بين الهوس والموضة عمليّات التجميل تتزايد بمناطق الأطراف

لم تعُد عمليّات التجميل في لبنان، ترفًا نسائيًّا أو خطوة استثنائيّة لأسباب طبّيّة أو نفسيّة، بل تحوّلت إلى ظاهرة اجتماعيّة متجذّرة تعبّر عن تبدّلٍ عميق في نظرة المرأة إلى جسدها، وفي علاقتها بذاتها وبالآخرين.
مسافة طويلة تبدأ من “رتوش” بسيطة إلى جراحات معقّدة تُغيّر الملامح كلّيًّا، وربّما تغيّر النفس قبل الوجه، كأنّ الجمال تحوّل إلى سلعة يوميّة مُعلَّبة تُسوَّق كما تُسوَّق الموضة والأزياء.
في ظلّ الهوس العالميّ، بات لبنان يُشكّل حالة خاصّة ويمكن أن يُطلق عليه “مستشفى التجميل في الشرق الأوسط” لما يمتلكه من خبرات طبّيّة جعلته مقصدًا إقليميًّا في هذا المجال. غير أنّ هذا الازدهار، ولا سيّما الجراحيّ منه، لا يزال محصورًا في بيروت والمدن الكبرى، بينما ما زالت الأرياف، وبخاصّة في البقاع الشمالي، تخطو خطواتها الأولى في هذا الميدان.
بين الضرورة والهوس
في الأصل، التجميل ليس عيبًا ولا بدعة، بل ضرورة تفرضها أحيانًا حالات التشوّه أو الحوادث أو الأمراض أو حتّى فقدان الثقة بالنفس. لكنّ الحدّ الفاصل بين الإصلاح والهوس بدأ يذوب، بعدما جعل الإعلام ومواقع التواصل الجمال شرطًا للقبول الاجتماعيّ والمهنيّ، كأنّ الملامح الجديدة باتت بطاقة هويّة اجتماعيّة بحدّ ذاتها. هكذا غدت النساء في سباقٍ مع صورٍ مثاليّة لنجمات الشاشة ومؤثّرات المنصّات.
أم علي: مش غلط نعمل عمليّة نرتاح فيها لنفسنا، بس صرنا نحسّ إنّو إذا ما عملنا هيك منكون متأخّرين أو متخلّفين
تقول السيدة “أم علي” من بلدة العين في حديثٍ إلى “مناطق نت”: “مش غلط نعمل عمليّة نرتاح فيها لنفسنا، بس صرنا نحسّ إنّو إذا ما عملنا هيك منكون متأخّرين أو متخلّفين”.
جملة تختصر واقعًا اجتماعيًّا جديدًا، حيث لم يعد التجميل خيارًا شخصيًّا، بل واجب اجتماعيّ غير معلن، وواقع لا يمكن إنكاره.
تكامل الشكل والمضمون
من جهتها، ترى الأستاذة شيماء الحجيري من ثانوية عرسال أنّ الاهتمام بالمظهر ضروريّ، لكنّه لا يكتمل من دون مضمون فكريّ وثقافيّ يوازيه. وتتابع حديثها لـ “مناطق نت”: “الاهتمام بالشكل ضروريّ وأساسيّ، لكن لا قيمة له دون عقلٍ واعٍ وثقافةٍ حقيقيّة. المطلوب لمسات تجميليّة بسيطة تُبرز جمال المرأة وتزيد نضارتها وشبابها، لا أن تتحوّل جميع النساء إلى قالبٍ واحد تنصهر فيه الملامح”.
تضيف الحجيري أنّ شعار “كوني جميلة واصمتي” بات من الماضي لأنّ “مطالبتنا بمشاركة المرأة في صنع القرار والحياة الاجتماعيّة والسياسيّة تتطلّب مؤهّلات متكاملة علمًا وثقافةً وشكلًا. علينا بناء ثقافة الجمال والعقل السليم معًا، عبر المعرفة والتدريب والرياضة، الجمال الحقيقيّ هو انسجام المظهر مع الفكر، لا انتصاره عليه”.
بين الطبيعيّ والصناعيّ
أثار حفل انتخاب ملكة جمال لبنان أخيرًا سيلًا من الأسئلة حول الجمال اللبنانيّ: هل لا يزال طبيعيًّا؟ أم أنّ مبضع الجرّاح فعل فعله في وجوه المتسابقات؟

الوصيفة الأولى لملكة جمال البقاع مايا فرنسيس، ابنة بلدة جديدة الفاكهة، ترى أنّ تكريم الجمال أمر طبيعيّ كما في كلّ دول العالم “فالجمال نعمة من الله يجب الاهتمام بها، كما نكرّم الفن والموسيقى والرياضة. المسابقات الجماليّة تقيس الشكل والمضمون معًا، من خلال الإطلالة والثقافة الشخصيّة”.
فرنسيس تؤيّد عمليّات التجميل عند الضرورة، لكنّها ترفضها في المسابقات الجماليّة “الألقاب يجب أن تبقى للجمال الطبيعيّ. فلكلّ صبيّة جمالها الخاص، والمبالغة في التجميل تصنع نسخًا متشابهة، وتحوّل الملكة إلى مجمَّلة لا إلى ملكة جمال”.
التجميل مورد اقتصاديّ إضافيّ
في البقاع الشماليّ، حيث تغيب المستشفيات والعيادات الجراحيّة المتخصّصة، وجد بعض أطبّاء الأسنان في التجميل الوجهيّ موردًا اقتصاديًّا ومهنيًّا إضافيًّا. فانتشرت عمليّات حقن “البوتوكس” و”الفيلر” داخل عياداتهم، لتلبية الطلب المتزايد على خدمات التجميل.
توضح طبيبة الأسنان آمال زعرور المتخصّصة في التجميل الوجهيّ، لـ “مناطق نت” حجم الإقبال المتزايد فتقول: “الطلب على حقن البّوتوكس والفيلر يرتفع، وللجنسين، لكنّ الغريب هو حجم التكتّم وكأنّ القصّة جريمة، بينما هي أقلّ من عاديّة”. وتطمئن زعرور “حين تُمارس باعتدال ووفق الأصول الطبّيّة، تكون آمنة وسليمة ولا خوف منها، طبعًا مع مراعاة دقّة المعايير في المواد المستخدمة، من قبل الطبيب والشخص معًا”، وهذا ما يضمن نجاحها.
وترى زعرور أنّ حقن الإبر في العيادات بات “يُشكّل موردًا ماليًّا إضافيًّا للطبيب، ويوفّر مالًا ووقتًا على الزبائن كون أكثرهم مرضاه، وعلاقة الثقة موجودة مسبقًا”. وتختم بالتحذير من التحوّل إلى تجارة “حين تُصبح تجارة ستُستخدم بلا ضوابط وتنخفض معايير السلامة لأنّ الهدف يصبح الربح وليس تقديم الخدمة الطبّيّة الآمنة”.
التجميل ليس جريمة، لكنّه يصبح مملًّا حين يتحوّل إلى استنساخٍ جماعيّ لوجوهٍ متشابهة. فجمال المرأة لا يُقاس فقط بالأنف المثاليّ أو البشرة المشدودة، بل بصدق ملامحها وفرادتها، وبقدرة المرأة على رؤية وجهها كما هو في مرآتها، لا كما يريده الآخرون.



