ارتفاع أثمان صهاريج المياه غرب بعلبك يرهق جيوب الناس

لم يشفع لمنطقة غرب بعلبك غناها بمصادر المياه وقربها منها، من نهر الليطاني إلى اليمّونة، فبقيت تعاني أزمة مياه بشكل دائم، وهذه الأزمة وإن استفحلت هذا العام بسبب تدنّي المتساقطات وجفاف الآبار، إلّا أنّها ليست آنيّة بل تعود إلى عشراتٍ السنين، وتتجدّد مطلع كلّ صيفٍ فتسبّب مشكلةٍ قاهرةٍ لأبناء المنطقة، لناحية عدم توافرها في غالب الأحيان إلى جانب إجبارهم على شراء المياه بكُلفٍ تفوق قدرتهم الماليّة، ما ينعكس عليهم أزمةً اقتصاديّةً خانقةً.
جديد أزمة المياه اليوم، ارتفاع سعر مادّة المازوت التي أدّت إلى زيادةٍ في ثمن صهاريج المياه وبالتالي تحميل المواطن في تلك المنطقة مزيدًا من الأعباء الماليّة في ظلّ ظروفٍ اقتصاديّةٍ ضاغطةٍ على الفرد والعائلة معًا.
كيف هي صورة الواقع الحالي لأزمة المياه في منطقةٍ لم يلتفت إليها المعنيّون من وزراء ونوابٍّ يومًا؟
كان أهالي منطقة غرب بعلبك ومنذ عقودٍ من الزمن يعتمدون على مياه اليمّونة للشّفة ولريّ مزروعاتهم حيث كانت تغذّي هذه المياه المنطقة الممتدّة من بلدة فلاوي غرب بعلبك حتّى بلدة أبلح المحاذية لمدينة زحلة. أمّا اليوم فإن مياه اليمّونة تذهب إلى غير خطّها ومجراها ما يُلزم أبناء المنطقة شراء المياه من آبارٍ ارتوازيّةٍ خاصّةٍ مع ما ينتج عنه من أعباء ماليّةٍ جسيمة.

في وقتٍ تضيع فيه المسؤوليّات ولا تُحدَّد الأسباب الكامنة وراء هدر المياه أو منعها عن مستحقّيها بقوّة القانون والحقّ فيصبح المواطن ضحيّة سياسة الإهمال وغياب الرقابة والمحاسبة وتنظيم خطّ مجرى الشبكة الرئيسة للمياه لتصل إلى مناطق تتغذّى منها.
معاناة الأهالي
وفي هذا الإطار يقول المواطن محمّد الطفيلي من بلدة شمسطار إنّه يشتري “نقلتيْ” ماء في الأسبوع بكلفة تبلغ مليون و300 ألف ليرةٍ لبنانيّةٍ للنقلة الواحدة، أي بكلفةٍ شهريّةٍ تتجاوز الـ 100 دولار. وهو أمر مرهق في الظروف الاقتصاديّة الحاليّة “.
ويشير لِـ “مناطق نت” إلى أنّ مياه اليمّونة، ومنذ وجودها، تحتفظ بمنسوبها المائيّ ولم تنقص قطرةً واحدةً على مدى قرون، “وأسباب عدم وصولها إلينا وبحسب بعضهم أنّها فنّيّة وبعضهم الآخر يعزوه إلى الهيمنة عليها في مناطق محدّدة.”
ويرى أنّ تجاهل أزمة المياه في منطقةٍ تضمّ أكثر من 25 بلدةً تقع على عاتق المسؤولين “نوّابًا ورؤساء بلديّات وحتّى فاعليّات سياسيّة، لأنّ القضيّة ليست قضيّة نقصٍ في مصادر المياه إنّما هي قضيّة استهتارٍ وتقصيرٍ وتعمّدٍ في إيجاد المعاناة التي نرزح تحتها منذ عشرات السنين.”
كان لارتفاع مادّة المازوت في الآونة الأخيرة، الأثر “الكارثيّ” على منطقةٍ يُحرم أبناؤها من حقّهم الطبيعيّ في المياه حيث ارتفعت كلفة شراء المياه أكثر من ستّة دولاراتٍ بين ليلةٍ وضحاها
ويختم متسائلًا: “هل الله مسؤول عن حرماننا من المياه أم المعنيّون الذين لم يلتفتوا يومًا إلى هذه المصيبة؟”.
المازوت خرب بيوتنا
كان لارتفاع مادّة المازوت في الآونة الأخيرة، الأثر “الكارثيّ” على منطقةٍ يُحرم أبناؤها من حقّهم الطبيعيّ في المياه السماويّة التي لا منّة فيها من أحدٍ حيث ارتفعت كلفة شراء المياه أكثر من ستّة دولاراتٍ بين ليلةٍ وضحاها ما أوقع الأهالي في أزمةٍ جديدةٍ لم تكن في الحسبان.
“نصف راتبي يذهب ثمن شراء مياه، في منطقةٍ تعوم على بحيرة ماء”. يقولها المواطن أحمد حميّة من بلدة طاريّا وهو يحمّل الحكومة اللبنانيّة مسؤوليّة ذلكح ويردف “فلولا ارتفاع مادّة المازوت لما تذرّع بائعو المياه على رفع كلفة الصهريج الواحد من 900 ألف ليرة إلى مليون و500 ألف دفعةً واحدة، أجبرونا على الشراء غصبًا عنّا أو لا شرب ولا حياة.”
ويقول حميّة لِـ “مناطق نت”: “إنّ الشّحّ الذي طرأ أخيرًا على غالبيّة الآبار في المنطقة لم يكن هو المسؤول عن شراء المياه أوّلًا وارتفاع كلفتها ثانيًا، فلو كانت حصّتنا من مياه اليمّونة تصل إلينا كما هي مقرّرة في الأصل فلا حاجة لأيّ بئرٍ ولا كنّا لنشتري المياه أو نتذمّر من كلفتها.”
ويضيف أنّ “معالجة القضيّة ليست برمي التهم على السماء والمناخ والجفاف إنّما بتنظيم جرّ مياه اليمّونة من مصدرها إلى آخر نقطةٍ تصلها. وما يصيبنا اليوم كان بفضل ارتفاع ثمن المازوت الذي خربلنا بيوتنا مع غياب الدولة تمامًا عن إيجاد حلّ دائم لمشكلة مياه اليمّونة التي تروي البقاع لو أراد المسؤولون تنظيمها ومنع التعدّيات على شبكتها ومواجهة احتكارها من أناس تعرفهم الدولة ومسؤولوها في البقاع.”

مقال أصحاب الصهاريج
تجوب عشرات من صهاريج المياه يوميًّا، ليل نهار، في بلدات غرب بعلبك محمّلةً بمياه الآبار الخاصّة لتُفرغ حمولتها في منازل بأمسّ الحاجة إليها. “لسنا نحن المسؤولين عن أزمة المياه في المنطقة، ولسنا نحن من يمنع المياه الطبيعيّة عن ناسنا.” بهذه الكلمات بدأ المواطن علي الحسيني وهو صاحب صهريج لبيع الماء حديثه عن سبب رفع كلفة “نقلة” الماء بسرعةٍ وبنسبةٍ عالية.
ويقول لِـ “مناطق نت”: “إنّ أزمة المياه في المنطقة قديمة ولم يعمل أحد على حلّها. ونحن وإن كنّا نبتغي الربح المادّيّ في عملنا إلّا أنّنا نسهم إسهامًا كبيرًا في تأمين حاجة ناسنا من المياه. ولولانا ماذا كان المواطن في منطقتنا ليفعل؟”. أمّا السبب المباشر في رفع سعر صهريج المياه فيشير الحسيني إلى أنّه نتيجة رفع الدولة سعر صفيحة المازوت، “فكلّ حركتنا في البيع قائمة على مادّة المازوت. من شراء المياه من البئر وصولًا إلى حركة الجرّار، لذلك تأثّرنا قبل غيرنا بالتسعيرة الجديدة للمازوت.”
الحسيني: الزيادة على ثمن الصهريج الواحد تراوحت بين 400 و600 ألف ليرةٍ، وذلك وفقًا لبُعد المسافة أو قربها
ويلفت الحسيني إلى أنّ الزيادة على ثمن الصهريج الواحد تراوحت بين 400 و600 ألف ليرةٍ، وذلك وفقًا لبُعد المسافة أو قربها. ويؤكّد “أنّ ما أقدمنا عليه لم يكن خيارًا بل جاء فرضًا علينا كي لا نقع في الخسارة.”
مقال المسؤولين
وللمسؤولين الرسميّين عن إدارة المياه في منطقة البقاع رأيهم وتعليلاتهم حول أزمة المياه في غرب بعلبك.
يرى رئيس دائرة المياه في بعلبك وجوارها بسّام سلمان أنّ مشكلة مياه اليمّونة تعود إلى أكثر من 20 سنة. وقد بدأ ينخفض مستواها في الضخّ في السنوات الأخيرة حيث لم تعد تصل إلى بلدة أبلح كما كانت سابقًا بل ينتهي مداها في بلدة شمسطار.
وعن أسباب عدم وصولها إلى المناطق التي ما زالت تصل إليها فيؤكّد لِـ “مناطق نت” أنّ “هناك أسبابًا عديدةً تحرم بعض المناطق من مياه اليمّونة. أوّلها انخفاض مستوى مياه الينابيع في البلدة وبالتالي ضعف كمّيّة المياه المجرورة منها. ثمّ التوسّع العمرانيّ وازدياد عدد السكّان في المنطقة حيث الحاجة إلى المياه ارتفعت. إلى جانب كثرة التعدّيات على شبكات الجرّ لا سيّما الخطّ 16 وهو الخطّ الرئيس في التغذية للمناطق”.
إزاء المعاناة في تأمين المياه لمنطقة غرب بعلبك، وأمام الواقع القائم المتمثّل بمعوّقات عدّة تمنع أبناء المنطقة من حقّهم في المياه ،فإنّ هناك حلًّا لذلك قد يبصر النور في العام 2026 وفق ما يلفت إليه سلمان الذي يؤكّد أنّ هناك “خطّةً مائيّةً جديدةً تتبنّاها الدولة السويسريّة وتتضمّن حفر آبارٍ جوفيّةٍ في منطقة اليمّونة للاستعاضة من خلالها عن الينابيع التي جفّت هناك والأخرى التي انخفض مستواها”.