وزير الزراعة لـ”مناطق نت”: القطاع الزراعيّ بحاجة إلى سنوات للتعافي من العدوان الإسرائيليّ

ثلاثة أشهر إلّا أسبوعًا واحدًا، ولم تنتهِ الحرب بعد، لا في غزّة الثكلى، وليس في المناطق والبلدات الجنوبيّة اللبنانيّة، الحدوديّة أو شماليّ نهر الليطانيّ. وفي كلّ يوم جديد من أيّام الحرب التي تنفذها إسرائيل على جنوب لبنان من خلال غارات الطيران الحربيّ أو الطائرات “المسيّرة”، أو المدفعية الثقيلة، يسقط ضحايا من المدنيّين، تتهاوى البيوت والجدران، وتشتعل الأحراج والكروم والبساتين، والخسائر في ازدياد وإلى ارتفاع.

لا أرقام ثابتة لتبعات العدوان على مختلف النواحي الحياتيّة والبيئيّة في الجنوب، لا سيّما على الثروتين الحيوانيّة والنباتيّة اللتين تشكّلان سياجًا بيئيًّا طبيعيًّا ومصدرًا معيشيًّا للآلاف من أبناء هذه المناطق، بل تكاد أن تكون المصادر الوحيدة للكثيرين منهم.

منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، كانت أرقام الخسائر والأضرار في قطاع الزراعة (الزراعيّ والحيوانيّ) أرقامًا مرتفعة، وفق إحصاءات متعدّدة، مع العلم أنّ تقديرات الأرقام هذه كانت أوّليّة ترتبط بفترة زمنيّة محدّدة، منها إحصاءات وزارة الزراعة اللبنانيّة والبلديات وبعض الجمعيّات البيئيّة وذات الشأن.

وتؤكّد خُلاصة الإحصاءات والتقديرات أنّ لبنان تضرّر بأكثر من خمسة ملايين متر مربّع من ثروته الحرجيّة جرّاء استخدام الفوسفور الأبيض والقصف المتواصل، وأنّ هذا الأمر ستكون له تداعيات في غاية الخطورة، في خلال الفترة المقبلة.

حرائق في الأحراج الواقعة بين بلدتيّ إبل السقي وكفرحمام (AFP)

يتواصل القصف الإسرائيليّ المعادي ويطال أكثر من 91 بلدة وقرية في الجنوب، وتتعرّض الجبال والأودية والسهول والحقول لأضرار واسعة نتيجة مئات الغارات الجوّيّة والقصف المدفعيّ واستخدام الفوسفور الحارق.

لكنّ “جميع الفرق التابعة لوزارة الزراعة وبالتعاون مع بلديّات القرى الجنوبيّة والدفاع المدنيّ باشرت منذ الأيّام الأولى للقصف الإسرائيليّ في الجنوب بمسحٍ يوميّ للأضرار الحاصلة، لكنّ هذا المسح لم يشمل جميع المناطق، إذ لم تتمكّن وزارة الزراعة من الوصول إليها بسبب القصف الإسرائيليّ المستمرّ” والكلام لوزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور عباس الحاج حسن، الذي أجرت “مناطق نت” حوارًا معه حول “الخسائر والتعويضات”.

الحاجة إلى مسح جديد

وقد أوضح الحاج حسن أنّ وزارة الزراعة ومن خلال جولات ميدانيّة تمكّنت من وضع خارطة تضمّ كلّ الاعتداءات الإسرائيليّة التي نُفّذت على المساحات الخضراء والثروة الحيوانيّة في لبنان”.

يؤكّد الحاج حسن “أنّ الإحصاءات الناتجة عن هذه الجولات لم تعد دقيقة، لأنّنا بحاجة إلى مسح ميداني واضح بعد انتهاء الحرب في جنوب لبنان، لنتمكّن من إحصاء جميع الخسائر، على أن يشارك في هذا المسح مجموعة من الأطبّاء البيطريّين والمهندسين الزراعيّين والفنّيّين الزراعيّين”.

وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عباس الحاج حسن

ووفقًا لوزير الزراعة فإنّ “آلاف الهكتارات أُحرقت بالكامل وعمدًا، وهذا الرقم يتغيّر بشكل يوميّ نتيجة استمرار القصف الإسرائيليّ، لكنّ الأضرار كبيرة جدًّا وطالت مختلف القطاعات، وأبرزها النباتيّ والحيوانيّ”.

طاولت الأضرار في خلال الأشهر الثلاثة مزارع الطيور والدواجن البيّاضة والفروج، و”الهنغارات” والمستودعات الضخمة للأعلاف، ومزارع الأبقار والماعز ومئات قفران النحل، وبعضها قضي عليها بالكامل بسبب استخدام الفوسفور الأبيض والحارق، والخسائر كبيرة.

تعويضات وزراعة أشجار

وبما يتعلّق بالتعويضات على المزارعين، طمأن الحاج حسن “بأنّ الدولة اللبنانيّة ستكون جاهزة لتعويضهم عن خسائرهم، وأنّ مجلس الجنوب سيكون حاضرًا للكشف على الأراضي الزراعيّة وتخمين حجم الأضرار فيها من أجل دفع المستحقّات للمزارعين، وقد تواصلتُ شخصيًّا مع المزارعين في الجنوب وطمأنتهم”.

الوزير الحاج حسن: الدولة اللبنانيّة ستكون جاهزة للتعويض عن الخسائر، ومجلس الجنوب سيكون حاضرًا للكشف على الأراضي الزراعيّة وتخمين حجم الأضرار فيها من أجل دفع المستحقّات للمزارعين.

وأعاد تأكيد “أنّ مساعدة المزارعين ضروريّة جدًّا من أجل الحفاظ على القطاع الزراعيّ”. مشيرًا إلى “أنّ وزارة الزراعة ستقوم بعد انتهاء الحرب، بزراعة عشر شجرات مقابل كلّ شجرة أُحرقت في جنوب لبنان”.

استهداف الزراعة ممنهج وأمنيّ

هذا واعتبر الحاج حسن “أنّ استهداف الأراضي الزراعيّة هو أمر ممنهج اعتمدته إسرائيل، فالمساحات الزراعيّة هي هدف أساسيّ لها، إذ تتعمّد إلحاق الضرر بهذا القطاع الحيويّ الذي من شأنه رفع الاقتصاد الوطنيّ اللبنانيّ. كما أنّ الأشجار الموجودة في المساحات الكبيرة هي أشجار منافسة كالموز والزيتون والقشطة والأفوكا وغيرها. كذلك إنّ استهداف المساحات الخضراء له شقّ أمنيّ آخر، وذلك من أجل كشف وتعريّة هذه المساحات لتكون مكشوفة أمام الجيش الإسرائيليّ”.

وإذ يخمّن الحاج حسن “أن قيمة الأضرار تفوق ملايين الدولاراتّ، يؤكّد أن القطاع الزراعيّ المتضرّر “سيكون بحاجة إلى نحو ثلاث سنوات من أجل استعادة إنتاجيّته كالسابق، وهذه الإنتاجيّة لن تعود فور تعويض المزارعين مادّيًّا، لأنّ القطاع الزراعيّ سيكون بحاجة لسنوات للتعافي، والخسائر فادحة”.

ويضيف: “قدّمت الدولة اللبنانيّة العديد من الشكاوى أمام منظّمة الأمم المتحدة، التي تثبّت الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعيّ”. ويلفت إلى “أنّ وزارة الزراعة وضعت خططًا طارئة في حال توسّع الحرب، وبات البلد محاصرًا، وأُقفل الاستيراد والتصدير”.

التعويضات وقدرة الدولة

بالرغم من كلّ الكلام على أنّ الدولة اللبنانيّة ستعوّض للمتضرّرين في جنوب لبنان بنحو عشرة ملايين دولار أمريكي، إلّا أنّ مجموعة أسئلة تطرح اليوم، أبرزها حول قدرة الدولة اللبنانيّة على تأمين الملايين هذه لدفعها إلى أهالي الجنوب في ظلّ الانهيار المؤسّساتي الذي أصاب الدولة منذ العام 2019؟ وماذا ستفعل الدولة في حال تبيّن أنّ الخسائر الزراعيّة بحاجة إلى أكثر من عشرة ملايين دولار؟

النيران تلتهم أحد أحراج منطقة اللبونة جرّاء القصف الإسرائيلي(AFP)

يشار إلى أنّ التعويضات التي وافقت عليها الدولة اللبنانيّة تشمل جميع الأضرار، ولم تُخصّص فقط للأضرار الزراعيّة. إلّا أنّ الإشكاليّة الكبرى تكمن في حال توسعت الحرب أكثر، واستمرّ القصف الإسرائيليّ على لبنان بطرق عشوائيّة، ما يعني أنّ الأضرار ستتضاعف أكثر وأكثر، ومن الممكن حينها أن تكون التعويضات غير كافية لأهالي جنوب لبنان ليتمكّنوا من ترميم أو بناء منازلهم ومتاجرهم وأراضيهم الزراعيّة، وهو الأمر المتوقع.

الأرقام الرسميّة للأضرار والخسائر

جولة واحدة في بعض القرى الجنوبيّة، كفيلة بتفسير هذه الأضرار على المزارعين والمواشي؛ من استهداف مباشر للأراضي الزراعيّة، إلى قتل متعمّد لقطعان المواشي، ناهيك عن أضرار المنازل والأبنية والخسائر تقدّر بملايين الدولارات.

في تقرير رسميّ أوضحت وزارتا البيئة والزراعة بأنّ المناطق الزراعيّة التي أحرقت جراء القصف الإسرائيليّ واستخدام الفوسفور الحارق الممنوع دوليًّا (بين السابع من تشرين الأول/أكتوبر حتّى الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر) أيّ في خلال 28 يومًا فقط، أتت على الشكل التالي: 96,800 متر مربّع من بساتين الزيتون (خسارة أكثر من 47 ألف شجرة زيتون)، 2,855,700 متر مربّع من غابات السنديان الكثيف، 66,000 متر مربّع من الحمضيّات، 1,099,900 متر مربّع من غابات السنديان، و98,800 متر مربّع من بساتين الموز، و226,700 متر مربّع من أراض تضمّ شجيرات وبعض الأشجار الكبيرة المتفرّقة، 20,800 متر مربّع من المراعي.

أرقام جديدة

وبحسب إحصاءات وزارة الزراعة حول الاعتداءات بالفوسفور الأبيض على الأراضي اللبنانيّة والتي أدّت إلى نشوب الحرائق (منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر حتى التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر)، فهي على الشكل الآتي: 585 حريقًا ناتجًا عن استهداف إسرائيليّ بالفوسفور، 55 بلدة في جنوب لبنان استهدفت بالفوسفور، نفوق حوالي 340 ألف طير، و950 رأس ماشية، وتلف 82 خيمة زراعيّة، و310 قفران نحل، وتدمير مساحة 600 متر مربّع كلّيّ لمستودع أعلاف، واستهداف 7 مزارع، واحتراق أكثر من 63 ألف شجرة زيتون معمّرة، واحتراق أكثر من 1620 دونمًا من الأراضي الزراعيّة بشكل كامل.

لا تنحصر الأضرار على المادّيّات، بل باتت تشكّل خطرًا مباشرًا على القطاع الاقتصاديّ في لبنان، خصوصًا أنّ الإنتاجيّة الزراعيّة انخفضت، وبنتيجتها ارتفعت الأسعار في الأسواق المحلّيّة، إذ إنّ القصف الإسرائيليّ تزامن مع فترات مهمّة في القطاع الزراعيّ، كمواسم الزراعة والحصاد وقطف الزيتون والخرّوب وغيرها، ما أدّى إلى انخفاض قيمة الدخل السنويّ للمزارعين، وانخفاض الإنتاجيّة، والتأثير مباشرة على مصدر عيشهم ومدخولهم الشهريّ.

إزاء هذا الوضع، بات القطاع الزراعيّ بحاجة إلى فترة طويلة كي يستعيد قدرته على الإنتاجية، حتّى وإن تمكّنت الدولة اللبنانيّة من تعويض المزارعين مادّيًّا، فالمؤكد أنّهم لن يتمكّنوا في غضون أشهر قليلة من استعادة ما خسروه، بل سيحتاجون إلى فترة طويلة.

يبقى أنه أمام هول الأضرار وفداحتها والحاجة إلى تعويضات ماليّة ضخمة، فإن الإحصاءات التي أُجريت حتى الآن لم تعد دقيقة، وكلّ الخوف من استمرار القصف الإسرائيليّ لفترات أطول على المساحات الزراعيّة، ما سيؤدّي إلى فقدان لبنان ثروته الحرجيّة والحيوانيّة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى