وادي التيم والعرقوب.. بلاد الدبس الأشقر الفاخر منذ أكثر من 400 سنة

ملاحظة لا بدّ منها

بالرغم من صعوبة العمل الشاق والمضني مع الأرشيف العثمانيّ، قراءةً وفهمًا للخطوط والحروف المصوّرة تصويرًا، وفكّ رموزها، وعدم الدقّة في ترتيب المعلومات بين دفتر وآخر، ومن ثمّ تفريغها لتصبح نصًّا متماسكًا واضحًا؛ لذا، فإنّ ما نقدّمة للقارئ الكريم على موقع “مناطق نت”، من معطيات ديموغرافيّة واقتصاديّة، ما هو، إلّا قراءة تحليليّة لبعض سجّلات طابو دفتري تحريري الأصليّة المحفوظة في الأرشيف العثمانيّ القديم في اسطنبول وأنقرة، والتي يمكن لأيّ باحثٍ وأيّ فضولي محبٍّ للثقافة، الإطّلاع عليها مباشرة في مكان حفظها، أو من خلال شراء نسخٍ مصوّرة عنها إلكترونيًّا.

فهذه التسجيلات تتضمّن تعداد الذكور نفرًا نفرًا، والإشارة بوضوح إلى المتزوّج (خانة) والعازب (مجرّد) منهم، مع ذِكر مهنة كلّ منهم إنْ كان مزارعًا أو ناطورًا أم حدّادًا أم نجّارًا، أم إمامًا، أم مؤذّنًا، أم خطيبًا، أم إمامَ شعرٍ (منشدًا)، بالإضافة إلى ذكر أسماء المرضى والمعوّقين المعفيّين من الضرائب والرسوم، كالأعمى والكسيح والأبرس (الأبرص) والعاجز المُقعد، وغيرهم، على سبيل المثال.

إنّ ما نقدّمة للقارئ على موقع “مناطق نت”، من معطيات ديموغرافيّة واقتصاديّة، ما هو، إلّا قراءة تحليليّة لبعض سجّلات طابو دفتري تحريري الأصليّة المحفوظة في الأرشيف العثمانيّ القديم في اسطنبول وأنقرة، والتي يمكن لأيّ باحثٍ وأيّ فضولي محبٍّ للثقافة، الإطّلاع عليها مباشرة في مكان حفظها، أو من خلال شراء نسخٍ مصوّرة عنها إلكترونيًّا.

حقيقة تاريخية جديدة

كلّما قرأنا الوثائق العثمانيّة القديمة كلّما اكتشفنا حقيقة تاريخيّة جديدة. وذلك لكثرة ما كُتب عن السلطنة العثمانيّة بأنّها كانت سلطة استبداديّة أوتوقراطيّة متخلِّفة، سلطة سرقت خيرات البلدان والولايات التي كانت تتكوّن منها، من دون أن تقدِّم لشعوبها أيّ فائدة اقتصاديّة أو اجتماعيّة.

ولكنّ الوثائق الإقتصاديّة الأصليّة التي ندرسها تُظهر العكس، فبلاد الشام في إبّان الحِقبة العثمانيّة كانت تنعم بالمشاغل الحرفيّة والمدارس العموميّة والمستشفيات العامّة (الحكوميّة اليوم) والتخصّصيّة: الصحّة العامّة والنفسيّة، والتي أُفردَت لها مداخيلها الخاصّة في سجلّات الطابو دفتري تحريري، قبل أن يُصادِر تلك المخصّصات كبار النافذين والمالكين العقاريّين المحلّيّين، وبالتالي يجفّفون مداخيل تلك المستشفيات والمدارس ويقوّضونها نهائيًّا.

كما أنّه، مع بداية سيطرة العثمانيّين، واستقرار حكمهم ازدهرت الزراعة ودخلت زراعات جديدة طور الإنتاج، وأنتشرت دواليب حلّ الحرير والمطاحن والمعاصر على أنواعها: للزيت والدبس والزبيب. وليس كما علّمونا في الكتب المدرسيّة، بأنّ الأمير فخر الدين المعنيّ (الثاني؟)، هو الذي أدخل، بعد عودته من إيطاليا في العام 1618، زراعة التوت وتربية دود القز،ّ أيّ الحرير وحلّه إلى المقاطعات اللبنانيّة، لتزدهر تلك الحرفة وتتوسّع.

ملكيات خاصة

وممّا تسجّله تلك الوثائق صراحةً، أنّ الأراضي الزراعيّة والشجريّة المُنتِجَة، كانت أراضيَ خراجيّة، أيّ مملوكة ملكيّة تامّة وخاصّة من قبل زرّاعها، كأيّ بلد رأسماليّ في عالم اليوم. ولكنّ تلك الملكيّة ضاعت أو تفتّتت بفعل الإرث، وبفعل جشع كبار المالكين والتيمارجيّة المحلّيّين الذين تحوّلوا مع الزمن إلى إقطاعيّين ريعيّين على حساب عرق وكدح المالكين والمزارعين الصغار والمتوسّطين الذين اضطرّوا إلى ترك أراضيهم والنزوح والهجرة هربًا من ظلم أولئك النافذين الذين استأثروا بعائدات الأراضي الزراعيّة من دون أن يقدّموا أيّ فلسٍ لتنميتها وتحسين إنتاجها.

وصحيحٌ أيضًا أنّ السلطنة العثمانيّة ورثت التقسيمات الإداريّة والسياسيّة المملوكيّة، ولكنّها طوّرت هذا النظام الإداريّ والاقتصاديّ ليصبح صناعةً عثمانيّةً بامتياز، مع الاحتفاظ بجذوره المملوكيّة وتشريعاته الإسلاميّة، وتفاعلاته مع القوانين والأنظمة البيزنطيّة المتقدّمة، ومن ثمّ مع القوانين الأوروبّيّة الحديثة.

فبينما كان المماليك يعتمدون ناحية وادي التيم والعرقوب وحدة إداريّة واحدة، قسّمت الإدارة العثمانيّة منذ العام 1548، تلك الناحية، بسبب نموّها سكّانيًّا وازدهارها زراعيًّا وحرفيًّا، إلى وحدتين إداريّتيين: ناحية وادي التيم، وناحية عرقوب. فاشتملَت الأولى بين العامين 1569- 1575، على 26 قرية و14 مزرعة وطاحونٍ قائمٍ على أرضٍ شجريّة وزراعيّة، والثانية على 6 قرى و11 مزرعة وقطعة أرض واحدة، كانت تخصّص كسوق (بند الفخّار) لعرض وبيع منتوجات الأواني الفخّاريّة.

فيما يلي سنقدّم لمتصفّحي “مناطق نت” تصوّرًا للتطوّر الديموغرافيّ والاقتصاديّ لناحيتيّ العرقوب ووادي التيم في القرن السادس للميلاد من خلال دفاتر طابو تحريريّ: رقم 430، لسنة 934هـ/1527- 1528م؛ ورقم 401، لسنة 942هـ/1534- 1535م؛ ورقم 263، لسنة 955هـ/1548م؛ مع العلم أنّ تسجيلات هذا الدفتر بقيت صالحة للعام 973هـ/1565- 1566م، بدليل مراقبتها وتوقيعها من قبل أمين صندوق خزينة لواء الشام، محمّد حرب التوفيقيّ (التوفيق)، في 18 شهر ربيع الآخر سنة 973، على الصفحة 293؛ ورقم 474، الذي كانت سنة تحريره العام 977هـ/1569- 1570، وتمّت مراقبته وتوقيعه من قبل أمين خزينة لواء الشام مصطفى باشا صندقلي، في شهر ذي القعدة من العام 981هـ/ 1574م، على الصفحة 397.

إذن، إنّ الإحصاءت المسجّلة على هذه الدفاتر هي تسجيلات رسميّة كانت الإدارة الماليّة العثمانيّة، تعتمدها، كل 5 إلى 10 سنوات، لجباية الضرائب والرسوم وخراج الأشجار والكروم والأراضي السليخ المزروعة بالحبوب والخضار، وأعشار الأوقاف، وتوزيعها على مستحقّيها من الزعامات والتيمار والخاص الشاهي (السلطان) والأوقاف العامّة.

المعطيات الديموغرافيّة

بلغ تعداد ذكور ناحية وادي التيم والعرقوب، معًا، العام 934هـ/ 1527- 1528م، نحو 767 ذكرًا بالغًا (3835 نسمة تقريبًا، وذلك بضرب العدد الفعليّ للذكور بخمسة)، منهم 646 ذكرًا متزوّجًا أيّ رب أسرة (84 في المئة)، و109 ذكور عازبين (14 في المئة)؛ و12 إمامًا وخطيبًا ومؤذّنًا (1,6 في المئة)؛ بحيث بلغ عدد سكّان قرى وادي التيم الـ24، 621 ذكرًا بالغًا أيّ نحو 3100 نسمة (81 في المئة)، منهم: 540 خانة (87 في المئة) و74 مجرّدا (12 في المئة) و7 رجال دين (إمام) (واحد في المئة).

وعدد سكّان قرى العرقوب الثمانية 146 ذكرًا بالغًا، أيّ نحو 730 نسمة (19 في المئة)، منهم: 106 خانات (72,6 في المئة) و35 مجرّدا (24 في المئة) و5 رجال دين (3,4 في المئة)- (دفتر رقم 430، ص 206- 224). ليرتفع هذا العدد في العام 942ه/ 1534- 1535، دون الفصل بين وادي التيم والعرقوب إلى1380 ذكرًا بالغًا، أيّ نحو 6900 نسمة، منهم 1297 ذكرًا متزوجًا (94 في المئة) و53 عازبًا (4 في المئة) و29 رجلَ دين مسلمًا (2 في المئة)- (دفتر رقم 401، ص 366- 383 ).

وهكذا ازداد عدد الذكور في خلال 7 سنوات مقدار 613 ذكرًا (80 في المئة) عن العام 1528، ليعود ويتراجع، هذا العدد، العام 955هـ/1548م، إلى 1339 ذكرًا بالغًا أيّ نحو 6695 نسمة. ولقد توزّع هؤلاء الذكور لتلك السنة إلى 1168 متزوّجًا (87,2 في المئة)، و165 عازبًا (12,3 في المئة)، وإلى 6 رجال دين (0,45 في المئة).

بينما توزعوا إلى1191 ذكرًا بالغًا أو نحو 5955 نسمة في قرى وادي التيم الـ25 (88 في المئة)، منهم: 1047 ذكرًا متزوّجًا (88 في المئة)، و139 عازبًا (11,6 في المئة) و5 رجال دين (0,4)، وعلى 148 ذكرًا بالغًا، أو نحو 740 نسمة، في قرى العرقوب الستّة، منهم 121 ذكرًا متزوّجًا (81.7 في المئة) و26 عازبًا (17.5 في المئة)، وإمام واحد في كفرشوبا (0,7 في المئة)-(دفتر رقم 263، ص448- 477).

الإحصاءت المسجّلة على هذه الدفاتر هي تسجيلات رسميّة كانت الإدارة الماليّة العثمانيّة، تعتمدها، كل 5 إلى 10 سنوات، لجباية الضرائب والرسوم وخراج الأشجار والكروم والأراضي السليخ المزروعة بالحبوب والخضار، وأعشار الأوقاف، وتوزيعها على مستحقّيها من الزعامات والتيمار والخاص الشاهي (السلطان) والأوقاف العامّة.

وفي إحصاء سنة 977هـ/ 1569- 1570، بلغ تعداد ذكور قرى ناحية وادي التيم الـ26 نحو 1158 ذكرًا بالغًا (أيّ نحو 5790 نسمة)، منهم 1053 ذكرًا متزوّجًا (خانة أو أسرة) (91 في المئة)، و105 مجرّدا عازبًا (9 في المئة)؛ وعدد ذكور قرى العرقوب الستّة، نحو 123 ذكرًا بالغًا (أو 615 نسمة) منهم 117 ذكرًا متزوّجًا (95 في المئة)، و6 عازبين (5 في المئة). وبذلك يكون عدد ذكور الناحيتين معًا نحو 1281 ذكرًا أيّ حوالي 6405 نسمة (دفتر رقم 474، ص 366- 383).

ويتبيّن من الإحصاء المسجّل للأعوام 1569- 1570، أنه لم يكن هناك أيّ ذِكر لرجال الدين. كما يتبيّن، أيضًا، في المحصّلة الديمغرافية العامّة انخفاض أعداد العازبين (المجرّدان) في الناحيتين معًا، مقابل ارتفاع نسبة المتزوجين(الخانات)، بحيث لم تتعدّ نسبة العازبين في تسجيلات الدفاتر الأربعة المدروسة نسبة 14 في المئة، بينما انخفضت العام 1535، إلى أربعة في المئة.

أمّا كيف تطوّر عدد ذكور كلّ قرية منذ إحصاء الأعوام: 1528، و1536، و1548 وصولًا إلى إحصاء العام 1570م؟ فكان بالاستناد إلى إحصاء 1570م، ترتيب القرى من القرية الأكثر عددًا بذكورها البالغين إلى الأصغر تنازليًّا، كالآتي: (ملاحظة أخرى: تخفيفًا من الأرقام، سنعتمد السنوات الميلاديّة: 1528 و1535 و1548 و1570، كسنوات الإحصاء الرسميّ العثمانيّ الموازية للسنوات العربية– الهجرية: 934 و942 و973 و977).

حلّت في إحصاء 1570م، قرية حاصبيّا (حصبيه)، في المرتبة الأولى، بعدد سكّانها البالغ، آنذاك، نحو 187 ذكرًا، بعد أن تطوّر عدد ذكورها من 83 ذكرًا في إحصاء العام 1528 (المرتبة الثانية)، إلى197 ذكرًا في العام 1535 (المرتبة لأولى)، ثمّ إلى 198 ذكرًا في العام 1548 (المرتبة الأولى). أمّا في المرتبة الثانية فجاءت قرية راشيّا الوادي (ريشيه، ريشه، ريش)، بعدد ذكورها الـ156، بعد أن كانت في المرتبة الرابعة في إحصاء 1528، مع 52 ذكرًا، ثمّ انتقلت إلى المرتبة الثانية في الإحصاءين اللاحقين، مع 154 و158 ذكرًا.

واحتلّت كفرقوق الطوي (كفرقوق) المرتبة الثالثة، مع 121 ذكرًا، بعد أن كانت في سنة 1528، في المرتبة الرابعة للسنوات 1528 و1535 و1548، مع 63 ذكرًا، و111 و119 ذكرًا؛ ثمّ جاءت قرية ظهر الأحمر(في السجلات ظهر حمّار) في المرتبة الرابعة، مع 64 ذكرًا، التي نما سكّانها بشكلٍ مطردٍ من 21 ذكرًا (المرتبة التاسعة العام 1528) إلى 50 ذكرًا (المرتبة الخامسة العام 1535)، ثمّ إلى 67 ذكرًا (المرتبة الرابعة إحصاء 1548)؛ تليها قرية العقبة في المرتبة الخامسة مع 52 ذكرًا، بعد أن كانت على التوالي: في المرتبة 11 مع 21 ذكرًا، ثم في المرتبة 12 مع 41 ذكرًا، ثمّ في المرتبة السابعة مع 52 ذكرًا.

أمّا في المرتبة السادسة فحلّت بيت كيفا مع 50 ذكرًا، بعد أن كانت بدايةً في المرتبة 17، ثم تقدّمت إلى المرتبة الثامنة مع 44 ثم 51 ذكرًا. ولكن في المقابل، حافظت قرية تنّورة (طنّورة) على ترتيبها في المرتبة السابعة مع 50 ذكرًا، بالرغم من أنّها كانت في إحصاء 1528، تحتلّ المرتبة السادسة مع 34 ذكرًا، ثم ارتفع العدد إلى 46 فـ53 ذكرًا.

وتلتها في المرتبة الثامنة من إحصاء 1570، قرية بيت لهيا مع 47 ذكرًا، بعد أن تراجعت من المرتبة الخامسة العام 1528، مع 35 ذكرًا، إلى السادسة (49 ذكرًا) ثم إلى التاسعة (51 ذكرًا)؛ وتأتي في المرتبة التاسعة ينطا بعدد سكّانها الـ46 ذكرًا، بعد أن تدرّجت من المرتبة السابعة مع 24 ذكرًا، إلى التاسعة مع 43 ذكرًا، ثم إلى العاشرة (49 ذكرًا)، وتليها في المرتبة العاشرة قرية ميمس مع 45 ذكرًا، التي كانت في العام 1528، تحتلّ المرتبة الأولى بعدد سكّانها البالغ 93 ذكرًا، قبل أن يتراجع هذا العدد في الإحصاءات اللاحقة إلى المرتبة العاشرة، مع 42 ذكرًا، ثمّ إلى المرتبة 12 مع 40 ذكرًا.

وجاءت قرية عين جرفا في المرتبة 11، مع 45 ذكرًا، بعد أن تدرّجت من المرتبة السابعة مع 34 ذكرًا، إلى المرتبة الرابعة (55 ذكرًا)، فالخامسة مع 55 ذكرًا؛ واحتلّت الكفير أو كفير الزيت، المرتبة 12، بعدد ذكورها الـ40 بعد ان انتقلت على التوالي من المرتبة 14 (16 و36 ذكرًا)، ثمّ إلى المرتبة 13 مع 37 ذكرًا.

وجاءت في المرتبة 13، قرية القنعبية (قنعبية أو قناعبية) مع عدد 35 ذكرًا، بعد أن تدرّجت من المرتبة 15 (16 ذكرًا)، ثمّ المرتبة 13(39 ذكرًا)، ثمّ المرتبة 11 (49 ذكرًا)؛ واحتلّت فرديس (فريديس) المرتبة 14 مع 32 ذكرًا بعدما كانت في المرتبة 14 (20 ذكرًا)، في والمرتبة 11 (41 ذكرًا)؛ ثمّ حلّت كوكبا (كوكب) في المرتبة 15 مع 30 ذكرًا، بعد أنْ تدرّج عدد ذكورها من 13 إلى 15 ذكرًا (المرتبة 16)، ثمّ إلى 36 ذكرًا (المرتبة 15)؛ أمّا عين حرشا (الحرشا، حرشي)، فحلّت في المرتبة 16 مع 29 ذكرًا، بعد أن ارتفع عدد سكّانها من 8 ذكور (المرتبة 20) في إحصاء 1528، إلى 27 ذكرًا في إحصاءي 1535 (المرتبة 19) و1548 (المرتبة 16).

وحلّت عين قنيه (عين قنيا) في المرتبة 17، مع 25 ذكرًا، بعد أن تدرّج عدد ذكورها من 11 ذكرًا (المرتبة 19)، إلى18 ذكرًا (المرتبة 22، ثم الـ18)؛ وجاءت المحيدثة (محيدثة) في المرتبة 18، مع 21 ذكرًا، بعد أن كانت على التوالي: في المرتبة 13 (18 ذكرًا)، والمرتبة 21 (20 ذكرًا)، والمرتبة 17 (22 ذكرًا). أمّا قرية عين عطا فحلّت في المرتبة 19 مع 18 ذكرًا، بعد أن تراجع عدد سكّانها من 21 ذكرًا (المرتبة 10) للعام 1528، إلى 16 ذكرًا العام 1535 (المرتبة 23)، والمرتبة 19 العام 1548؛ وفي المرتبة 20، جاءت قرية كنيسة التي حافظت على عدد ذكورها الـ12 ذكرًا لإحصاءي 1535 (المرتبة 25)، و1548 (المرتبة 19)، بعد أن كانت في المرتبة 12، مع 21 ذكرًا العام 1528.

وكما لم يتغيّر عدد ذكور كنيسة في الإحصاءين الأخيرين، لم يتغيّر، أيضًا، عدد سكّان أبي قمحة (أبو قمحة) التي جاءت في المرتبة 21 مع 12 ذكرًا، بعد أن احتلّت المرتبة الثامنة في إحصاء 1528، مع 21 ذكرًا، ولكنّها تراجعت إلى المرتبة 20، في إحصاء 1535، بالرغم من ارتفاع عدد ذكورها إلى 22 ذكرًا.

تزايد وتراجع في أعداد السكان

وبالرغم من تزايد عدد ذكور شويّا الطفيف على التوالي من 7 ذكور (المرتبة 21)، إلى 10 ذكور (المرتبة 26)، ثمّ إلى 11 ذكرًا في إحصاء العام 1548، لكنّها جاءت العام 1570 في المرتبة 22 مع 11 ذكرًا فقط؛ وفي المقابل حلّت عين تنتا في المرتبة 23، مع 10 ذكور، وفي حين كانت مزرعة غير مأهولة في إحصاء 1528، بلغ عدد ذكورها العام 1535، 12 ذكرًا، والعام 1548، 28 ذكرًا (المرتبة 18، في هذين الإحصاءين).

كما تراجع ترتيب قرية جبّ الملكا (جبّ ملكا) لتحتل المرتبة 24، مع 10 ذكور، بعد أن كانت على التوالي في المرتبة 18، مع 12 ذكرًا، ثم 28 ذكرًا، ثمّ في المرتبة 23، مع 10 ذكور. أمّا قرية كفرمشكا (كفرمشكي) فاحتلت المرتبة 25 مع عدد 5 ذكور فقط، كما كان العدد في العام 1528 (المرتبة 24)، قبل أن يرتفع هذا العدد إلى 28 في إحصاء 1535 (المرتبة 16)، ثمّ يتراجع إلى 7 ذكور العام 1548 (المرتبة).

بينما، احتلّت قرية كفير الغباشية، أو كفير الغبش، أو كفير العالي، أو كفرغباشية، أو كفرعباسية، المرتبة 26 والأخيرة في ترتيب قرى ناحية وادي التيم، مع 5 ذكور (خانة) لإحصاء 1570، بعد أن أحصيت في العام 1548، مع المَزارع لعدم وجود سكّان فيها، مع العلم أنّها كان عدد سكّانها في العام 1528، 6 ذكور (المرتبة 23)، وفي إحصاء 1535، 15 ذكرًا (المرتبة 24).

وأخيرًا اختفت قرية هرماس من تسجيلات إحصاء 1548 و1536، دون أن يسجّل محرّر دفتر 263 و474، أيّ ملاحظة عن سبب عدم تسجيلها وإحصاء سكّانها وعائدات رسومها، حتّى في باب المزارع، بعد أن كان عدد سكّانها في إحصاء 1528، 7 ذكور (المرتبة 22)، وفي إحصاء 1535، 28 ذكرًا (المرتبة 28) بما في ذلك الأسرتين المسيحيّتين الوحيدتين في منطقتي وادي التيم والعرقوب، أقلّه حتّى العام 1570.

وهكذا يمكن إيجاز ترتيب قرى وادي التيم نسبة لسلّم أعداد ذكورها التنازليّ للعام 1570، كالآتي: حاصبيّا، راشيّا الوادي، كفرقوق، ظهر الأحمر، العقبة، بيت كيفا، تنّورة، بيت لهيا، ينطا، ميمس، عين جرفا، الكفير، القنعبيّة، فريديس، كوكبا، عين حرشا، عين قنيه، محيدثة، عين عطا، كنيسة، أبو قمحة، شويّا، عين تنتا، جبّ الملكا، كفرمشكي، كفير الغباشيّة.

بينما كان ترتيب قرى العرقوب، للعام 1570 بالعدد التنازلي، من الأكثر عددًا إلى الأقلّ، كالآتي: كفرشوبا (26 ذكرًا)، راشيا الفخّار (26 ذكرًا)، الهبّاريّة (25 ذكرًا)، شبعا (19 ذكرًا)، كفرحمام (17 ذكرًا)، خربة عمرو (10 ذكور).
أمّا كيف تطوّر عدد سكّان قرى العرقوب الستّة من سنة 1528 إلى سنة 1570، فكان كالآتي: أرتفع عدد ذكور كفرشوبا من 16 ذكرًا العام 1528، إلى 28 ذكرًا لإحصاء 1536 و1548، ثمّ تراجع العدد إلى 26 نفرًا العام 1570

كما ارتفع عدد ذكور راشيا الفخّار (ريشيه) للأعوام نفسها من 20 إلى 37 ثمّ إلى 39، ثمّ تراجع إلى 26 ذكرًا. وتدرّج عدد ذكور قرية الهبّاريّة بشكل كبير من 5 ذكور تاعام 1528، إلى 37 ذكرًا العام 1536، ثمً تراجع إلى 36 ذكرًا العام 1548، فـ25 ذكرًا للعام 1570؛ وكفرحمام من 20 ذكرَا إلى 29 ثمّ تراجع إلى 26 فـ25 ذكرًا.

وأخيرًا ارتفع العدد في قرية خربة عمرو (خريبة) من 8 ذكور إلى 13 ثمّ تراجع إلى 9 ذكور فـ10 ذكور في إحصاء 1570. وهكذا يمكن اعتبار قرية راشيّا الفخّار، وليس كفرشوبا، هي الأكثر عددًا بالسكّان إبّان القرن السادس عشر بسبب مسار تطوّر عدد ذكورها التصاعديّ. بينما يأتي ترتيبها للعام 1570، مع قرى وادي التيم في المرتبة 17، بعد قرية عين حرشا، وقبل عين قنيه.

المعطيات الإقتصاديّة والضريبيّة

إنّ النمو الزراعيّ الشجري للكرمة (العنب) والزيتون والتوت، وإنشاء المعاصر ونصب دواليب الحرير حتّم سقوط ما يُعرف بنظام التيمار العثماني (النظام الإقطاعي) وانتشار اقتصاد السوق على نطاق واسع بين قرى وادي التيم والعرقوب ومدن الشام وصفد وجنين وقراها.

ولكن بالرغم من ذلك، بما أن الاقتصاد العثمانيّ كان اقتصادًا ريعًّا بامتياز، يستقي موارده من الرسوم والضرائب الزراعيّة والتجاريّة، لذا اهتمّت السلطنة بأمن سكّانها واستقرارهم الإداريّ والسياسيّ، كي يشتغلوا ويُنتِجوا فيغذّون خزينتها الماليّة، برسوم خراج أراضيهم المُغِلَّة للحبوب، وحقول أشجار زيتونهم وكروم عنبهم وزراعاتهم الصيفيّة، وأعشار أوقافهم.

وهكذا، بعد أن فرضت إدارتها الماليّة على سكّان قرى وادي التيم والعرقوب ضرائب عرفيّة غير زراعيّة تحت اسم عادة دورة وحماية (الدورة: مصطلح عثمانيّ يُطلَق على الزيارة التفقّديّة التي يقوم بها الوالي، أو من ينوب عنه، إلى دساكر وقرى ولايته)، وذلك لوقوع هذه القرى على أطراف بادية الشام حيث كانت الغالبيّة العظمى من سكّان تلك الأطراف من البدو الرحّل الذين كانوا يهاجمون بغزوات ليليّة القرى على المواسم فيسلبونها مواشيها وحاصلاتها الزراعيّة، ما يضطرّ والي الشام، أو أمير لواء صفد، للتجوال بعساكره مع أصحاب التيمار بين تلك القرى باستمرار لإبعاد غزوات البدو، لا سيّما في أثناء الحصاد وقطاف مواسم العنب والزيتون.

ضريبة حماية

ومقابل تلك الدورات والحماية كان سكّان القرى يدفعون الرسوم تحت اسم عادة دورة وحماية التي بلغت قيمتها في إحصاء العامين 1528 و1536، نحو 45380 أقجة، أيّ ما نسبته 26,4 في المئة من رسوم الخراج المقطوع بمعدل قسم من الربع للعام 1528، و20,25 في المئة للعام 1535. وهذه القيمة كانت مرهقة وكبيرة على سكّان قرى وادي التيم والعرقوب، لأنّها كان بإمكانها شراء 453,8 غرارة قمح للعام 1528، على سعر 100 أقجة للغرارة الواحدة وتؤمّن الغذاء لنحو3267 شخصًا في السنة، أيّ لنحو 85 في المئة من مجموع سكّان ناحيتي وادي التيم والعرقوب معًا لتلك السنة.

و349 غرارة للعام 1535، على سعر 130 أقجة للغراة، بحيث كانت هذه الكمّيّة من القمح يمكنها تأمين المؤونة السنويّة لنحو 2513 شخصًا، أيّ ما نسبته 34,4 في المئة من مجموع السكّان آنذاك. (ملاحظة: غرارة القمح تَسَع 72 مدًّا، والمدّ يسَع 18- 20 كلغ، والشخص البالغ يحتاج إلى مقدار 10 أمداد من القمح كمؤونةٍ سنويّة له).

تطوّر قيمة الخراج المقطوع (بروجه مقطوع):
الخراج الموظّف وهو الرسم الذي فرضته الإدارة الماليّة العثمانيّة، بمعدّل قسمٍ من الربع (سنعتبره نصف الربع أيّ 12,5 في المئة) على إنتاج الحبوب كالقمح والشعير وأشجار الزيتون وكروم العنب والتين، وحبوب القطاني: كالعدس والباقية والكرسنّة والحمّص والفول، بالإضافة إلى المال الصيفيّ على إنتاج الذرة والسمسم والنيلة والخضار والفاكهة الصيفيّة وغيرها.

لقد بلغ هذا الخراج المقطوع في العام 1528، نحو 171649 أقجة، ما يعني أنّ قيمة الإنتاج كانت تقدّر بنحو 1373192 أقجة (مليون وثلاثماية وثلاثة وسبعين ألفًا ومئة واثنتين وتسعين أقجة)، هذه القيمة كان بإمكانها أن تشتري نحو 13732 غرارة قمح (سعر الغرارة آنذاك 100 أقجة)، أيّ نحو 988704 مدًّا، أو 17796,7 طنًّا.

وبهكذا قيمة ماليّة نقديّة لإنتاج أراضي ناحيتيّ وادي التيم والعرقوب، كان بالإمكان تأمين التغذية السنويّة بالقمح كمادّة أساسيّة لنحو 98870 نسمة، باعتبار أنّ كلّ شخص كان يحتاج إلى مقدار عشرة أمداد لمؤونته في السنة، أيّ لنحو 26 ضعف عدد سكّان الناحيتين البالغ في العام 1528، نحو 3835 نسمة.

أمّا في العام 1534- 1535، فلقد بلغت قيمة الخراج المقطوع نحو 224081 أقجة، أيّ بزيادة مقدارها 52432 أقجة (30,5 في المئة) عن سنة 1528. فتكون قيمة عائدات إنتاج أراضي ناحيتي العرقوب ووادي التيم تقدّر بنحو 1792648 أقجة (مليون وسبعمائة واثنين وتسعين ألفًا وستمائة وثمان وأربعين). وهذه الكمّيّة من المال كان باستطاعتها أن تشتري نحو 13789,6 غرارة أيّ نحو 992851 مدًّا، أو نحو 17871,32 طنًّا، وبالتالي تؤمّن المؤونة السنويّة بالقمح لنحو 99285 نسمة أيّ لمقدار14.4 ضعفًا من عدد سكّان الناحيتين البالغ في العام 1535 نحو 6900 نسمة. (سعر غرارة القمح 130 أقجة).

بلغ الخراج المقطوع في العام 1528، نحو 171649 أقجة، ما يعني أنّ قيمة الإنتاج كانت تقدّر بنحو 1373192 أقجة (مليون وثلاثماية وثلاثة وسبعين ألفًا ومئة واثنتين وتسعين أقجة)، هذه القيمة كان بإمكانها أن تشتري نحو 13732 غرارة قمح (سعر الغرارة آنذاك 100 أقجة)، أيّ نحو 988704 مدًّا، أو 17796,7 طنًّا.

وفي إحصاء العام 1548، الذي بقي صالحًا لغاية العام 1566، بلغت قيمة الخراج المقطوع نحو 232079 أقجة، أيّ بزيادة مقدارها حوالي 60430 أقجة (35 في المئة) عن سنة 1528، و14988 أقجة (6,7 في المئة) عن سنة 1535. وهذا يعني أنّ قيمة عائدات إنتاج أراضي ناحيتي وادي التيم والعرقوب معًا التي كانت تُقدّر آنذاك بنحو 1856632 أقجة (مليون وثمانمائة وستّة وخمسين ألفًا وستمائة واثنتين وثلاثين أقجة)، وكان بإمكانها شراء حوالي 14281,8 غرارة قمح (كان ثمن الغرارة من العام 1548- 1566، نحو 130 أقجة)، أيّ نحو 1028290 مدًّا، أيّ نحو 18509 طنًّا، وبالتالي تؤمّن المؤونة السنويّة بالقمح لنحو 102829 شخصًا، أيّ لنحو 15,36 ضعفًا من عدد سكّان الناحيتين في إحصاء العام 1548، حتّى العام 1566، والبالغ آنذاك 6695 نسمة (بلغ سعر غرارة القمح 130 أقجة).

وبما أنّه منذ هذا الإحصاء تمّ الفصل بين ناحيتي العرقوب ووادي التيم، لذا كانت قيمة خراج إنتاج أشجار وكروم وحبوب ناحية وادي التيم نحو 206759 أقجة (89 في المئة)، بينما بلغت قيمة خراج ناحية العرقوب نحو 25320 أقجة أيّ مانسبته 11 في المئة.

وفي إحصاء العام 977هـ/1569- 1570 الذي استمرّ صالحًا لغاية العام 981هـ/1574م، بلغت قيمة الخراج المقطوع في ناحيتي وادي التيم والعرقوب معًا نحو 285130 أقجة، ما يعني أنّ قيمة عائدات أشجار وكروم وإنتاج الحبوب والمال الصيفيّ بلغت حوالي 2281040 أقجة (مليونين ومائتين وواحد وثمانين ألفًا وأربعين أقجة).

وهذه القيمة النقديّة كانت بإمكانها شراء نحو 16293 غرارة من القمح على سعر 140 أقجة للغرارة الواحدة آنذاك. وبذلك تؤمّن المؤونة السنويّة بالقمح لحوالي 117310 شخصًا، أيّ لنحو 20,26 ضعفًا من عدد سكّان ناحيتي العرقوب ووادي التيم معًا في إحصاء 1569- 1570، والبالغ آنذاك نحو 5790 نسمة.

الضريبة على الأشجار

أمّا عائدات خراج أراضي وأشجار وادي التيم فبلغت قيمتها في هذا الإحصاء نحو 247200 أقجة، أيّ ما نسبته 86,7 في المئة من مجموع عائدات خراج الناحيتين، مقابل نحو 37930 أقجة لقيمة خراج ناحية العرقوب (13,3 في المئة).

وهكذا في ظلّ سيطرة الحكم العثمانيّ واستقرار الأمن، شعر سكّان ناحيتي وادي التيم بالأمان، فتفرّغوا لإنتاج أراضيهم واستصلحوا الموات منها وغرسوها بشتّى أنواع الزيتون والعنب الفاخر والفاكهة الصيفيّة على أنواعها، حتّى إنّ إحدى المزارع أخذت اسمها من شجرة فاكهتها المميّزة أو المشهورة بها آنذاك، فدُعيت بتليل الإنجاص (تليل الإجّاص) (التليل هي تصغير كلمة تلّ).

وكدليل على ذلك فلقد ارتفعت قيمة عائدات الخراج السنويّ المقطوع ورسوم الأشجار والكروم والمال الصيفيّ من 171649 أقجة في إحصاء 934ه/1527- 1528م إلى 285130 أقجة في إحصاء 977ه/1569- 1570، أيّ ما مؤشّره 166,11 في المئة، وبزيادة مقدارها نحو113481أقجة (66,18في المئة).

كما أنّ الأهالي كانوا بسبب غنى أراضي بعض قراهم ووفر إنتاجها يتبرّعون، للسلطنة، بمال الخراج الإضافيّ من مالهم الخاصّ المدّخر، كما فعل أهالي قرية الكفير الزيت عندما قدّموا مبلغ 3200 أقجة كهديّة للسلطان (إحصاء 934/1527- 1528، دفتر رقم 430، ص216)، وذلك، في الوقت الذي لم يكن خراج أراضيهم من القمح كمادّة إنتاجيّة وحيدة يتعدّى قيمته الألف أقجة. صحيحٌ أنّ هذه الهديّة الماليّة كانت متواضعه، لكنّها كانت تشتري نحو 32 غرارة قمح، وتؤمّن بذلك المؤونة السنويّة بالقمح لنحو 230 شخصًا، أيّ لنحو 2,875 ضعفًا من سكّان الكفير آنذاك.

حصّة الأوقاف من الخراج

للحقّ يُقال، والوثائق العثمانيّة تحكي في تسجيلاتها الواقعيّة، إنّ المبالغ المجباة كخراج سنويّ مقطوع، لم تستأثر بها الإدارة الماليّة للسلطنة العثمانيّة لوحدها، بل توزّعت بين مخصّصات الأوقاف العامّة الخيريّة والذرّيّة، وبين الخاص الشاهي، أيّ السلطان وإدارته، أو دار الولاية في الشام كمصاريف لإدارتها ومعيشة الوالي مع أفراد أسرته وحاشيته ومساعديه، وبين بعض أرباب التيمار والقضاة.

وعلى ذلك فلقد تطوّرت عائدات حصّة الأوقاف في قيمتها النقديّة من نحو 72455 أقجة للعام 1528، وما نسبته 42.2 في المئة من قيمة الخراج المقطوع لتلك السنة، إلى93743 أقجة (42 في المئة) في إحصاء 1534- 1535، ثمّ إلى 104515 أقجة (45 في المئة) في إحصاء 1548، وأخيرًا إلى نحو 142242 أقجة، أيّ 49,88 في المئة (النصف) من قيمة خراج إحصاء 977ه/1569- 1570.

وبالإضافة إلى حصّة الأوقاف الذرّيّة والشخصيّة على قراءة القرآن الكريم في بعض المدارس، وعلى الترب (المدافن) لبعض النافذين وكبار المالكين والقضاة، شملت تلك الحِصص أوقاف المدارس في مصر والشام وجنين في فلسطين: كالعادليّة الكبرى والمباركيّة والأشرقيّة الدينيّة، والخاتونيّة نسبة إلى فاطمة خاتون بنت السلطان محمّد قانصو الغوري، والأميريّة التي أسّسها السلطان محمد هوشقدم (هوسقدم) في الشام والعامريّة؛ والمدرسة البرقوقيّة في مصر (نسبة إلى السلطان برقوق المملوكيّ).

وكلّ هذه الأوقاف العامّة والذرّيّة والخيريّة، ما عدا وقف الحرمين الشريفين، كانت تدفع ضريبة العُشر نقدًا عن حصصها وعن إنتاج أملاكها. وهكذا بالرغم من أنّ البعض كان يعتبر السلطة العثمانيّة سلطةً متخلّفة عمِلتْ في إفقار وتجويع وتجهيل شعوب ولاياتها، يتبيّن لنا اهتمامها بتقدّم زراعة أراضي ولاياتها ومدى محافظتها على المدارس المتوارثة من العهد المملوكيّ ومدّها بالمال لتستمرّ في رسالتها التعليميّة والتربويّة. حيث خصّصت لها، على سبيل المثال لا الحصر، عائدات خراج بعض القرى كاملة أو الجزء الأكبر منها، كقريتي العقبة وكنيسة للمدرسة الخاتونيّة، وجبّ الملكا ومزرعة سفينة للمدرسة البرقوقيّة في مصر، وحاصبيّا لوقف قورقوماز الأمير الكبير على أولاده ومدرسة العامريّة في الشام، وبيت كيفا على وقف المدرسة الأميريّة في الشام، وينطا على وقف مدرسة العادليّة الكبرى في الشام. وهكذا كانت نصف عائدات الخراج الضريبيّة تقريبًا، تُصرَف على المدارس والمستشفيات والفقراء والمعوزين.

وفي عصرنا الحالي، وفي أرقى الدول الديموقراطيّة والمتطوّرة حديثًا، لا يُتَّبَع هذا النمط من التحصيل الضريبيّ، بحيث تُفرض الضرائب وتُجبى مقابل تمتّع المواطنين بخدمات طبّيّة وصحّيّة وتعليميّة وترفيهيّة واسعة في مناطق سكنهم وإقامتهم؟ وهذا ما نفتقده في بلدنا لبنان.

بالرغم من أنّ البعض كان يعتبر السلطة العثمانيّة سلطةً متخلّفة عمِلتْ في إفقار وتجويع وتجهيل شعوب ولاياتها، يتبيّن لنا اهتمامها بتقدّم زراعة أراضي ولاياتها ومدى محافظتها على المدارس المتوارثة من العهد المملوكيّ ومدّها بالمال لتستمرّ في رسالتها التعليميّة والتربويّة.

حصّة التيمار من الخراج

بلغت حصّة التيمار في العام 1528، نحو 37899 أقجة (22 في المئة)، ثمّ تراجعت تلك الحصة إلى قيمة 23375 أقجة (10,43 في المئة)، وتوزّعت بعد أن اقتصرت على خراج ورسوم أشجار المزارع غير المأهولة فقط، على أكثر من سبعة تيمارجيةّ، أهمّهم: مير ميران اسكندر والحاج يوسف موسى وعبد الكريم ومصطفى جاويش، وابن دباغي وشركاؤه، وأولاد الحاج يوسف، وذلك قبل أن تختفي مخصّصات التيمارجيّة نهائيًّا مع إحصاء 1548، و1569- 1570.

وهكذا لم تشهد ناحيتا التيم والعرقوب أيّ وجود لتيمارجي (إقطاعيّ) من عائلات آل شهاب وحمدان وقيس وشمس وبرغشة، تلك العائلات التي برزت في مجال السلطة والحكم لمقاطعات جبل لبنان وإقليم حوران منذ بداية القرن السابع عشر على ذمّة الروايات التاريخيّة المتداولة.

هكذا، اعتمدت إدارة السلطنة العثمانيّة مع بداية حكمها على نظام التيمار لمساعدتها في تثبيت سلطتها في نواحي لواءي الشام وصفد وغيرهما. ولكن بعد العام 1548، انتفت الضرورة لهكذا نظام فتعطّلت مزارع التيمار واندثرت مع الزمن. من هنا يمكن الاستنتاج أنّ إحدى ركائز نظام الإقطاع المملوكيّ الموظّف الذي ورثته السلطنة العثمانيّة قد انهار، وانتشر أكثر فأكثر نظام السوق وجباية العائدات والرسوم الضريبيّة عن طريق نظام الالتزام الذي هو بامتياز نظام الريع العقاريّ، والذي على أساسه امتلك أولئك الملتزمون الأراضي الزراعيّة الخصبة والمغالق بعد خراب الاقتصاد الفلّاحيّ بفعل العوامل الطبيعيّة والمناخيّة القاسية، أو بفعل الظلم في الجباية الضريبيّة، وابتكار ضرائب عرفيّة جديدة غير رسميّة لا علاقة للإدارة العثمانيّة الماليّة بها.

هذا مع العلم أنّ محرّري الدفاتر سجّلوا بعض العائدات الخراجيّة حصصًا كملكيّة خاصّة ببعض أركان السلطة العثمانيّة، من القضاة والحراس (الجاويش) ونظّار الأوقاف. كمرتّبات لهم ولذرّيّاتهم؛ ولكن تلك الحصص كانت زهيدةً جدًّا بحيث لم تتعدَّ قيمتها مقدار 10695 أقجة (6,4 في المئة) للعام 1528، و8010 أقجات (3,57 في المئة) للعام 1535، و1632 أقجة (0,7 في المئة) للعام 1548، و5100 أقجة (1,8 في المئة) للعام 1570.

حصّة الخاص الشاهي

هي مخصّصات الجهاز الإداريّ للسلطان العثمانيّ وأفراد أسرته وحاشيته في اسطنبول أو في لواء الشام من قيمة الخراج السنويّ، بالإضافة إلى رسوم الماعز والنحل والمطاحن والمعاصر ودواليب الحرير والبادهوا والعروس وأعشار الأوقاف التي تطوّرت قيمتها مع تطوّر الإنتاج الزراعيّ والصناعيّ الحرفيّ آنذاك، بحيث بلغت العام 1535، نحو 184934 أقجة، والعام 1548، 172499 أقجة، والعام 1570، نحو 215190 أقجة. وهذه المبالغ السنويّة الكبيرة هي دليلٌ آخر على نموّ وازدهار إنتاج قرى ومزارع وادي التيم والعرقوب في القرن السادس عشر.

رسوم النحل والماعز وأماكن رعيها ومشاتيها: في إحصاء العام 1528، والعام 1536، تمّ الفصل بين رسوم الماعز وبدل استئجار مراعيها من جهة، وبين خلايا النحل من جهة أخرى، بحيث بلغت رسوم الماعز والمرعى (القشلاق) نحو 7370 أقجة، ثمّ7190، أيّ يكون عدد رؤوس الماعز على التوالي للعامين المذكورين نحو: 14740 رأسًا و14380 رأسًا، باعتبار أنّ السلطنة العثمانيّة كانت تستوفي رسمًا أقجة واحدة عن كلّ رأسين من الماعز أو الغنم.

بينما بلغ عدد قفران النحل في الإحصاء الأوّل نحو 2544 قفيرًا، وتراجع إلى 1243 قفيرًا في الإحصاء الثاني (كان يؤخذ أقجة واحدة فقط كرسمٍ على كلّ خليّة نحلٍ). ولكن في إحصاءي 1548 و1570، لم يتمّ الفصل بين رسوم الماعز ومراعيها والنحل، بحيث بلغت على التوالي نحو 21940 أقجة و23990 أقجة.

المغالق

إنً الاستقرار الأمنيّ العثمانيّ، والنموّ الاقتصاديّ الزراعيّ والديموغرافيّ، انعكسا إيجابًا على التصنيع الزراعيّ التقليديّ، فأقيمت المعاصر والمطاحن وانتشرت دواليب الحرير بكثرة في ناحيتي العرقوب ووادي التيم.

أ- المعاصر: في إحصاء العام 1528، لم يرد أيّ ذكر لرسوم المعاصر في كلا الناحيتين، بينما في إحصاء 1534- 1535، تمّ تعداد نحو 99 معصرة في وادي التيم لوحدها، موزّعة على 21 قرية، أيّ بمعدّل 5,2 معصرة في كلّ قرية؛ مقابل 10 معاصر في أربع قرى من العرقوب، بمعدّل 2,5 معصرة.

مع العلم أنّ قرى حاصبيا وظهر الأحمر وميمس وعين عطا وكفرمشكا وأبو قمحة وشبعا وكفرحمام، لم يكن فيها أيّة معصرة في تلك السنة. ومن ثم ارتفع العدد في إحصاء العام 1548، إلى 103 معاصر في قرى وادي التيم موزّعة على 24 قرية بمعدّل 4,3 معاصر في كلّ قرية، وذلك بعد إنشاء عشر معاصر في حاصبيا، وثمانٍ في ظهر الأحمر (حمّار)، وثنتين في كلّ من ميمس وكفرمشكا، ولكن في المقابل انخفض عدد معاصر كفرقوق من 20 إلى 15 معصرة، وكلّ من عين جرفا وكفير الزيت والقنعبيّة وكفير الغباشة، من 4 معاصر إلى معصرتين، وجبّ الملكا من 4 معاصر إلى ثلاث، وكل من كوكبا وعين قنيا (قنيه) من 3 إلى معصرتين، وغابت قرية هرماس ومزرعتها عن الإحصاء نهائيًّا. و9 معاصر في قرى العرقوب.

معصرة قديمة

وفي إحصاء 1570، أصبح عدد المعاصر 113 معصرة، منها 104 معاصر في وادي التيم (4,16 معصرة لكلّ قرية)، بعد إنشاء معصرة في قرية أبو قمحة، و9 معاصر في العرقوب بمعدّل 2,25 معصرة في كلّ قرية. وهكذا كانت قرية راشيّا، في العام 1570، تحتلّ المرتبة الأولى بعدد المعاصر، مع 20 معصرة، تليها كفرقوق (15 معصرة)، ثم حصبيّا (10 معاصر)، فظهر الأحمر (8 معاصر)، فالعقبة وبيت كيفا (5 معاصر لكلّ منهما)، فتنّورة وكنيسة (4 معاصر لكلّ منهما)، فبيت لهيا وميمس وجبّ الملكا وكفرشوبا (3 معاصر لكلّ منها).

ومعصرتان في كلّ من ينطا وعين جرفا والكفير والقنعبيّة وكوكبا وعين حرشا وعين قنيه ومحيدثة وشويّا وكفير الغباشيّة وراشيّا الفخّار وخربة عمرو؛ ومعصرة واحدة في كلّ من فرديس وأبو قمحة وعين تنتا وكفرمشكي؛ في حين لم تنشأ أيّة معصرة في قرى عين عطا وشبعا وكفرحمام خلال القرن السادس عشر حتى العام 1574م.

ب- المطاحن: مثلما أسهم الاستقرار السياسيّ والأمنيّ في ارتفاع عدد المعاصر، ساهم أيضًا في بناء مطاحن جيّدة من سنة إلى سنة. لذا، بعد أن بلغ عدد أحجار المطاحن في إحصاء 1528، نحو 4 مطاحن، كلّ منها بحجر واحد في كلّ من حاصبيّا ومزرعتها البيرة وبيت لهيا؛ ارتفع هذا العدد في إحصاء 1534- 1535 إلى13 مطحنة، أو حجر طاحون، ثمّ إلى 19 مطحنة بحجر واحد في إحصاء 1548، ليصل في إحصاء 1570 إلى 20 مطحنة بحجرٍ واحد.

أمّا قرى العرقوب فلم تعرف المطاحن في إحصاء 1528، بينما في إحصاء 1535، تمّ تسجيل 8 مطاحن، ليرتفع عددها إلى عشر في إحصاءي 1548 و1570، توزّعت في الإحصاء الأخير على: 7 مطاحن في شبعا واثنتين في الهبارية وواحدة فقط في خربة عمرو.

معصرة قديمة في منطقة الجنوب (تصوير كامل جابر)

ج- دواليب الحرير: في إحصاء العام 1528 لم يسجّل محرّر الدفتر 430، أيّ دولاب لحلّ الحرير في قرى وادي التيم، أو في العرقوب، بينما في إحصاء 1534- 1535، بلغ عدد دواليب الحرير في وادي التيم 21 دولابًا، ومن ثمّ ارتفع هذا العدد في أحصاء 1548، إلى 40 دولابًا، ثمّ إلى 52 دولابًا في إحصاء عام1570.

أمّا كيف توزّعت تلك الدواليب الـ52 على قرى وادي التيم للعام 1570، فكانت كالآتي: 10 دواليب في حاصبيا، و5 دواليب في راشيّا الوادي، و4 داليب في كلّ من: كفرقوق وكنيسة، و3 دواليب في كلّ من: ظهر الأحمر والكفير وميمس، ودولابان اثنان في كلّ من: تنّورة وبيت لهيا والقنعبيّة وكوكبا ومحيدثة؛ ودولاب واحد في كلّ من: العقبة وبيت كيفا وعين جرفا وفرديس وعين حرشا وعين قنيه وعين عطا وشويّا وعين تنتا وجبّ الملكا.

بينما في قرى العرقوب، فقد ارتفع العدد من دولابٍ واحد في قرية الهبّاريّة للعام 1535، إلى دولابين اثنين بعد تأسيس دولاب جديد في قرية راشيّا الفخّار في إحصاء 1548، ومن ثمّ إلى 6 دواليب في إحصاء 1570، بعد إنشاء دولابين في قرية كفرشوبا وزيادة دولاب واحد في كلّ من الهبّاريّة وراشيّا الفخّار.

بعض الإستنتاجات

لعلّ أهمّ ملاحظة يمكن أن يسطّرها أيّ متتبّع لتطوّر اقتصاد وادي التيم والعرقوب في القرن السادس عشر، هي غنى منطقة وادي التيم بينابيع المياه الطبيعيّة التي تحتاجها المعاصر ودواليب الحرير لتنشأ بجوارها، لأنّها تعمل في الصيف وبداية الخريف. بعكس المطاحن التي تُقام عادةّ على المجاري المائيّة القويّة كالسواقي وقنوات المياه المتفرّعة من الأنهار.

والملاحظة الثانية هي نشوء الصناعة الحرفيّة لحلّ الحرير التقليديّة المعتمدة على الحلاّلة العربيّة التي تضمّ خلقينين (الخلقين هو عبارة عن إناء نحاسيّ واسع قليل العمق) أو هي كناية عن برميل حديديّ أو حلّة نحاسيّة يصنع منهما خلقين صغير يُوضع على موقدة نار لسلق الشراقن وحلّ خيطها بعد خنق الزيز في داخلها ومن ثمّ يتمّ تجميع الخيطان على دولاب من الخشب المصنوع أيضًا يدويًا. وهذه الدواليب كانت منتشرة بكثرة خلال القرن السادس عشر، وحتّى قبله في معظم قرى المقاطعات اللبنانيّة التي شكّلت لبنان الحالي بعد العام 1920.

لعلّ أهمّ ملاحظة يمكن أن يسطّرها أيّ متتبّع لتطوّر اقتصاد وادي التيم والعرقوب في القرن السادس عشر، هي غنى منطقة وادي التيم بينابيع المياه الطبيعيّة التي تحتاجها المعاصر ودواليب الحرير لتنشأ بجوارها.

ثانيًا: إنّ النموّ الزراعيّ الشجريّ أغنى منطقة وادي التيم بأشجار الزيتون والعنب الفاخر، حيث ما زالت تلك الناحية حتّى وقتنا الحالي تنتج أفضل الزيت وأنقاه، وأشهى دبس العنب وزبيبه، وذلك بفضل تربة أراضيها البيضاء (الحوّاريّة) الصالحة لكلا الشجرتين. ولم تكتفِ بعض قرى وادي التيم بالإنتاج التقليديّ للدبس والزبيب وزيت الزيتون بل انتقلت في صناعة كلّ منها من الأساليب التقليديّة البدائيّة إلى الصناعة الفنّيّة الحديثة المتطوّرة، حتّى اكتسبت سمعة عالية على جودة إنتاجها، وعمّت شهرتها لبنان والإقليم والعالم.

ثالثًا: طالما أنّ الرسوم الضريبيّة كانت الأموال النقديّة في جبايتها، لأنّها متأتّية من خراج الأراضي المشجّرة بمعظمها، لذا كانت الأراضي الزراعيّة الشجريّة والسليخيّة أملاكًا خاصّة لزرّاعها ومستثمريها بدون أيّ منازع، كما هي الحال اليوم في معظم الدول العالميّة ذات الاقتصاد الحرّ.

رابعًا: إنّ محرّري دفاتر الطابو العثمانيّة لم يسجّلوا أيّ مذهب من المذاهب لسكّان نواحي لواءي الشام وصفد، بل اكتفوا بالإشارة إلى الذكور المسيحيّين بكتابة جماعة النصارى. فلذا لا يمكن لأيّ باحثٍ أو مؤرّخٍ، مهما كانت مهارته البحثيّة وسعة خبرته بمعرفة المذاهب من الأسماء المتداولة في هذه الدفاتر، وذلك لأنّ معظم أسماء العائلات (الشهرة) اللبنانيّة وحتّى العربية، متشابهة ومشتركة بين مختلف الطوائف والمذاهب والأديان. وما عدا ذلك فهو إسقاطٌ تاريخيّ، على الماضي البعيد ليس إلّا. فالنظام الملّي العثمانيّ ظهر بعد العام 1839، أيّ بعد صدور قانون كلخانه، حيث تمّ الاعتراف المعنويّ للجماعات الدينيّة بشخصيّاتها المعنويّة وعباداتها الخاصّة، وسُمح لها التمتّع بكامل حقوقها المذهبيّة والمدنيّة.

محرّري دفاتر الطابو العثمانيّة لم يسجّلوا أيّ مذهب من المذاهب لسكّان نواحي لواءي الشام وصفد، بل اكتفوا بالإشارة إلى الذكور المسيحيّين بكتابة جماعة النصارى. فلذا لا يمكن لأيّ باحثٍ أو مؤرّخٍ، مهما كانت مهارته البحثيّة وسعة خبرته بمعرفة المذاهب من الأسماء المتداولة في هذه الدفاتر.

أخيرًا، فلتسقط الصنميّة التاريخيّة والمعلومات المُعلّبة التي تعلّمناه في الكتب المدرسيّة وبعض المحاضرات الجامعيّة، ولنجدّد القراءة (الكتابة) التاريخيّة مع كلّ اكتشافٍ لحقيقة تاريخية جديدة. فالتاريخ السرديّ لوادي التيم يُسجّل أنّها كانت منذ الفتح العربيّ الإسلاميّ موطن الأمراء الشهابيّين ومشايخ آل شمس وقيس وبرغشة، ومنها خرج بعض أمراء الأرسلانيّين والحمدانيّين أصحاب إقطاع مقرن في جبل الدروز وحوران في سوريّة، أو مقاطعات في جبل لبنان.

ولكن دفاتر الطابو تحريري العثمانيّة الرسميّة للقرن السادس عشر، لم تشِر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى أيّ وجود لهؤلاء الأمراء: إنْ في وظائف التيمار أو الزعامات، وإنْ في ذكر لقب أمير أو شيخ قبل أو بعد تسجيل أيّ إسمٍ من أفراد تلك العائلات المقاطعجيّة التي أخبرونا إنّها حكمت مناطق وادي التيم وإمارة الشوف وجبل لبنان، أو تحكّمت عنوةً برقاب مالكي الأراضي الزراعيّة الشجريّة والسليخيّة ومزارعيها وفلّاحيها، وهذا ما سنكتشفه صحيحًا أم خطأ عندما نحقّق في دفاتر الطابو التحريريّ للقرنين السابع والثامن عشر…

 

هذا البحث أُعدّ بالشراكة مع:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى