مطعم حنوش ..تاريخ شهي وزبائن كبار وأسرار سياسات من شمعون إلى غازي كنعان
كتب خالد صالح
على طريق بيروت – دمشق الدولي، وبعد تجاوز مدينة شتورة بحوالى الكيلومترين، وبمحازاة الطريق يمينا باتجاه الشام، هناك حديقة غنّاء ومساحة خضراء تتناثر في أرجائها أبنية ذات طابع قديم، تفوح منها رائحة التاريخ وتزيّنها إبتسامة الحاضر.
” مطعم حنّوش ” هذا المكان الذي تشعر وكأن الملائكة تسكنه، ليس حديقة ساحرة بتفاصيلها فحسب، أو مكاناً هادئاً يرتاده ناشدو هدوء الطبيعة لإلتماس السكينة فقط، هذا المطعم البهي هو شاهدٌ حي على تاريخ منطقة البقاع منذ عهد الإنتداب الفرنسي وحتى يومنا هذا .
يحملُ ” مطعم حنّوش ” بين جدرانه الكثير من الروايات، وبين غرفه العابقة بالتاريخ الكثير من الأسرار، فالمكتوم يتجاوز المجاهر به، والتفاصيل الصغيرة التي يحتفظُ بها الأخوان إميل وجوزف حنوش، تصلح فيما لو باحا بها لكتابة فصلٍ مستقل بحدّ ذاته من تاريخ لبنان عموماً والبقاع على وجه الخصوص.
لم يكن ذلك الرجل الفرنسي ” أوغستين كالونيان ” يعلم حين قدومه إلى لبنان سنة 1918، أن المنزل الذي سيبنيه على تلك الرقعة، سيتحوّل بعد قرن من الزمن إلى معلم سياحي وثقافي يصون التاريخ ويربطه بالحاضر، وأنه سيصبح متحفاً رائداً وقبلة لكل قاصد لمتعة العين وصفاء الروح.
يقول إميل حنوش : بعد الإستقلال في العام 1943 باع كالونيان البيت لآل ” الصحناوي “، ومن ثم إستأجره والدي ” ملحم حنّوش ” حيث قام بتغيير إسمه إلى الحالي ” مطعم حنّوش ”، فكان أول مطعم بالقرب من الحدود اللبنانية – السورية، فذاع صيته وبات مقصداً لأهالي المنطقة أولاً ومن ثم لكل اللبنانيين والسيّاح، خصوصاً بعدما أصبح لبنان مقصداً للأخوة الخليجيين إثر الثورة النفطية التي شهدتها منطقة الخليج العربي .
ورويداً رويداً بدأ ” مطعم حنّوش ” يرتقي في مكانته، يقول حنوش : نظراً لموقع المطعم المميز وطبيعته الفريدة، بات محطة للسياسيين اللبنانيين من عهد الرئيس الراحل كميل شمعون فتردد إليه مرات عدة، وبعده الرئيسان شارل حلو وسليمان فرنجية، عدا رؤوساء الحكومات كرشيد كرامي وسامي الصلح وتقي الدين الصلح وشفيق الوزان، إضافة للكثير من الوزراء والنواب والسفراء والشخصيات السياسية المحلية والعربية والغربية .
مع بداية الحرب الأهلية في العام 1975، تعرّض المطعم لعمليات تخريب أسوة بكل الأماكن في لبنان، لكنه إستعاد بعد عامين مكانته، يقول جوزف حنوش : بعد هجرة قسرية ومع إنتشار الجيش السوري في البقاع سنة 1976، عدنا للمطعم فرممناه من جديد، وكان ذلك سبباً في عودة الإبتسامة لهذا المكان، وعاد ” مطعم حنوش ” المعلم السياحي الأول في البقاع، وعاد ملتقى للأحبة والأصدقاء، وأهل السياسة والأدب والشعر والفن على أنواعه .
أضاف : هنا عبر نخبة الفنانيين اللبنانيين والعرب من فيروز والأخوين الرحباني ووديع الصافي، وأم كلثوم وفريد الأطرش، وكان المكان الذي يرتاح فيه فيلمون وهبي وسعيد عقل ونزار قباني ورياض معلوف وغيرهم الكثير الكثير، حتى نجوم الفن والشعر في وقتنا الحالي، مروا من هنا، وهذا إن دلَ على شيء فهو يدلّ على إسم ” مطعم حنّوش ” المتغلغل في الذاكرة والوجدان لدى الجميع، وعلى قيمة هذا المعلم في نظرهم.
إضافة لكل هذا شكل ” مطعم حنّوش ” مركزا مهماً لإلتقاء السياسيين خصوصا خلال الحقبة السورية، يقول إميل حنوش : أصبح المطعم ” مطبخاً سياسياً بإمتياز، هنا يجتمع الساسة لترتيب أوضاعهم، وهنا يلتقون بالعميد غازي كنعان ليرسموا مستقبلهم السياسي، وهنا تتم دراسات القرارات، فمرً علينا الرؤوساء إلياس الهراوي وإميل لحود والرئيس رفيق الحريري، عدا عن اللقاءات الإنتخابية بين فعاليات المنطقة برمتها.
يضيف : في أرجاء المطعم كانت تدور اللقاءات والنقاشات، ولا أنكر أن الحقبة الذهبية العالقة في الوجدان، هي الحقبة التي كان فيها اللواء غازي كنعان هنا، يكفيك أن تمر من أمام المطعم لتشاهد أرتال السيارات الفخمة أمامه لتعلم أن بداخله وجوها كبيرة وأسماءً رنانة، حيث يتحلق هنا الجميع في لقاءات موسعة وضيقة، ويتم التخطيط لأفاق مرحلة جديدة يستعدون لها .
وقال : عايشنا الكثير من الأسرار عبر تلك اللقاءات والإجتماعات التي كانت تٌعقد تارة علناً وتارة في أروقة صالونات المطعم الخاصة، ونعرف حقائق كثيرة يمكنك القول عنها ” خزنة أسرار “، كانت ولسنوات خلت هدفاً للكثيرين من رجال الصحافة والإعلام وأصحاب الفضول، لكننا إلتزمنا بالصمت، خصوصاً أن العديد من أصحاب هذه الأسرار غادروا هذا العالم، لذا نردد دوماً ” المجالس بالأمانات ” .
أضاف : اليوم باتت اللقاءات محصورة ببعض السياسيين ورؤوساء البلديات في البقاع، للبحث في تحالفات إنتخابية وتحركات سياسية ضيقة، أيضا رجال الصحافة الذين يأتون إلى هنا لعقد مقابلاتعم وحواراتهم مع ضيوفهم، لأن صالون ” مطعم حنّوش ” لا يزال يحتفظ بهيبته وطابعه الراقي .
مؤخراً وبعد سنوات مضنية، إستطاع إميل حنّوش من تحويل أحد أجنحته إلى شبه متحف يضم في جنباته الكثير من اللوحات الفريدة اللبنانية والعالمية والقطع والتحف الفنية النادرة والأيقونات، فبات مزاراً لكل عشاق الفن والإبداع والجمال، حيث يطلعون عن كثب على حقبة رائدة في هذا المجال .
أعمال فنية تعود إلى أسماء الرعيل الأول ومنهم خليل صليبي، حبيب سرور، جورج قرم، مصطفى فروخ، عمر انسي، قيصر الجميل، كنعان ديب، فيليب موراني، داود قرم، يوسف حويك،.. وإلى أعمال الرعيل الثاني في غالبية أسمائه : جان خليفة، هيلين الخال، عواد، بول غيراغوسيان، عارف الريس، إيفيت أشقر، سيتا مانوكيان، رفيق شرف، أمين الباشا، جوليانا ساروفيم ناديا الصيقلي، إبراهيم مرزوق، إيلي كنعان، موسى طيبا، حسن ماضي، إلى حسن جوني وجميل ملاعب وآخرين.
حنوش إستعان بمجموعة فنية متخصصة من بيروت للمساعدة في هندسة المكان وترسيم السينوغرافيا في مساحة عرض بقاعية نافذة على الفنون الجميلة وعلى أعمال ذات قيمة فنية عالية لمن صنعوا الحركة التشكيلية اللبنانية من 150 سنة إلى الآن.
يقول إميل حنوش : جمعنا اللوحات عبر حقب زمنية مختلفة، ثمّ عرضناها في متحف خصيصاً لها، لنحفظ كنوز الرسامين اللبنانيين، في المتحف حوالى200 لوحة نادرة أصبحت اليوم في متناول الزائرين، وتُقدّر قيمة بعضها بآلاف الدولارات، وعملية الجمع تمت على مراحل، إنطلاقًا من هوايتي وحبي للفن الكلاسيكي وبحثي عن روائع الفن المذكور في لبنان والعالم.