب توفّر الكهرباء والانترنت إضافة إلى التبريد الذي يعتبر نعمة في أيام الحرّ التي نعيشها. بين الحمرا والجميزة ومار مخايل، يحاول داني تغيير المقهى بين يوم وآخر لكي لا يشعر بالملل.
يقول “في البداية كانت أموري تسير على ما يرام حيث الكهرباء والانترنت متوفرة في المقهى، إلا أن الارتفاع الجنوني للأسعار وبشكل يومي بات يرتّب أعباءً لم يعد باستطاعتي تحملها، وهي أصبحت تستهلك معظم راتبي”.
يمتعض داني قائلًا ” أصبحت كالرحالة أجول من مكان إلى آخر. أحمل أغراضي على ظهري لأجد مكانًا فيه ضوء وشبكة انترنت كي استطيع الاستمرار في عملٍ يؤمن لي قوت يومي”.
من جهته يقول عادل الذي اعتاد ارتياد أحد المقاهي وبشكل يومي في شارع بدارو، إنه بات يختصر جلسته اليومية نظراً لاكتظاظ المقهى بالناس التي باتت تهرب من منازلها أو مكاتبها طمعاً بالكهرباء والانترنت.
أحد المقاهي في محلة ڤردان والذي يحمل علامة عالمية يكتظ بالرواد حيث التبريد والكهرباء والانترنت متوفرة.
تقول رباب إنها تمضي أحياناً ساعات في أحد المقاهي المعروفة في شارع الحمرا، طمعاً بالكهرباء والانترنت المتوفرة، وذلك هرباً من منزلها حيث أبلغهم صاحب “المولد” أن لا كهرباء بعد اليوم!.
معاناة رحلة البحث عن مكان مناسب
في حديثٍ ل”مناطق.نت” مع صاحب مقهى في منطقة الحمرا يؤكد أن توافد الموظفين إلى المقهى زاد بشكل لافت بعد انقطاع التيار الكهربائي في لبنان ومشاكل الانترنت التي نشهدها في بيروت.
“مع الأسف أبلغنا صاحب مولدات الإشتراك أنه سيبدأ من الغد بالتقنين وهو ما سينعكس سلبًا على زبائننا الذين يلجأون إلينا هربًا من انقطاع الكهرباء في منازلهم”. هذا ما أوضحه صاحب المقهى الذي أشار إلى أنه في ساعات ما بعد الظهر ترتفع أعداد الزبائن بشكل لافت بحيث يصبح المكان يضجّ بالأصوات التي ربما تشكل عائقًا للكثيرين قد يمنعهم من التركيز في أعمالهم.
الجميع يتصل قبل ذهابه إلى عمله ليتأكد إذا كان هناك من كهرباء أم لا! وإذا كانت “مقطوعة” يبدأ البحث عن المقاهي التي تتوفر فيها تلك النعمة. حيث يبلغ صاحب الحظ السعيد الذي يحظى بأحدها زملاءه لموافاته إلى هناك، فيأتي الجواب “يالله جايي”. لكن الأمور عادة ما تكون بخواتيمها، والفرصة السانحة قد لا تدوم حينها تبدأ رحلة البحث من جديد عن مكان آخر، في رحلة تشبه رحلة بحث الناس عن الدواء أو المحروقات التي يصحبها التمني والدعاء بالتوفيق عند بلوغ كل وجهة جديدة.
غالباً ما ينتهي النهار من دون إنجاز العمل، وغالباً أيضاً ما تمتد رحلة المعاناة إلى ما بعد منتصف الليل. الأمور نفسها تتكرر في اليوم التالي، والأكيد أنها لا تخلو من مفاجآت. رحلة التفتيش عن الكهرباء والانترنت ليست الرحلة الوحيدة التي نبحث عنها. أيضاً وسائل النقل وكلفتها الباهظة، الدواء وفقدانه، الغاز، البنزين، الخبز وكل شيء يبقينا على قيد الحياة. نفتش عن المقاهي لكي نأوي إليها، لعلنا بين أحضانها الباردة نتلمّس القليل من الطاقة.