من الكواليس إلى الشاشات أسرار نجاح الدراما اللبنانيّة في رمضان

مع حلول شهر رمضان من كلّ عام، تشتدّ المنافسة بين شركات الإنتاج الدراميّ، حيث تزدحم الشاشات بالمسلسلات التي تراهن على نجوم الصفّ الأوّل. وبين القصص المشوّقة والإخراج المتقن، تحاول الدراما اللبنانيّة هذا العام ترسيخ حضورها ومنافسة الإنتاجات العربيّة، بعد سنوات من هيمنة الأعمال المشتركة السورية- اللبنانيّة على المشهد الدراميّ.

في هذا الموسم الرمضانيّ، تعرض القنوات اللبنانيّة والعربيّة إلى جانب المنصّات الرقميّة مجموعة متنوّعة من المسلسلات، التي تجمع بين الإنتاج اللبنانيّ الصرف والأعمال المشتركة. من بين الأعمال اللبنانيّة البحتة، يبرز مسلسل “بالدم” من إخراج فيليب أسمر وإنتاج “إيغل فيلمز”، فيما تشهد الأعمال المشتركة حضورًا قويًّا عبر مسلسلات مثل “نفَس”، و”البطل”، و”تحت سابع أرض”.

فهل ستتمكّن الدراما اللبنانيّة هذا العام من فرض نفسها في السباق الرمضانيّ واستقطاب الجمهور المحلّيّ والعربيّ؟ وهل ما تقدّمه من محتوى وسرد دراميّ قادر على جذب المشاهدين في ظلّ المنافسة الشرسة؟

ما وراء الكواليس

قبل أربعة أشهر من العروض الرمضانيّة، تبدأ ورشة التحضير للإنتاج، إذ تُحدّد الفكرة الأساسيّة للعمل، يليها اختيار المخرج، الذي يقع على عاتقه تشكيل فريق التمثيل، واختيار مواقع التصوير، ووضع الرؤية الإخراجيّة للمسلسل.

في حديثها إلى “مناطق نت”، توضح المخرجة المنفّذة أماندا عبيد أنّ تصوير المسلسلات الرمضانيّة يتمّ تحت ضغطٍ هائل، إذ تمتدّ ساعات العمل إلى نحو 15 ساعة يوميًّا، وقد تصل أحيانًا إلى 20 ساعة بسبب ضيق الوقت، لا سيّما أنّ بعض المشاهد تُصوَّر تزامنًا مع عرض الحلقات.

من بين الأعمال اللبنانيّة البحتة، يبرز مسلسل “بالدم” من إخراج فيليب أسمر وإنتاج “إيغل فيلمز”، فيما تشهد الأعمال المشتركة حضورًا قويًّا عبر مسلسلات مثل “نفَس”، و”البطل”، و”تحت سابع أرض”

“البطل”: دراما نفسية واجتماعيّة

من بين المسلسلات التي تُراهن عليها الدراما هذا العام، يبرز مسلسل “البطل”، الذي يتولّى إخراجه الليث حجّو، أحد أبرز المخرجين في الدراما العربيّة، والمعروف برؤيته الواقعيّة وإخراجه المتقن. المسلسل من بطولة بسّام كوسا، محمود نصر، نادين تحسين بيك، ويقدّم قصّة تتناول أبعادًا نفسيّة واجتماعيّة عميقة.

تؤكّد عبيد أنّ العمل يتمتّع بجميع مقوّمات النجاح من حيث القصّة المتينة، الإخراج السينمائيّ، وأداء الممثّلين المتقن، مشيرةً إلى أنّ “بسّام كوسا يقدّم أداءً استثنائيًّا في دور أستاذ يتعامل مع قضايا مجتمعيّة حسّاسة، فيما يُفاجئ محمود نصر الجمهور بظهور مختلف عن أدواره السابقة، ما يجعله من الأسماء البارزة في الموسم الرمضانيّ الحاليّ”.

الدراما اللبنانيّة: بين التحديات والطموح

لطالما كانت الدراما اللبنانيّة جزءًا أساسيًّا من المشهد الفنّيّ العربيّ، إلّا أنّ الأزمات الاقتصاديّة والسياسيّة التي عصفت بلبنان في السنوات الأخيرة انعكست بشكل مباشر على الإنتاج الدراميّ، ما أدّى إلى تراجع حضور الأعمال اللبنانيّة الصرفة، مقابل ازدهار الأعمال المشتركة التي جمعت بين ممثّلين لبنانيّين وسوريّين في إنتاجات ضخمة لاقت رواجًا كبيرًا.

مسلسل البطل إخراج الليث حجو

لكنّ التحدّيات التي تواجه الدراما اللبنانيّة لا تقتصر فقط على الأزمات الاقتصاديّة، بل تتعدّاها إلى مشكلة أخرى لا تقلّ خطورة، وهي احتكار بعض شركات الإنتاج السوق الدراميّة. هذا الاحتكار أدّى إلى تكرار النمط نفسه في القصّة، الإخراج، السيناريو، وحتّى في اختيار الممثّلين، إذ يتمّ تغييب البعض لصالح الأسماء الأكثر شهرة أو نفوذًا. هذا النمط أثّر في التنوّع الفنّيّ الذي تحتاجه الدراما اللبنانيّة لتثبت مكانتها كمنافس قويّ في المشهد العربيّ.

رؤية تفاؤليّة وسط الأزمات

في حديثها إلى “مناطق نت”، أكّدت المنتجة المنفّذة مي أبي رعد أنّ الدراما اللبنانيّة تمرّ بمرحلة تطوّر، ولديها مستقبل واعد، بشرط أن يكون الوضع العام في البلد أكثر استقرارًا. وتضيف: “لبنان يزخر بالممثّلين والمخرجين والكتّاب المبدعين، وإذا توافرت الظروف المناسبة، يمكننا تقديم أعمال تنافس بقوّة على المستوى العربيّ”.

أمّا عن نجاح المسلسلات اللبنانيّة، فتشير أبي رعد إلى أنّ “الإنتاجات المحلّيّة أثبتت قدرتها على تحقيق انتشار واسع عندما يتعاون اللبنانيّون ضمن رؤية إنتاجيّة مدروسة”. وتتابع: “قبل عامين، حقّق مسلسل “النار بالنار” نجاحًا كبيرًا، واليوم لدينا مسلسل “بالدم” الذي يثبت أنّ الدراما اللبنانيّة قادرة على المنافسة إذا توافرت لها الظروف المناسبة”.

“بالدّم” رحلة البحث عن الحقيقة والهويّة

يخطف مسلسل “بالدم” أنظار المشاهدين بقصّته المشوّقة التي تجمع بين الدراما العائليّة والتشويق النفسيّ. تدور الأحداث حول “غالية”، التي تجسّدها النجمة ماغي بوغصن، وهي امرأة تكتشف بعد 45 عامًا سرًّا خطيرًا عن عائلتها وهويّتها الحقيقيّة، فتبدأ رحلة بحث غامضة عن ماضيها، لتكشف خبايا وأسرارًا لم تكن تتخيّلها يومًا.

مسلسل “بالدم”

ما يزيد من نجاح العمل هو أنّه جمع  نخبة من نجوم الدراما اللبنانيّة، منهم رفيق علي أحمد، جوليا قصّار، باسم مغنيّة، بديع أبو شقرا، جيسّي عبدو، وسام فارس، كارول عبّود، غابريـال يمّين، سعيد سرحان، ورولا بقسماطي.

في حديثه إلى “مناطق نت”، يقارن المخرج إيلي ف. حبيب بين نجاح مسلسل “ع أمل” في الموسم الرمضانيّ السابق، الذي حقّق نسبة مشاهدة عالية وكان طاقم العمل بمعظمه من اللبنانيّين، وبين النجاح الذي يحقّقه مسلسل “بالدم”، المعروض على منصّة “شاهد” وقناة MTV اللبنانيّة، حيث سجّل نسب مشاهدة عالية منذ حلقاته الأولى.

ويرى حبيب أنّ “الاحترافيّة في الإنتاج والإخراج والتمثيل تضمن نتائج مبهرة، وما نشهده اليوم من تفاعل الجمهور مع “بالدم” يؤكّد قدرة الدراما اللبنانيّة على تقديم أعمال تضاهي الإنتاجات العربيّة الكبرى”.

الدراما تدخل القلوب قبل البيوت، وتتحوّل علاقة الممثل بالمشاهد إلى علاقة شخصيّة مليئة بالحبّ والتأثير. لذلك يشدّد المخرج إيلي حبيب على أهمّيّة أن تكون الشخصيّات الدراميّة نابعة من واقع الناس، لا من طبقة مخمليّة بعيدة من المجتمع. ويختم حبيب: “لا أحد يتفوّق على اللبنانيّ في الفنّ، نحن لا ينقصنا شيء سوى الدعم والاستقرار”.

تفوّق القيمة الفنّيّة على جنسيّات النجوم

في ظلّ التوجّه الدراميّ نحو القضايا الإنسانيّة ذات الطابع العاطفيّ، بات الفنّانون يميلون إلى اختيار الأدوار التي تعكس قناعاتهم وتُجسّد واقعًا يحمل بُعدًا إنسانيًّا. في هذا السياق، يقدّم مسلسل “بالدم” معالجة دراميّة لقضيّة “العائلة والهويّة” في إطار مشوّق، يعكس تطوّر الدراما اللبنانيّة ورؤيتها الخاصّة في تقديم قصص محلّيّة بأسلوب احترافيّ.

ما يزيد من نجاح “بالدم” هو أنّه جمع نخبة من نجوم الدراما اللبنانيّة، منهم رفيق علي أحمد، جوليا قصّار، باسم مغنيّة، بديع أبو شقرا، جيسّي عبدو، وسام فارس، كارول عبّود، غابريـال يمّين، سعيد سرحان، ورولا بقسماطي

في حديثه إلى “مناطق نت”، يوضح الممثّل سعيد سرحان أنّ القضيّة التي يطرحها العمل هي ما دفعه إلى اختيار دور الدكتور آدم، وهو الشعور نفسه الذي جمع فريق العمل. ويتابع سرحان: “جميع المشاركين في المسلسل يحملون قضيّة الدراما اللبنانيّة في قلوبهم. صحيح أنّ العروض التمثيليّة للأعمال المشتركة كثيرة، لكن تسقط كلّ العروض أمام عمل لبنانيّ يحمل قضيّة مهمّة”.

ويضيف سرحان “إنّ مشاركة الممثّلين اللبنانيّين في الأعمال المشتركة كانت تكرّس النجم السوريّ على حساب الحضور اللبنانيّ، ممّا حدّ من المساحة الإبداعيّة للممثّل اللبنانيّ”. لكنّه يرى أنّ “بالدم” كسر هذه المعادلة، قائلًا: “اليوم، بعمل لبنانيّ بحت من حيث الإنتاج والكتابة والإخراج والتمثيل، استطاعت الدراما اللبنانيّة أن تحقّق إنجازًا كبيرًا وتثبت قدرتها على المنافسة”.

العمل الجماعي مفتاح النجاح

يؤكّد سرحان أنّ إيمان فريق العمل بشركة الإنتاج “إيغل فيلمز”، والمخرج فيليب أسمر، كان دافعًا كبيرًا لتحقيق النجاح.

ويضيف: “لولا الجوّ الإيجابيّ الذي خلقته الممثّلة ماغي بوغصن خلال التصوير، لما انعكس هذا الحماس على الشاشة. وهذا واضح من التفاعل الكبير على منصّات العرض، حيث تصدّر المسلسل المرتبة الأولى في عدد من الدول، إضافة إلى الإقبال الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي”.

التصنيف فنّيًّا وليس جغرافيًّا

أمّا في ما يخصّ الجدل حول نجاح الأعمال المشتركة مقابل الأعمال اللبنانيّة الصرفة، يرفض سرحان فكرة حصر النجاح بجنسيّة معيّنة، مشدّدًا على أنّ التقييم الصحيح يجب أن يكون وفق النمط الفنّيّ (كوميديّ، أكشن، رعب، تشويق) وليس استنادًا إلى جنسيّة الممثّلين. ويضيف: “اليوم، الجهات المنتجة أصبحت أكثر وعيًا بأهمّيّة الاستثمار في الدراما اللبنانيّة، والتي أثبتت أن القيمة الفنّيّة هي العنصر الأساس للنجاح، وليس الأسماء أو الجنسيّات”.

الممثل اللبناني سعيد سرحان

ويختم قائلًا: “نجاح مسلسل “بالدم” يعود إلى روح العمل الجماعيّ، حيث تمّ التعاطي مع كلّ ممثّل على أنّه بطل، وهذا ما ميّز جميع المشاركين في هذا العمل”.

تفاعل الجمهور اللبنانيّ

تتنوّع أسباب متابعة الجمهور للمسلسلات الرمضانيّة، فبعضهم ينجذب إلى القصّة والأحداث المشوّقة، بينما يتابع آخرون العمل بسبب ممثّلهم المفضّل أو النجاح الجماهيريّ الذي يحقّقه.

تقول لارا حمّود (29 عامًا)، إحدى متابعات الدراما اللبنانيّة، إنّها تتابع مسلسل “بالدم” بسبب حبّها للممثّلة ماغي بوغصن، التي تتابع أعمالها منذ عرض “أولاد آدم” في العام 2020. وتضيف: “ماغي دائمًا تختار أعمالًا مميّزة مثل “للموت” و”ع أمل”، واليوم “بالدم”. المسلسل سريع الإيقاع وخالٍ من المماطلة، وأتوقّع نهاية مبهرة وغير متوقّعة”.

وترى لارا أنّ “بالدم” يتفوّق على مسلسل “تحت سابع أرض”، معتبرة أنّ نجاحه يعود إلى كونه لبنانيّ الهويّة والإنتاج، ما يعزّز حضور الدراما المحلّيّة ويمنحها فرصة للمنافسة بقوّة في السباق الرمضانيّ. هذا التفاعل الكبير مع الأعمال اللبنانيّة يعكس رغبة الجمهور في رؤية إنتاجات محلّيّة قويّة، لا تكتفي فقط بالمشاركة في الأعمال المشتركة، بل تفرض نفسها كأعمال مستقلّة قادرة على تحقيق النجاح الجماهيريّ.

“شاهد.نت” أوّلًا…

باتت المنصّات الرقميّة تلعب دورًا أساسيًّا في عرض المسلسلات الرمضانيّة، حيث تُتيح “شاهد.نت” للمشاهدين متابعة الحلقات قبل ساعات من بثّها على القنوات التلفزيونيّة مثل MBC وMTV اللبنانيّة، ممّا يمنح المشاهدين حرّيّة اختيار توقيت المشاهدة.

يقول كريستيان غانم (21 عامًا) إنّه يتابع مسلسل “بالدم” منذ الحلقة الأولى على المنصّة، مستذكرًا النجاح الكبير لمسلسل “للموت”، الذي حقّق نسب مشاهدة قياسيّة في المواسم الرمضانيّة السابقة. ويضيف: “عندما يجتمع الثلاثيّ نادين جابر وفيليب أسمر وماغي بوغصن، نكون دائمًا أمام عمل ناجح. المسلسل مشوّق جدًّا، ويصعب توقّع نهايته، لكنّني أرجّح أن تكون حزينة وصادمة”.

مع تنوّع الأعمال الرمضانيّة هذا العام، تثبت الدراما اللبنانيّة أنّها قادرة على المنافسة بقوّة، سواء عبر الإنتاجات المحلّيّة مثل “بالدم”، أو من خلال الأعمال المشتركة التي لا تزال تحظى بجمهور واسع. ومع تزايد الاهتمام بالمنصّات الرقميّة مثل “شاهد.نت”، تتبدّل عادات المشاهدة، ما يفرض على صنّاع الدراما تحدّيات جديدة تتطلّب تطوير المحتوى والأسلوب السرديّ. فهل يكون هذا الموسم نقطة تحوّل تعزّز مكانة الدراما اللبنانيّة، وتمنحها مساحة أكبر على الساحة العربيّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى