موظفو القطاع العام.. ضحايا الانهيار الاقتصادي والمالي

لم يكن الانهيار الاقتصادي الذي ضرب لبنان منذ عامين وأكثر، عادلاً في المساواة بين ضحاياه. فبالرغم من أن الأزمة عصفت بجميع القطاعات دون استثناء، إلا أن تبعات هذا التدهور لم تكن بالتأثير نفسه على جميع العاملين في تلك القطاعات، ففي حين نجح البعض في التكيف مع الانهيار، عجز الكثيرون عن ذلك. التجار وأصحاب الشركات الخاصة لم يتأثروا بالأزمة، بل على العكس حققوا أرباحاً طائلة، إذ أن مصالحهم مبنية على الاستيراد من الخارج، وبالتالي أسعار بضائعهم وخدماتهم تتبدل مع ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، فحافظوا بذلك على معدل الأرباح نفسه، إن لم يكن أكثر حيث البضائع ترتفع مع صعود الدولار وتبقى ثابتة عند انخفاضه.

بعيداً عن التجار، رفع أصحاب المهن تسعيراتهم وثمن الأدوات التي يستخدمونها وفقاً لسعر الدولار، فحافظوا بالحد الأدنى على قيمة مداخيلهم، وهي وإن لم تصل إلى مستوى ما كانت عليه قبل الأزمة إلا أنها أبقت على نسبة مقبولة من ذلك. حتى العاملين المياومين وفي كل المجالات سواء في قطاع البناء أو الزراعة أو الخدمات الأخرى بما فيهم سائقي التاكسي وغيرهم أيضاً رفعوا من أجورهم، واستطاعوا إلى حد ما التكيف مع الانهيار.

قسم كبير من الشركات الخاصة، لجأت إلى إجراءات حافظت من خلالها على انتظام عمل موظفيها من خلال تقسيم رواتبهم إلى أقسام منها ما يُدفع بالدولار ومنها ما يُدفع وفق سعر صرف 3900 ليرة. وبعض الشركات التي تعتمد دورة إنتاجها كلياً على الخارج لجأت إلى دفع رواتب موظفيها بالدولار.

موظفو القطاع العام الأكثر تضرراً

تبقى الفئة الأكثر تضرراً من الانهيار الاقتصادي هي فئة موظفي القطاع العام، إذ أن رواتبهم لم تتغير خلال الأزمة. وفي حين يتألف القطاع العام من حوالي 300 ألف موظف أي ما يساوي أكثر من 25 % من القوى العاملة في البلاد (120 ألفاً في الأسلاك العسكرية والأمنية، 45 ألفاً في قطاع التعليم بمختلف مستوياته، 25 ألف موظف في الوزارات والإدارات العامة و115 ألف موظف في المؤسسات العامة والبلديات مثل الكهرباء والمياه والنقل والمشروع الأخضر والليطاني والتبغ وغيرها)، كان لتراجع القدرة الشرائية لدى هؤلاء أثراً مباشرًا على بنية القوة العاملة في لبنان ولا سيما الطبقة الوسطى.

جوزيف شعيا، عينة من موظفي الدولة، وهو  مدير مهنية الدامور الرسمية، قال لـ “مناطق.نت” إن راتبه الذي يبلغ 4.5 مليون ليرة، وكان يساوي قبل الأزمة 3000 دولار يساوي اليوم 180 دولار. راتب شعيا يُعتبر من أفضل وأعلى الرواتب بين موظفي القطاع التعليمي في الدولة إذ تتراوح مجمل الرواتب ما بين المليونين والخمسة ملايين للموظف شهرياً. يتابع شعيا “قبل الازمة، كنت أشعر بالرفاهية، إذ كان بإمكاني شراء اللحم على أنواعه من أربع إلى خمس مرات أسبوعياً، أما اليوم فلا نستطيع ذلك سوى مرة كل أسبوعين. أما فيما يتعلّق بالملابس والاهتمام بالذات، فقد بات الأمر مستحيلاً في ضوء الأولويات التي فرضتها علينا الأزمة بحسب شعيا.

موظفون لا يداومون

شعيا، مثله مثل الكثير من الموظفين، يستخدم سيارته للتنقل من منزله إلى عمله. وكأحد سكان بيروت، يحتاج في الأسبوع الواحد إلى صفيحتي بنزين ( 660 ألفاً مع رفع الدعم). وبالتالي، يستهلك نصف راتبه على بدل التنقل الذي، وبالرغم من الزيادة لهذا البدل، فإنه لا يحل المشكلة مع التضخم الدائم.

الانهيار الاقتصادي لن ينعكس فقط على مستوى معيشة الموظفين وخصوصاً الأساتذة، بل انعكس على أدائهم الوظيفي وهذا أمر طبيعي. وفي هذا الإطار يقول شعيا إن بعض الأساتذة العاملين في المهنية طلبوا “إجازة” فلا يداومون لأسباب مادية تتعلق بالرواتب والغلاء المعيشي. أما البعض الآخر فترك وظيفته بالكامل. وتابع عن أثر ذلك على القطاع العام بخاصة القطاع التعليمي، فقال “شعور الموظف بعدم الاكتفاء يترجم بأقل انتاجية له، كما بزيادة مشاكله النفسية، مما يؤثر حتماً على مستقبل القطاع العام. وبالتالي القطاع اليوم مهدد بالاستقالات الجماعية والإنتاجية الضئيلة، وبالتالي الانهيار.

الأسلاك الأمنية والعسكرية

الانهيار طاول وبشكل أقسى الأسلاك العسكرية والأمنية، حيث قيود العمل تفرض إلتزاماً أكثر شدة من سواها من وظائف الدولة. اليوم وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية تشهد هذه الأسلاك حالات فرار كبيرة وهي ناهزت الخمسة آلاف بين ضابط وعسكري في الجيش اللبناني، بينما لامس العدد الـ500 في قوى الأمن الداخلي وتجاوز العشرات في بقية الأجهزة الأمنية، حسب جريدة الأخبار.

ومن الملاحظ أن العديد من العسكريين يعملون في مهن مختلفة أثناء إجازاتهم، في محاولة منهم لتدبر شؤون عائلاتهم، التي لم تعد رواتبهم تكفي لسد حاجاتها الضرورية الملحة. وهي بحسب قول أحد العسكريين الذي رفض ذكر اسمه لـ “مناطق نت” لم تعد تكفي ثمن سندويشات وسجائر. هذا الأمر دفع ببعض العواصم ومنها واشنطن إلى الإسراع بالتفتيش عن سبل لدعم الجيش مخافة أن يؤدي الشلل فيه إلى انهياره.

بالترافق مع ذلك أقر المجلس النيابي بالأمس قانون البطاقة التمويلية، التي لم يُعرف بعد أي مسار ستتخذه، وهل ستستهدف ذوي الدخل المحدود الذين انضم إلى قائمتهم موظفو القطاع العام ومعظم فئات الشعب اللبناني، أم أنها ستسلك الطرائق التي سلكها العديد من البرامج والقرارات السابقة والتي كانت توزع على الأزلام والمحاسيب. لننتظر ونرى؟!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى