سيارات بلا نمر.. القانون لا يمر على طرقات الجنوب!

تتنامى ظاهرة سير السيارات التي لا تحمل نمراً، في شوارع الجنوب، خصوصاً مع تفاقم الأزمات المعيشية راهناً، وخلافاً لما ينص عليه القانون، قد يصادف أيّ زائر لقرى الجنوب مرور سيارات بدون لوحات سير، حتى بات المشهد لدى البعض إعتيادياً ومقبولاً.

وهكذا، تسير الكثير من السيارات غير المنمرة، يومياً على الطرقات، بعضها يزاحم بسرعته السيارات الأخرى، وبعضها يتميز بزجاج داكن وموسيقى صاخبة. واللافت أكثر، أنّ غالبيتها تتجاوز الحواجز الأمنية دون توقيفها.

ظاهرة قديمة جديدة

وتنتشر هذه الظاهرة، في قرى الجنوب وعلى طول الساحل من صيدا إلى صور، منذ ما قبل الأزمة الإقتصادية الراهنة، التي تعصف بالبلاد، وتتنوع أسبابها، مثل عدم إقدام مالك السيارة على تسجيلها، التهرب من دفع رسوم التسجيل، إستيرادها حديثاً، لاسيّما إن كان إستيرادها تمّ بهدف بيعها في وقت قريب، وليس للإستخدام الشخصي، ويكثر في الجنوب هذا النوع من السيارات نتيجة الإغتراب وكثرة معارض السيارات، فيما يكون التشبيح، أحياناً كثيرة، سبباً رئيسياً في قيادة سيارة بدون نمرة، ولائحة الأسباب تطول، قد تصل إلى إرتكاب أفعال جرمية.

الظاهرة ليست بجديدة، بحسب الأستاذ الجامعي والناشط الإجتماعي والسياسي حاتم حلاوي، ولكنها كانت محدودة، وشبه محصورة بالقرى، وكانت وتيرتها تنخفض وتزيد، بحسب نشاط القوى الأمنية المعنية أو تساهلها معها.

ومثل أيّ مخالفة أخرى، يعتبر حلاوي في حديث مع “مناطق.نت”، أن غياب القانون وعدم فرضه على الناس هو ما فاقم هذه الظاهرة. والمعضلة الأساس، هي أن تقصير الدولة عن أداء واجبها تجاه المواطنين، على أكثر من مستوى وصعيد، هو ما تسبب بتساهلها أو عدم تطبيقها لنص القانون. وهذا أمر طبيعي وبديهي، على حد تعبيره. لافتاً إلى أن القوى الأمنية، لا تعير اهمية لمثل هذه المخالفات في حال كانت غير موكلة بذلك، وأحياناً كثيرة لا يكون بحوزتها أمر مسبق لتنفيذ القانون في مسألة النمر، فيتمّ تجاهل الموضوع.

النافعة فاقمتها

يجمع كثر على أنّ أحد أسباب تفاقم هذه الظاهرة مؤخراً، وخصوصاً في الأشهر الماضية، هو إقفال النافعة ودوائر الميكانيك، إذ إن تسجيل السيارات كانت مهمة صعبة بسبب إضراب الموظفين، وهذا ما شكل مبرراً للناس (أيّ المخالفين) على القيام بمخالفتهم ولفارض القانون، بالتمنع عن القيام بمواجبه، على حد تعبير حلاوي.

ولكن، لماذا انتشرت بكثرة مؤخراً؟ يرى المحامي مازن صفية، في حديث مع “مناطق.نت” أنه تمّ إدخال العديد من السيارات الأجنبية، وتم شراء، البعض منها، وتعذر على المشترين، من غير التجار، تسجيلها بسبب إقفال النافعة في الوقت الذي احتاج بعض الناس الى قيادتها، وهذا ما تسبب بانتشارها أكثر في الآونة الأخيرة، إلّا أن هذا السبب طارئ على الصورة العامة ومتبدل بين فترة وأخرى.

أحد أسباب تفاقم هذه الظاهرة مؤخراً، وخصوصاً في الأشهر الماضية، هو إقفال النافعة ودوائر الميكانيك، إذ إن تسجيل السيارات كانت مهمة صعبة بسبب إضراب الموظفين

الأحزاب وسطوتها

يضاف إلى كل ما تقدم، أمر آخر ومهم، يطغى على المشهد العام في الجنوب، هو هيمنة الأحزاب وسطوتها وقوتها الملحوظة في الشارع، والتي تحمل عناصر قوى الأمن على التفكير عشرات المرات قبل إتخاذ أيّ قرار والتصرف باتجاه أحد المخالفين، في حال أراد ذلك طبعاً، حسبما يرى حلاوي.

أما سطوة الأحزاب، نقاش آخر، وطويل، فمخالفة قانون السير، مثل أي مخالفة لقوانين أخرى، يخضعون لنفس الفكرة والجوهر. “القصد ليس مهاجمة الثنائي الشيعي” يقول حلاوي، ويضيف “إذا ما أردنا الحديث عن الجنوب وخصوصاً القرى التي تضم الثنائي الشيعي، تسجل العديد من المخالفات، منها مسألة التنظيم المدني والعمارة فيه، والعشوائيات والعربات المنتشرة في الشوارع، وأسلاك الكهرباء والنفايات(..) والإهمال واضح في هذا الخصوص”. ناهيك عن تبعية القوى الأمنية للأحزاب، أما البلديات فإنها غائبة عن الموضوع، وفق ما يؤكد حلاوي، وهي في الأصل، تتبع الأحزاب التي أنتجتها وتتشكل منها، فيما يطبق القانون، وقليل ما يحصل ذلك، على الضعيف في حال تم توقيفه إذ إنه عادة ما تتمّ تغطية أصحاب المخالفات كي لا تتمّ محاسبتهم.

وبالتالي، هذا الأمر سمح بانتشار ظاهرة قيادة السيارات من دون نمر، لأسباب تتصل بالإهمال وعدم الإمتثال للقوانين، وليس فقط للأسباب المذكورة سابقاً.

ذعراً مضاعفاً

ويتفاقم شعور عدد كبير من أهالي الجنوب بالذعر جراء انتشار هذه الظاهرة راهناً، بسبب الفوضى الأمنية وكثرة الجرائم والسرقات، نتيجة تردي الأوضاع الإقتصادية لدى كثير من الناس، إذ وفق أرقام المنظمات الدولية تخطى عدد الفقراء في لبنان نسبة الـ90 في المئة. كما يخاف الناس من أن اعتياد رؤية سير السيارات وتنقلها من منطقة الى أخرى بلا لوحات سير سيسهل حتماً القيام بأمور خارجة عن القانون كالسرقات مثلاً.

يتفاقم شعور عدد كبير من أهالي الجنوب بالذعر جراء انتشار هذه الظاهرة، بسبب الفوضى الأمنية وكثرة الجرائم والسرقات، ونتيجة تردي الأوضاع الإقتصادية لدى كثير من الناس
قانونياً

ينص قانون السير رقم 243 تاريخ 22/10/2012 على أن كل سيارة يجب أن تحمل لوحة ظاهرة بوضوح تُذكر فيها ماركة السيارة وطرازها، لمعرفة إذا ما كانت السيارات مطابقة للمواصفات أم لا. واللوحة هدفها إحصاء هذه السيارات وتسجيلها بشكل قانوني لمعرفة مالكها والتحقق من صلاحيتها للسير.

ومعرفة المالك يُمكن من ملاحقة أي مسؤول أو مرتكب لمخالفته قانون السير وكذلك التعويض عن أيّة أضرار تنتج عن قيادة هذه السيارة أو عن الاضرار الناتجة بسببها.

ووفق نص القانون، فإن عدم وجود لوحة معلقة بوضوح على السيارة، يرتب على سائقها ومالكها مسؤوليات قانونية، لأن هذا الفعل يشكل مخالفة واضحة وصريحة لقانون السير، ويرتب عقوبات بدءاً من حجر السيارة إلى دفع الغرامات المالية (تنظيم محضر ضبط – حجز سيارة) وصولاً إلى عقوبة الحبس، حسبما يؤكد صفية.

هل تشكل خطراً؟

هناك شبه إجماع على أن عدم تسجيل السيارة بحد ذاته، إذا كانت صالحة للإستعمال ومطابقة لشروط السلامة لا يشكل خطراً، ولكن الخطر يتشكل في حال أسيء إستخدام هذه السيارة لغير غايات القيادة فقط، مثل نقل المواد الممنوعة والمجرمة قانوناً، نقل أشخاص لارتكاب جرائم، نقل متفجرات لتفخيخها وتفجيرها كما حصل مرات سابقة، وتبييض الأموال عبر بيع سيارات مسروقة، يقول صفية.

صعوبة التصدي في البيئة الجنوبية

تنقسم الآراء حول ما إذا كان التصدي لمثل هذه الظاهرة أمراً ممكناً أو صعب التطبيق، في بيئة جنوبية لها قوانينها الخاصة ومزاجها العام وأفكارها التي تقف عائقاً في وجه أيّ تبديل أو تغيير في أسلوب ونمط العيش الثابت على مدى عقود الصمود والإنتصارات، كما يحلو لهم اعتبارها، إذ إن أيّ تفصيل آخر، بالنسبة لكثير منهم، هو غير مهم، ومنها القوانين والتشريعات وكل ما يمثله وجود الدولة من تعبير.

تنقسم الآراء حول ما إذا كان التصدي لمثل هذه الظاهرة أمراً ممكناً أو صعب التطبيق، في بيئة جنوبية لها قوانينها الخاصة ومزاجها العام وأفكارها التي تقف عائقاً في وجه أيّ تبديل أو تغيير في أسلوب ونمط العيش الثابت على مدى عقود الصمود والإنتصارات

هذا على مستوى الجنوبيين. ولكن غياب القوى الأمنية تسبب بذلك أيضاً، “لو تمّ تنفيذ القانون لكان اختلف الموضوع حتماً. على الدولة أن تعتمد على فرض القانون وليس على أخلاق المواطن” يقول حلاوي. إلّا أن موضوع غياب الدولة لا ينفصل عن سيطرة الأحزاب والذهنية المسيطرة، الأمران متلازمان، وينعكسان على بعضهما البعض، فعندما تغيب الدولة تسيطر الأحزاب، وحين تسيطر الأحزاب تغيب مظاهر الدولة والقانون.

من جهته، ورغم الصعوبات المتمثلة بكل ما تمّ ذكره سابقاً، يرى صفية أنه يمكن التصدي لمثل هذه الظاهرة، “عبر إجراءات إدارية ومالية لتسهيل معاملات تسجيل السيارات وتخفيف رسوم التسجيل ما يشجع الناس على ذلك. ومن ثمّ عبر النشرات الإعلامية والتثقيفية حول أهمية التسجيل وانعكاس ذلك على السلامة المرورية وسلامة المواطنين.

وكذلك عبر تكثيف المراقبة المرورية لشرطة السير من خلال إقامة الحواجز الدائمة والسيارة لضبط مخالفات السيارات غير المسجلة” يختم صفية.

ليس الجنوب وحده!

وليس في الجنوب وحده. إذ تنتشر هذه الظاهرة أيضاً في مناطق أخرى من لبنان، بعضها بوتيرة أخف وبعضها الآخر بوتيرة مماثلة، تتبدل وفق الظروف والأوقات. إلّا أن الفارق الأساسي، مرتبط بالذهنية المكانية للجنوب، ومنطق الإستقواء ومخالفة ما هو عام والإمتثال إلى الحالة الشيعية الخاصة وقوانينها التي تسمو على قوانين الدولة.

ويؤخذ على كثيرين أيضاً، هذه المقاربة غير الموفقة، إذ لا يمكن تبرير الخطأ الشائع ومخالفة القانون، لمجرد أن هذه الظاهرة معممة في مناطق أخرى، وموجودة بوتيرة أقل أو أكثر، لاسيّما إذا ما قورنت هذه الظاهرة بالحالة المتوفرة في البقاع مثلاً، حيث تستخدم هذه الوسيلة من أجل تسهيل سرقة السيارات.

ومن ثمّ، إن تكريس الفكرة نفسها، والدخول في هذه المقارنات، للقول “أننا لسنا الوحيدين” هو أمر غير مقبول ويقلل من وطأة ومخاطر الفعل نفسه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى