معلمو التعليم المهني في البقاع: أتعاب التعاقد لا تكفي للتنقل!

لم يكن يعلم المدرس في قطاع التعليم المهني في البقاع، أن العناء الذي كان يتكبده في السابق من مشقة الانتقال من منطقة إلى أخرى سيصبح اليوم فوق طاقته. لم يكن يعلم أن تنقله بين أرجاء المحافظة من معهد إلى آخر سيصبح مستحيلاً في ظل غلاء مادة البنزين، فإبن مدينة الهرمل متعاقد في بعلبك، وإبن اللبوة والعين متعاقد في القاع والقصر وبوداي، وإبن بعلبك في الهرمل. وكثيرة هي الأمثلة في هذا المجال.

في جولة سريعة على واقع أساتذة المهني المتعاقدين في بعلبك-الهرمل، نلاحظ أنه في معهد العين الفني على سبيل المثال يبلغ عدد المتعاقدين ٨٥ استاذاً، ٢٠ منهم من مدينة الهرمل، والعدد نفسه من مدينة بعلبك، أي أن نصف المتعاقدين يقطعون مسافات طويلة ليصلوا إلى المعهد.

وفي معهد رأس بعلبك الفني يبلغ عدد المتعاقدين خمسين متعاقداً، ٩٠ ٪ منهم من خارج منطقة رأس بعلبك، معظمهم من الهرمل واللبوة والقاع وبعلبك و١٠٪ فقط منهم من البلدة. الأمر مشابه في معهد الشيخ محمد يعقوب في الطيبة في بعلبك، والتي تعتمد في جزء كبير من متعاقديها على منطقة البقاع الشمالي، حيث يقطع حوالى نصف الأساتذة يومياً قرابة ٤٠ كلم ليصلوا إلى المعهد.

واقع مأساوي

واقع الأساتذة المتعاقدين بشكل عام، وفي القطاع المهني في بعلبك الهرمل بشكل خاص كما سبق وذكرنا مأساوي، فالقطاع المهني قائم على المتعاقدين الذين تبلغ نسبتهم حوالي ٩٥٪، لذلك فهم يشكلون العامود الفقري للتعليم المهني الذي لا يقوم بدونهم.

يروي الأساتذة معاناتهم في هذا المجال، يقول أحدهم وهو متعاقد في معهد رأس بعلبك المهني من أنه لم يتوجه حتى الآن لتجديد طلب تعاقده، لأن سيارته تفتقد للبنزين، متسائلاً كيف سيتم التعامل مع هذا الموضوع طيلة عامل دراسي كامل. وتقول مدرسة أخرى إنها تقطع يومياً مسافة ٤٠ كلم من أحد جرود الهرمل لتصل إلى مهنية العين، وهذا مكلف ويساوي أجر الساعات كما هو متعارف عليه.

معاناة أخرى يكشف عن وجوهها أحد الأساتذة، شارحاً أنه إضافة لغلاء كلفة التنقل سواء بالسيارة أو بوسائل النقل العامة، فإن المتعاقد حتى الآن لم يحصل على كافة مستحقاته من العام الماضي ليتمكن من تحمل تكلفة وأعباء هذا العام، مضيفاً أن ما يتم الحديث عنه من نقل مشترك للأساتذة والطلاب أمر غير ممكن في ظل تشتت وتوزّع أماكن هؤلاء، لأن النقل المشترك لا يمكنه أن يراعي أماكن القرى والبلدات المتطرفة والبعيدة عن الطريق الدولية، وللأسف معظم قرى وبلدات البقاع منها.

أستاذ آخر يشكو ويطالب الدولة وتحديداً الوزارة المعنية وقبل أن تفكر في العام الدراسي الجديد، أن تفكر قليلاً في كرامة الأستاذ، أن تقدم له الحد الأدنى من حقوقه وتمنع عنه ذل الطرقات والمتمثلة بالوقوف وانتظار من يتحسّن عليه ويقلّه في سيارته ليصل إلى معهده. على الدولة أن تهتم قليلاً بالوضع النفسي للمدرس في ظل هذه الأزمة ليستطيع بعد عناء الوصول إلى مكان عمله أن يؤدي رسالته بالشكل المطلوب.

ماذا عن الطلاب؟

المشكلات المرتبطة بواقع النقل وكلفته الباهظة تثقل كاهل أهالي الطلاب والأساتذة على السواء. والأمر الذي زاد الطين بلة أن الطالب محكوم للأسف بالاختصاصات والسنوات، فعلى سبيل المثال الاجازة الفنية ليست متوفرة في معاهد البقاع كافة، وبالتالي فإن طلاب بلدة العين وجوارها يضطرون إلى التسجيل في بعلبك، حيث تبلغ كلفة النقل في اليوم الواحد حوالى ٥٠ ألف ليرة وما فوق.

كذلك بعض الاختصاصات موجودة في معاهد دون أخرى كالتسويق والتمريض والفندقية، وهذا الأمر يحتم على الطالب الانتقال من منطقة إلى أخرى.

لكن المأساة في ذلك هي أن وزارة التربية تعيش في عالم آخر، ولا تسمع عما يعانيه المدرس في هذه المنطقة. تغفل عما يحدث على أرض الواقع، لم تهتم لموت مدير الليسيه الاستاذ جرجس مشرف على طريق بعلبك-الهرمل بعدما أنهكه التعب وهو يحمل أوراق تلاميذه سيراً على الأقدام من مفرق إيعات إلى المنطقة التربوية في بعلبك.

“العربة أمام الحصان”.. هو ما قامت به الدولة فيما خص العام الدراسي، فبدلاً من أن تقوم بتهيئة الظروف وتأمين الحد الأدنى من مستلزمات العام الدراسي ومتطلباته، أعلنت عن موعد بدء العام الدراسي دون أن تقوم بأي من الخطوات التحضيرية التي تتيح البدء بذلك، ومنها قبل كل شيء مسألة تأمين انتقال الطلاب والأساتذة إلى المدارس والمعاهد، إضافة إلى أمور كثيرة يبدو أن عدم تحقيقها سيؤدى إلى أن يكون إنجاز العام الدراسي أمراً مستحيلاً هذا العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى