يوميات الرزنامة الورقية تغادر جدران البيوت تدريجًا

إلى سنوات عشر خلت، كانت جدران منازلنا، تحفل بحمل يوميّات “الرزنامات” المعلّقة على مسامير، جنبًا إلى جنب، أو فوق بعضها البعض، وتعمّد إظهار الرزنامة الحزبيّة والجهويّة في الصدارة.

نجم هذه اليوميّات الورقيّة سائر نحو الأفول تدريجًا، بعد اعتمادها قبل عقود من الزمن، فتباع وتوزّع، على أبواب نهاية كل عام وقدوم آخر، وحالها حال كثير من عادات وأدوات الزمن الجميل، كان يبدأ مع صباحات كلّ يوم، بسلخ ورقة من معلّقة المنزل، وقراءة الحكم والأقوال والاطّلاع على المناسبات الوطنيّة والدينيّة وسواهما، فضلًا عن اقتراحات للطعام اليوميّ .

لم يعد في منازل ومكاتب الغالبيّة العظمى من الناس، هذا النوع من اليوميّات، سواء منها الأوراق اليوميّة أو الصفحات الأسبوعية أو الشهرية، إذ حلّ جهاز الهاتف الخلويّ، وقبله الحاسوب مكانها، في تولّي تحديد مواقيت الغروب والشروق وأحوال الطقس وكلّ ما يخطر بالبال.

لم يعد في منازل ومكاتب الغالبيّة العظمى من الناس، هذا النوع من اليوميّات، سواء منها الأوراق اليوميّة أو الصفحات الأسبوعية أو الشهرية، إذ حلّ جهاز الهاتف الخلويّ، وقبله الحاسوب مكانها

برغم كلّ هذا الأفول المتدرّج للرزنامة، ووسط تفوّق التكنولوجيا، ما زالت تقاوم، بكلّ مكوّناتها على الأوراق السمراء الـ365، أو الـ366 في السنوات الكبيسة، فتحجز مساحة صغيرة جدًّا، في بيوت المتمسّكين بكلّ ما هو قديم، ويتناسب مع عاداتهم أو أعمارهم، غير المتمرّسة على وظيفة الهواتف، فينتظرون نهاية عام وولوج آخر، لشراء رزنامتهم المفضّلة.

غابت إلى حدّ كبير الرزنامات، التي كانت تصدرها الأحزاب على عموم الأراضي اللبنانيّة، وأيضًا الأندية الثقافيّة والاجتماعيّة والرياضيّة والجمعيّات الخيريّة والأهليّة وفرق الكشّافة، إلى تقويميّ “طبّارة” و”فاخوري” الشهيرين والعريقين.

لقد تراجع توزيع أو بيع “مساهمات” الرزنامات أكثر من تسعين بالمئة، بل إنّ معظمها انقطع كلّيًّا، فيما لا تزال مؤسّسات رعائيّة، تصدّر رزنامات يوميّة، على متنها “قجّة” (حصّالة) توضع فيها الأموال الحسنات، لإفادة الفقراء منها، فيتمّ جمعها من البيوت والمتاجر، في الطريقة عينها التي يجري توزيعها، في مطلع الشهر الأوّل من كلّ عام. وتواصل بعض الفرق الكشفيّة الحزبيّة، طباعة الرزنامات، تتصدّر صفحاتها، صور رئيس الحزب او المؤسّس، ويقتصر توزيعها على المحازبين والمقرّبين .

كانت الرزنامات بالأسود والأبيض، ثمّ أتت الملوّنة، في أواسط سبعينيّات وثمانينيّات وتسعينيّات القرن الماضي، تنشر على حيز منها صور شهداء الأحزاب أو قادتها ومناسباتها. كذلك كان توزيعها بغية جمع التبرّعات الرمزيّة، مهمّة نضاليّة للفرق والشُّعَب الحزبيّة في بلدات وقرى الجنوب عامّة، وبابًا من أبواب التواصل الاجتماعي مع الفعاليّات والقوى الأخرى، والناس العاديّين من الطبقات الفقيرة .

نماذج من الرزنامات الورقية

تتعدّد في الأسواق اللبنانيّة، وتتنوّع “الرزنامة” وهو اسم تكثر تفسيرات أصل كلمته، فهناك من يعتبر أنّ أصل كلمة رزنامة، مشتقّة من “روز” أي يوم، و”نامة” أيّ كتاب. وهي كلمة فارسيّة ومعناها الكتاب اليوميّ.

عند الطوائف، للمسلمين التقويم “العصريّ” وهو الأقدم والأكثر عراقة، ويتمّ التركيز فيه على مواقيت الصلوات الخمس، وتواريخ المناسبات والأعياد الوطنيّة والإسلاميّة، وعلى الأحاديث النبويّة الشريفة والحكم والأمثال. أمّا للمسيحيّين فهناك تقويما “الفرح” و”باسيل” ويركّزان على المناسبات والأعياد المسيحيّة، وذلك بحسب كتاب معالم التقاويم لمحمّد عبد الحافظ الصادر سنة 1960.

لهذه التقاويم عدّة نظم، منها التقويم العربيّ، الذي جعل العرب “اليوم” فيه يبدأ من غروب الشمس. ومن ثمّ عُرف التقويم العربيّ باسم التقويم الغروبيّ. وقد قسّم العرب يومهم إلى اثنتي عشرة ساعة للّيل ومثلها للنهار. وتمّ تقسيم الساعة إلى خمس عشرة درجة، وقسّموا الدرجة إلى أربع دقائق تقريبًا؛ وعلى ذلك فإنّ التوقيت الغروبيّ يختلف من مدينة إلى أخرى.

التقويم الهجري

بدأ التقويم الهجريّ في عهد عمر بن الخطّاب، وقد اتّخذ من تاريخ هجرة الرسول بداية هذا التقويم، وكان ذلك في يوم الأربعاء 20 جمادى العام 17 هجريّ، وعلى ذلك يكون أوّل محرّم، هو يوم الجمعة في 16 تموز/ يوليو سنة 622 ميلاديّة، وسنة 338 قبطيّة. وقد انتشر التقويم الهجريّ في العالم مع الفتوحات الإسلاميّة، وعلى أساسه تمّ ضبط العبادات الإسلاميّة من زكاة وصيام وحج.

التقويم الميلاديّ

التقويم الميلاديّ، ويسمّى هذا التقويم في معظم الدول العربيّة بالتقويم الميلاديّ، لأنّ عدَّ السنين فيه يبدأ من سنة ميلاد المسيح، كما كان يُعتقد أنّ واضع عدّ السنين هو الراهب الأرمنيّ دنيسيوس الصغير. ويسمّى بالتقويم الغريغوريّ، نسبة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر، بابا روما، في القرن السادس عشر الذي قام بتعديل نظام الكبس في التقويم اليوليانيّ ليصبح على النظام المتعارف عليه حاليًّا. السنة الميلاديّة، التي تتضمن 365 يومًا في السنة البسيطة و366 يومًا في السنة الكبيسة، وهي تتألّف من 12 شهرًا.

الرزنامة التطوّعيّة الاستنهاضيّة

يعمل المربّي والناشط الاجتماعيّ غازي طالب في الشأن العام، منذ أكثر من خمسين عامًا، تخلّلها انتماء حزبيّ ومسؤوليّات حزبيّة، في واحد من أقدم الأندية الرياضيّة والاجتماعية “جمعية الأمل” التي تأسّست العام 1966 في بلدته الجنوبيّة معركة. وكان طالب واحدًا من أكثر الناشطين، في جمع التبرّعات لمشاريع إنمائيّة، وكانت الرزنامة السنويّة، التي تتولّى طباعتها وتوزيعها الجمعيّة، مدخلًا من المداخل إلى الناس .

الأستاذ غازي طالب

يؤكّد طالب لـ”مناطق نت” أنّ طباعة أوّل رزنامة للجمعيّة، “كانت في أواخر ستينيّات القرن الماضي (1966) وأذكر أنّ ثمنها، الذي يندرج تحت عنوان المساهمة، كان يبلغ ثلاث ليرات لبنانيّة “. ويضيف: “إنّ توزيع الرزنامة، ولاحقًا المفكرة، شكّل واحدًا من المهام التطوعيّة في الجمعيّة، وكان يشكّل صلة وصل وتواصل بين الجمعيّة وأبناء البلدة ومحيطها. ويجزم أنّ آخر رزنامة تمّت طباعتها، كانت في العام 2016. عازيًا سبب تراجع طباعة وتوزيع الرزنامات، إلى “تطور مجمل نواحي الحياة وتفوّق التكنولوجيا، لا سيما الهواتف النقالة “.

الزبائن من متوسطي العمر

يواكب محمد مغنيّة، صاحب أقدم المكتبات (الاتّحاد) في مدينة صور ، كجزء من عمل المكتبة، شراء وبيع الرزنامات، متعدّدة التقاويم. يلفت مغنيه إلى أنّ عدد مبيع الرزنامات سنويًّا لديه، “هبط خلال السنوات القليلة الماضية، من 500 إلى نحو مئاتين، ومردّ ذلك إلى البدائل التي أصبحت بين أيدي الناس، ولا سيّما الهاتف الذكيّة، التي تحوي كلّ المواعيد والمواقيت، فحلّ بشكل كبير مكان الرزنامة”.

وحول أعمار الزبائن، الذين يطلبون ويبتاعون الرزنامة، يشير مغنية لـ”مناطق نت” إلى “أنّ غالبيّة الزبائن من متوسّطي العمر، ممّن يحافظون على هذه القيمة الورقيّة، بعدما اعتادوا عليها عقودًا من الزمن، وتصفّح وريقاتها بداية كلّ يوم، إلى جانب متابعة الغروب والشروق ومواقيت الصلاة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى