نازحو الجنوب في رمضان بين أوضاع مأسوية وحنين إلى القرى

يستقبل الجنوبيّون عمومًا وأبناء القرى الحدوديّة المنكوبة خصوصًا، شهر رمضان هذا العام في ظلّ أوضاع إنسانيّة صعبة للغاية، بعد أن أدّت الحرب الإسرائيليّة على لبنان إلى تدمير هائل في المنازل والمباني والبنية التحتية، ولا سيّما في بلدات الحافّة الأماميّة، التي ما زال أهلها يعيشون معاناة النزوح وفقدان العمل.

هلال أسعد أبو هدلا، نازح من قرية “أمّ التوت” إلى بلدة القاسميّة، وهو واحد من هؤلاء الذين نكبتهم الحرب. يشير في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “شهر رمضان يمرّ هذا العام مثل رمضان السابق، بشكل سيّئ جدًّا”، مضيفًا “كان وضعي المادّيّ قبل الحرب جيّدًا جدًّا، إذ كان لديّ مشروعي الزراعيّ في بلدتي يتضمّن 55 خيمة بلاستيكيّة، أزرعها بأصناف عدّة من المنتجات الزراعيّة أبرزها البندورة والخيار، وكان عملي يسير باتّجاه تصاعديّ، بيدَ أنّ الحرب أعادتني إلى ما دون الصفر، فأنا اليوم عاطل من العمل، إذ من غير السهل أن يتحوّل صاحب مصلحة إلى عامل، وكنت أعيش في مستوى مُعيّن وتحوّلت اليوم إلى مستوى معيشيّ مختلف”.

“رمضان قريتنا لا يُوصف”

يستذكر أبو هدلا أنّه في خلال شهر رمضان الماضي كان لا يزال في أمّ التوت، إلّا أن استهداف مشروعه الزراعيّ والذي أدّى إلى استشهاد ثلاثة أطفال من عائلات عمّال سوريّين، دفع الجميع إلى مغادرة البلدة. ويوضح أنّه “قبل توسّع الحرب في أيلول الماضي، كان حزب الله يدفع إيجار المنزل بالإضافة إلى مبلغ 200 دولار، غير أنّ ذلك توقّف منذ نحو ستّة أشهر، وقد حصلنا على شيكات مُؤخّرة كبدل إيواء”، مشيرًا إلى أنّ مدخوله في الوقت الحالي ينحصر في “مساعدة مادّيّة من قبل أخوتي وبعض الجمعيّات التي تقدّم مساعدات عينيّة، ونقطن أربع عائلات في منزل واحد، بينما كان لكلّ منّا منزله في البلدة”.

أهالي القرى المدمّرة يستقبلون شهر رمضان في ظلّ أوضاع صعبة

ويلفت أبو هدلا إلى أنّ “يومًا واحدًا من شهر رمضان في أمّ التوت أجمل من جميع أيّام النزوح”، مستذكرًا “آذان المسجد في البلدة خلال الشهر الفضيل وجَمعَة الأهل والأصدقاء، فكلّ ذلك كان بمثابة شعور لا يوصف”. ويؤكّد أنّه “حتّى في الوقت الحاليّ حيث يعمّ الدمار جميع أنحاء البلدة، فإنّنا نزورها ونستمتع أكثر من وجودنا في مناطق النزوح”. ولا يملك أبوهدلا جوابًا حول إمكانيّة عودته في شهر رمضان العام المقبل إلى بلدته، فـ “إذا كانت هناك تعويضات ومساعدات يمكننا العودة والزراعة والعمل ولكن ما حدا عم يطّلّع بحدا، ونحن اللّي بالخطوط الأماميّة أكثر ناس تعرّضنا للأذى”.

فقدان التجمّعات العائليّة

تتقاطع مشاعر أبو هدلا مع مشاعر هادي حمّود، النازح منذ الثامن من تشرين الأوّل 2023 من بلدته يارين إلى بلدة قدموس. يوضح حمود في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ “ما نعيشه في الوقت الحاليّ هو مأساة، فكنت أمتلك في بلدتي منزلًا وأراض أقوم بزراعتها إضافة إلى معمل للحجارة، وفجأة لم أعد أملك شيئًا”، مضيفًا “لدي سيّارة بيك آب أشتغل عليها بنقل الأغراض ولكن نادرًا ما أجد زبائن، فيكاد يمرّ شهر كامل من دون أن يقصدني أيّ زبون، خصوصًا أنّني في منطقة ليست منطقتي ومعارفي فيها محدودون”.

ويلفت حمّود إلى أنّ “أيّام رمضان في البلدة تتميّز بأنّها كانت تمرّ علينا ونحن نملك الأموال ولا نحرم أنفسنا من أيّ شيء، أمّا اليوم فالوضع المادّيّ بات مغايرًا بعد أن مرّ أكثر من عام من دون عمل، وهذا ما اضطرّني إلى بيع إحدى الآليّات التي أملكها كي أتمكّن من تسجيل أولادي في المدرسة، فخسارتنا كبيرة ومأساتنا أكبر”. ويوضح حمّود أنّ “رمضان يمرّ علينا هذا العام وأهلي يقطنون في بلدة أخرى، وكثير من أهالي البلدة لم ألتقِ بهم على غرار السنوات السابقة في حين كنّا نجتمع يوميًّا في هذا الشهر، الناس تشردت”.

ويُشير حمود إلى أنّ منزله كان قد كلّف بناؤه “370 ألف دولار، أمّا اليوم فبات مجرد ركام وحديد”، مؤكّدًا أنّه عندما يتمكّن من العودة إلى البلدة لن يتردّد “ولو بدّي عمّر أوضة (غرفة) وأقعد فيها”.

غياب الزيارات الليليّة

وضع أبو هدلا وحّمود يمكن تعميمه على معظم النازحين ممّن عصفت الحرب بأوضاعهم المادّيّة وحياتهم الاجتماعيّة ولا سيّما في شهر رمضان الذي يتميّز في القرى والبلدات بالطقوس الدينيّة والزيارات الليليّة. هذه هي حال فادي أبو دلّة، النازح من بلدة الزلّوطيّة إلى حارة صيدا، ويُشير في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “شهر رمضان في البلدة كان يجمعنا مع أهلنا وأقاربنا وجيراننا، حيث نفطر سويًّا ونذهب إلى الجامع جماعة ونقوم بزيارات ليليّة كلّ أيّام الشهر، في حين أنّنا اليوم نبقى في المنزل ليل نهار”. ويوضح أنّ “جميع النازحين يُعانون من الوضع المادّيّ ويشكون من تراكم همومهم”.

ويؤكد أبو دلّة، المتقاعد من قوى الأمن وكان يملك مزرعة أبقار في بلدته، أنّ “هناك كثيرًا من الاستغلال في إيجارات المنازل في بلدات وقرى قضائي صور والنبطية”. ويلفت إلى أنّه يتوقّع “ألّا يعود الأهالي إلى القرى قبل عامين في ظلّ الوضع الأمنيّ السائد والدمار الهائل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى