“الكومبوست” المعدّل في شمسطار لتربة عضويّة خالية من التلوّث

فقدت التربة في المناطق الزراعيّة اللبنانية، البقاعية منها على وجه الخصوص، في الآونة الأخيرة، خصوبتها المتّكئة على عناصر وموادّ طبيعية تعطي المزروعات ما تحتاجه من غذاء في دورة حياتها على مدار السنة، وتوفّر للمزارعين مواسم زراعيّة في الإنتاج والمحاصيل.

ونتيجةً لفقدان هذه التربة خصائصها الذاتية لأسباب عديدة، منها ما هو متعلّق بالتغيّر المناخيّ، وأخرى ما لها علاقة بكثرة استخدامها، راح المزارع البقاعيّ يفتّش عن موادّ داعمة لتربة أرضه كالسماد الصناعيّ وإدراكه (المزارع) لما له من انعكاسات صحّيّة خطيرة على من يستهلك محاصيله.

إزاء هذا الواقع وتأثيراته الإنتاجيّة والصحّيّة السلبيّة على المزارع البقاعيّ، وبغية إيجاد حلول جذريّة للتربة ضمن المعايير الطبيعيّة السليمة، قام الناشط الزراعيّ والبيئيّ ياسر الحسينيّ بتصنيع تربة عضويّة بتكلفة يسيرة وسهولة في العمل أوصلته إلى النتيجة المرجوّة.

تجارب “الكومبوست”

لقد استطاع الحسيني، وبعد تجارب ودراسات عديدة، الوصول إلى اكتشاف ما يُسمى بـ”الكومبوست”، وهو الاسم الجديد للتربة الصناعّية المكوَّنة من موادّ عضويّة وسماد حيوانيّ ممزوجةً بتربة الأرض. يقول: “بعد أن تلمّست فقر التربة لموادها الغذائيّة في منطقتنا، وعرفت مدى خطورة الأسمدة الكيميائيّة المستعملة كبديل لعناصر الأرض الذاتيّة، قرّرت البحث عن الحلّ، شرط أن يكون من موادّ الطبيعة وعناصرها، وليس من تراكيب صناعيّة تؤذي التربة والإنسان على حدّ سواء”.

الناشط الزراعي الأستاذ ياسر الحسيني في خيمة زراعية خصصها للتجارب

قام الحسينيّ بإجراء العديد من التجارب على مدار سنة كاملة، “وكانت كلّها وفق أبحاث ودراسات عمليّة إلى أن اكتشفت “الخلطة” التي لم أكتفِ بتحديدها فحسب، بل أجريت عليها تجارب عديدة حتّى تيقّنت من نجاحها مئة بالمئة وبتكلفة بسيطة تمكّن كلّ من يريد الزراعة أن يستخدمها بسهولة ويُسر” يضيف.

عناصر “الخلطة” ومراحلها

يشرح الحسينيّ عناصر “خلطة الكومبوست” بالقول: “تتكوّن الخلطة من ثلاثة عناصر رئيسة: أوّلها بقايا النفايات المنزليّة القابلة للتحوّل، وهي كثيرة ومتوافرة في منازلنا يوميًّا من دون المواد الصلبة كالزجاج والنايلون والبلاستيك وسواها. وثانيها سماد حيواني طبيعي كروْث البقر والحمام، إلّا أنّ افضله روث الدجاج لغناه بالبروتين، والعنصر الثالث متوافر في الأرض وفي التربة تحديدًا”.

أمّا عن كيفية إنتاج الخلطة فيضيف “نبدأ أولاً بتحديد قطعة الأرض المستهدَفة في الزراعة، ثم نأتي بكمّيّة من روْث الماعز على سبيل المثال ونرشّها فوق التربة الأساسيّة لتصبح بسماكة تقارب ثمانية سنتيمترات، بعدها نُحضر كميّات النفايات المنزليّة على نحو بقايا الطعام والخضار والفاكهة ونضعها فوق السماد بشكل متساوِ، ونترك الخليط مدة خمسة عشر يوماً تكون كافيةً لقضم الديدان، التي تخلّقت بفعل الذباب الذي راكم بيوضه على السطح، وللنفايات كي تتحوّل إلى تربة جديدة، حيث تبدأ عملية التفاعل مع التربة الأم”.

ياسر الحسيني: نبدأ أولاً بتحديد قطعة الأرض المستهدَفة في الزراعة، ثم نأتي بكمّيّة من روْث الماعز على سبيل المثال ونرشّها فوق التربة الأساسيّة لتصبح بسماكة تقارب ثمانية سنتيمترات

ويتابع: “بعد هذه العمليّة نكون قد حصلنا على تربةٍ جديدةٍ مخلوطةٍ بالتربة الأصليّة تتوافر فيها جميع العناصر والموادّ الغذائيّة والمعدنيّة الخاصّة بنموّ أيّ نبتة أو زرعة، ويمكن استخدامها في أوعيةٍ صغيرةٍ لإنتاج أنواع من الخضار، لأنها تمتاز بهشاشتها وخفّة نوعها وغناها بالمعادن وقلّة حاجتها للماء”.

أهداف ثلاثة بيئيّة

أهداف ثلاثة تتحققّ بحسب الحسيني ّمن عملية إنتاج هذه الخلطة “إذ يمكننا من خلال مراحل هذه العمليّة أن نحقّق عدّة فوائد من شأنها أن تعود بالنفع على الفرد والمجتمع في آن. ففي المرحلة الأولى مرحلة تحضير النفايات المنزليّة القابلة للتحوّل، يستلزم ذلك القيام بعملية فرز منزليّة للنفايات بشكل تلقائيّ حيث نكون قد استفدنا من الفرز والتخلّص من النفايات في وقتٍ واحدٍ وهو أمرٌ ضروريّ وواجب”.

والهدف الثاني “أنّه يمكن الاستفادة من الديدان التي تنتجها بيوض الذباب المتراكم على النفايات في مدة قصيرة، قبل تحوّلها إلى يرقاتٍ نظراً لقيمة البروتين العاليّة التي تحتويها هذه الديدان، بحيث تشكّل عنصراً غذائيّاً عالي الجودة والنوعيّة كَعلف طبيعيّ للمواشي والدواجن”.

ثمّ في المرحلة الثالثة “نصل إلى تسميد التربة بموادّ عضويّة طبيعيّة خالية من التلوّث والمواد السامّة، وهذا ما ينعكس على جودة الإنتاج وسلامة المواطن”.

لبيئةٍ نظيفةٍ خاليةٍ من الملوِّثات

أنشأ الحسيني خيمةً بلاستيكيةً في بلدته شمسطار لإجراء تجاربه فيها، ويعتمد في تناوله الخضار، كالخس والبقدونس والفجل والبصل والبطاطا والسبانخ وغيرها، على إنتاج “خيمتي التي أضحت رفيقتي وشغلي الشاغل”.

ويلفت إلى أنّ تجربته في إنتاج تربة عضويّة ضمن العناصر التي استخدمها “هي الأولى في لبنان ولم يسبق أحد أن تطرّق إليها، وهي تشبه تربة “الكومبوست” المعروفة، لكنّها متطوّرة ومختلفة في بعض عناصرها”.

ودعا الجمعيّات الأهليّة والبيئيّة إلى تنظيم دورات ولقاءات مع المواطنين لهدف التوعية والإرشاد وتعميم تجربته على المناطق كافة، “وأنا على أتمّ الاستعداد لتقديم خبرتي ومعلوماتي إلى الجميع، لأنّ هدفي الأوّل والأخير هو الوصول إلى بيئةٍ نظيفةٍ خاليةٍ من الملوِّثات، لحماية تربتنا وزراعتنا وإنساننا من الهلاك”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى