كانوا في استقبال الإمام الصدر في بعلبك..وماذا يقولون عن ذلك اليوم بعد مضي 44 عاما؟

تحقيق وتصوير: عبير شمص

في كل عام وفي الواحد والثلاثين من اب يشدون الرحال إلى مهرجان ذكرى تغييب الامام الصدر ورفيقيه أينما كان, لا يثنيهم تعب ولا يحول دون حضورهم سوى ظروف قاهرة, حاضرون. هم في قلوبهم وان غابت أجسادهم.

لأنهم عاصروا الإمام الصدر ويؤرخون تلك الحقبة في أذهانهم كان لقاء ل”مناطق نت” مع مجموعة من هذه الشخصيات التي عاصرت الإمام السيد موسى الصدر وكان لها الشرف في أن تُقسم اليمين وراءه وأن تقطع ذلك العهد ….وهنا كانت الحكاية
فلأنهم عرفوه حق المعرفة يتحسرون على كلّ لحظة غياب، فالحاج أسعد جعفر الذي كانت الإنطلاقة الاولى من منزله في قرية الشراونة في قضاء بعلبك، والحاج محمد زعيتر( ابو قاسم)، والحاج أبو علي غازي عبد الساتر، والحاج أحمد إبراهيم صبرا، وأيضاً السيد أسعد فارس الحاج موسى (الماروني) تراهم جميعاً يتكلمون عن الإمام الصدر بشيء من الحسرة والشجن والغصّة التي تقيّد حناجرهم، والدموع في مآقيهم، بعضهم حبسها والبعض الآخر حررها وأطلقها، كانوا مربكين في إختيار المفردات التي تعبّر عن سماحة الإمام المغيّب خوفا من عدم انصافه…

الإمام الصدر وبيت الطائفة

يروي لنا الحاج أبو قاسم زعيتر وهو من مواليد سنة 1932، علاقته بالإمام موسى الصدر في الفترة التي كان فيها الإمام مرشّحاً لإنتخابات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فقد شهد الحاج أبو قاسم إعلان صبري حمادة ولاءه للإمام الصدر في بيت الطائفة في الحازمية، ويصف الحاج أبو قاسم كيف كان الشباب المحيطون بالإمام الصدر في حينها وهو من بينهم مستعدين لإفتدائه والدفاع عنه حتّى الموت كما في رواية العريف الذي كان يُرافق الرئيس صبري حمادة والذي حاول إدخال سيارته إلى بيت الطائفة، فمنعوه من ذلك خوفاً على حياة الأمام.
ويستذكر الحاج أبو قاسم يوم القسم في 17 من آذار بشيء من الحسرة، فلقد كان شأنه شأن الكثيرين الذين حكم عليهم عملهم في المؤسسات الرسمية التابعة للدولة اللبنانية وحال دون تواجدهم في ساحة القسم في السابع عشر من آذار في العام 1974، ولكنه لا زال يحتفظ بصور ذاك المشهد العظيم في ساحة القسم لما يعنيه له من أهمية، ويصفه قائلاً: كانت الساحة في ذلك اليوم كبستانٍ واسع والناس أشبه بغصون الشجر الكثيفة التي تملأه، ملايين وملايين أقسمت وراء الإمام الصدر وكانت تعي ما تقول، ويُضيف: كان الإمام بين الناس كقضيب الخيزران، طويل الهامة، النور ينبعث من وجهه الناصع ، وبالرغم من حجم الحشود إلا أنّ الصمت كان سيّد الموقف، كيف لا والإمام يتكلّم، يقول الحاج أبو قاسم أنّه عندما كان يحضر الإمام الصدر ويبدأ بالكلام أو بإحدى المحاضرات، يخيّم على المجلس هدوء بالغ، حتّى أنّهم يكتمون أنفاسهم ليُنصتوا ويُصغوا إلى كلمات الإمام الصدر ويستشفّون ويغرفون من فكره.
ولا يغفل الحاج في حديثه كيف كان الإمام في تعامله مع كافة البشر، كان يحبّ المسيحي كما المسلم، وهذا ما يُفسّر الدعم والمحبة اللذين لاقاهما الإمام من البطريرك ومن الطائفة المسيحية، ويقول الحاج أبو قاسم: ” لو بقي الإمام الصدر قليلاً لكان البابا غدا شيعيّاً”.

إستقبال الإمام في البقاع سنة 1974 ما زالت وقائعه مخزونة في ذاكرة الحاج غازي عبد الساتر (أبو علي) وهو من مواليد سنة 1944 الذي يروي وقائع ذلك اليوم، ويقول : لقد قدم الإمام إلى مدينة بعلبك بمناسبة أربعين الإمام الحسين(ع)، كنّا قد بنينا ” بيت شعر” أو بيت عرب على مفرق دورس واجتمع أهالي المنطقة، كنّا من إيعات ودورس ودير الأحمر بإنتظار الإمام، وعندما وصل برفقة الرئيس صبري حمادة، لم تكن الآليات والمركبات والسيارات والبوسطات قادرة على إستيعاب جميع الناس فقد كان يجلسون على سطوحها، يحملون السلاح أسوةُ بقول الإمام الصدر السلاح زينة الرجال، وفي حالة إستنفار تجاه أيّ خطر قد يُحدق به”.
ويتابع عبد الساتر: “عندما وصل الإمام إلى مرجة رأس العين، والقى خطابه التاريخي للأمّة أجمع، كان
الجميع في المنطقة وفي لبنان على قناعة كاملة بما يقوله الإمام الصدر ومسلّمين بجميع أقواله، لقد كان المُنقذ حقّاً للطائفتين الشيعية والمسيحية، ودعا إلى تعايش الطوائف وإلى نبذ عادة الثأر التي كانت متعاظمة في ذلك الحين”.

ويقول الحاج أبو علي بأن الإستقبال الذي حصل للإمام لم يحصل لأي إنسان آخر مهما علا شأنه ومهما احتشدت من الجماهير من حوله، ولن يحصل، فلقد كان الناس يتهافتون ويتدافعون من أجل الإقتراب من الإمام ومصافحته، كانوا يشعرون وكأنه وليّ من الأولياء الصالحين، لم يكن الإمام رئيساُ ولا زعيماً، كان الناس يسعون للتبارك منه، كان الإمام مرحاً، إبتسامته الهادئة لم تكن تُفارق وجهه، لم يكن يعرف العبوس”.

نفحة من الإمام عليّ(ع)

كذلك الحال بالنسبة للحاج أحمد إبراهيم صبرا من مواليد عام 1943 الذي لا زال يحتفظ ببطاقته الحركية القديمة بالرغم من مرور زمن عليها لرمزية هذه البطاقة، فهي تعني له الكثير لأنها تحمل توقيع سماحة الإمام الصدر الذي خطّه بأنامله منذ إثنين وأربعين عاماَ 1971، واللافت في علاقة الحاج أحمد بالإمام بأنّه لا تزال تجمعه بعائلة الإمام الصدر علاقة تشعره بالسعادة لأنّ رائحة الإمام الصدر وروحه لا تزال تنبض فيهم.

يصف الحاج أحمد الإمام الصدر بكلمات تعبّر عن سماحته حقّ التعبير فيقول” هو ملاك من السماء، لم تولد شخصية تماثله،
فيه نفحةٌ من الإمام عليّ(ع)، غيّر الموازين بفكره ونهجه، لا سيّما وأنّ كلامه كان مسموعاً ومُطاعاً من جميع الناس. أما بالنسبة لمشهد القسم على مرجة رأس العين فيقول: إنّ أهالي البقاع لا بل لبنان من أقصاه إلى أقصاه من الحازمية والبرج إلى الهرمل وبعلبك وكافة القرى والمدن بمسلميها ومسيحييها احتشدت هناك لتسمع الإمام وتقسم يمين الإمام، ويُعبّر عن ذلك قائلاً: والله لو رميت التراب لم وصل إلى الأرض من شدّة الجماهير المحتشدة.

غياب الإمام وخلود القسم

أمّا بالنسبة للسيد أسعد فارس الحاج موسى، وهو الأكبر سنّاً من مواليد عام 1925، وهو الذي يضع صورة السيدة مريم العذراء لا ينفكّ يردّد أنّ غياب الإمام الصدر خسارة كبيرة للبنان وللعرب وللطوائف جميعاً لا تعوّض.
ويروي لنا كيف واكب ورافق الإمام من النقطة الرابعة في طليا حيث كان أهل دير الأحمر نصبوا خيمة هناك لاستقباله، “كلام الإمام الصدر كان دائماً يدعو إلى الأخوّة والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، لصالح المجتمع ولبنان، فكان كلامه لا يخلو من عبارة ” سيّدنا عيسى قال:”، يقول الحاج موسى عن الإمام الصدر، ويروي على ذمته : “أن شخصاً من آل كيروز كان كلّما وجّه بندقيته نحو الأمام الصدر خُيّلت له السيّدة العذراء ترتدي أزرق من السماء إلى الأرض تقف في وجهه، كان أهالي دير الأحمر شديدي السرور بقدوم الإمام الصدر وكان كلّ عتبهم على سماحة الإمام أنه لم يُخبرهم بقدومه لكي يستقبلوه على طريقتهم ويؤمنون له الحماية، وعندما غادر الإمام أصرّت مجموعة من الشباب على مرافقته حرصاً على حياته”.
يصف السيد أسعد شخصية الإمام بأنها شخصية فذّة وقيادية ونورانية ومتسامحة وبشوشة، كانت تستشعر الخطر الذي يُجدق بلبنان وكانت تعلم وتستشرف المستقبل لهذا البلد، حاولت جمع كلّ الفئات حولها، وهو الذي وقف في وجه المؤامرة التي كانت تعمل على تفريغ لبنان من الطائفتين الشيعية والمسيحية المكروهتين من الأرض وليس من السماء، وجبّذا لو أنّ الجميع يمشي على خُطى الإمام الصدر وخطّه، ويقتدي بفكره وكلامه.

دير الأحمر في حمى الإمام

إنّها قصّة دير الأحمر، والتي تكررت على اسماعنا من جميع معاصري الأمام الصدر، والتي كان للإمام الصدر الدور الكبير في حقن الدماء ما بين الطائفتين الإسلامية والمسيحية، لقد كرّس الأمام الصدر الوعي لدى الناس حول أهمية التعايس بمحبة وأخوّة بين الطائفتين، والرواية تقول أنّ قسماً من أهالي المنطقة في البقاع كانوا متجمهرين في منطقة اللبوة والعين ويعقدون النيّة لمهاجمة الدير، وعندما كانوا متجمهرين على طريق البجاجة في منطقة البقاع الشمالي وصلت رسالة الإمام الصدر وتحياته يُناشدهم العودة والتوقف عن الهجوم، وكانت عبارته الشهيرة: ” كلّ طلقة تُطلق على دير الاحمر والقاع وشليفا إنما تُطلق على بيتي وعلى محرابي وعلى قلبي وعلى أولادي”، وما هي إلا دقائق حتّى تفرّق هؤلاء تلبية لرغبة الإمام
الصدر، فكلمة الإمام الصدر كما يقول في لهجته العامية ” ما بتصير اتنين” .

كان الإمام السيد موسى الصدر نموذجاً دينيا ع مختلفا عمّن في هذه الأرض، أحبّه الجميع شباباً وشيباً وأطفالاً، كان ثروة لا تُقّدر لهذا الشرق وللعرب أجمع، لذلك غيّبوه لأنهم لا يريدون العرب وحدة ولا يؤيدون التعايش الإسلامي المسيحي، وكانوا يُريدون للشعوب العربية أن تبقى تعيش التهميش والغبن والحرمان وطروحات الإمام الصدر كانت ترمي إلى إنتشال لبنان والعرب من هذه المعاناة.

برأيهم وكما كانوا يرددون
باستمرار انه رجل مختلف “رجل ولا كل الرجال”, يشعرون بالحزن على غيابه, وبعد كل كلمة يرددون له الدعاء بالعودة, فأعاده الله لنا ولهم وللوطن بخير.

تحقيق وتصوير: عبير شمص

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى