منذ “لبنان الكبير” أول فريق من بعلبك الهرمل يتأهل للدرجة الأولى

كرة القدم، الساحرة المستديرة، لم تعد لعبة الفقراء وأطفال الأحياء والأزقة فحسب، بل غدت في صلب اهتمام دول كثيرة، تستقطب رجال المال والأعمال، يتسابق إليها أهل الإعلام والإعلان، حتّى أنّها دخلت في صلب بعض المشاريع السياسيّة، باتت صناعة متكاملة، أرقامها المالية فلكيّة يعرفها الجميع أو يسمع عنها.

للمرّة الأولى، منذ إعلان دولة لبنان الكبير يصل من محافظة بعلبك الهرمل فريق رياضيّ جمعيّ إلى مصافي أندية الدرجة الأولى، ليمثل المنطقة النائية على مستوى الوطن. إنّه حلم كان ماضيًا واليوم بات حقيقة، بفعل تعب وجهود ومهارات لاعبي فريق “شباب بعلبك” لكرة القدم، اللعبة الشعبيّة الأولى عالميًّا.

للخوض أكثر في تفاصيل هذا الإنجاز الرائع، كانت لنا محطة في مدينة بعلبك الرياضيّة، لتهنئة اللاعبين والإداريّين والوقوف على أرائهم وتطلعاتهم المستقبليّة.

فريق “شاب بعلبك”
هدفنا البقاء في الأولى

يعرض مدير الفريق علي حسن أمام “مناطق نت” مسيرة النادي، فيقول: ” انتقل فريقنا من لعبة هواة إلى فريق رسمي منذ سنتين فقط، وقد قدّم لنا رئيس نادي النبي شيت السيد أحمد الموسويّ رخصة الفريق. لعبنا الموسم الحالي ضمن الدرجة الثانية والحمد لله تكلّل بصعودنا إلى مصف أندية الدرجة الأولى”.

يتابع حسن: “إنّ لاعبينا كلّهم من أبناء بعلبك المدينة والجوار، هذا ما يساهم في تكريس روح الفريق أكثر. والشباب يلعبون أمام أهاليهم وعائلاتهم ورفاقهم، لكن الهدف الآن بات أكبر، إلى جانب تمثيل المحافظة بصورة راقية مشرّفة، والبقاء في الدرجة الأولى لأطول فترة ممكنة هو الهدف الرئيس حاليًّا”.

ويؤكد حسن حول الاستعدادات للموسم المقبل وتأمين الميزانيّة اللازمة “أنّ الحسابات مختلفة كليًّا الآن، لتجهيز الفريق من جميع النواحي، وتلزمنا ميزانيّة حدّها الأدنى قرابة 400 ألف دولار. وننتظر الآن مدرّب الفريق الحالي إسماعيل قرطام ليحسم هويّة المدرب، ببقائه أو لا، فالقرار له كونه من أوصل الفريق إلى الدرجة الأولى”. ويلفت إلى “أنّنا بعد عيد الفطر السعيد سنبدأ جولة على الفاعليّات والرسميّين والمؤسّسات والمتموّلين لإنشاء مجلس داعمي النادي كي نضمن استمراريّته”.

مدير الفريق علي حسن

ويختم حسن لـ”مناطق نت”: “أدعو جميع أهالي محافظة بعلبك الهرمل إلى دعم الفريق والالتفاف حوله، فهو يمثّلنا جميعًا من دون استثناء، وفريق الدرجة الأولى بحاجة إلى دعم من مختلف النواحي، خصوصًا الدعم الجماهيريّ، فإذا استطعنا اللعب على أرضنا يجب امتلاء المدرّجات بالكامل”.

غصة وسط الفرح

لم يكن لاعبو فريق شباب بعلبك يعلمون نوايا العدو، وإن عرفوا غدره، ففي غمرة فرحتهم بالفوز، باغتهم العدوان الصهيونيّ بقصف أطراف مدينة بعلبك ما أدّى إلى استشهاد زميلهم الخلوق اللاعب الشاب مصطفى غريب.

يلعب حسين غريب في خط وسط الفريق، وهو شقيق الشهيد مصطفى، يقول لـ”مناطق نت”: “الحمد لله على كلّ شيء، هذا قضاء الله وقدره. كان مصطفى يحلم بالشهرة كلاعب كرة قدم على مستوى لبنان، أكرمه الله بشهرة الشهادة وهذا فخر وعزّ لنا كعائلة صغيرة، وكنادٍ ومنطقة بأكملها”.

حسين غريب وشقيقه الشهيد مصطفى

غريب العاشق للبرتغاليّ رونالدو، يتحدّث بفخر عن مستوى فريقه: “إنّه مستوى جيّد بل اكثر، بالتأكيد لن يكون مستوانا بعيدًا عن باقي فرق الدرجة الأولى، لكن علينا التدرّب بشكل دائم والالتزام بتوجيهات المدرّبين والجهاز الفنّيّ. إنّ تدعيم النادي ورفده بلاعبين آخرين محلّيّين وأجانب مسألة تخصّ المدرّب والإدارة، علينا الالتزام والجدّيّة وتمثيل المنطقة بأرقى صورة وأفضل طريقة، يتحقّق ذلك بالبقاء ضمن الدرجة الأولى والمنافسة الجدّيّة في السنوات المقبلة”.

ويختم غريب كلامه مؤكّدًا رأي مدير النادي “بأنّ مباراتنا على أرضنا ضمن مسابقة كأس لبنان يوم الجمعة القادم ضدّ فريق البرج هي للفرح بتأهّلنا إلى الدرجة الأولى، ورسالة فخر وإعتزاز إلى روح ابن النادي شقيقي الشهيد مصطفى وقد كان مثلي الأعلى في لعب كرة القدم وفي الحياة والأخلاق والتعامل مع الناس، أدعو أهلي في المنطقة للمشاركة في مباراة الوفاء لمصطفى غريب، آملين أن يعوّضه الله الجنّة”.

أولويّة دعم الفريق

إنّ ميزانية الفريق لأجل بقائه، تشكل همًّا كبيرًا ورئيسًا لإدارة النادي. وإذا كانت الإدارة ستبدأ بتكثيف تحرّكاتها بعد شهر رمضان، إلّا أنّ دعم الفريق واجب معنويّ على كاهل جميع أبناء المدينة.

إنّ ميزانية الفريق لأجل بقائه، تشكل همًّا كبيرًا ورئيسًا لإدارة النادي. وإذا كانت الإدارة ستبدأ بتكثيف تحرّكاتها بعد شهر رمضان، إلّا أنّ دعم الفريق واجب معنويّ

يفتخر رئيس بلديّة بعلبك الأستاذ مصطفى الشلّ “كلّ الفخر بفريق شباب بعلبك، لاعبين وإدارة وفنّيّين، نشكرهم جميعهم وكلّ من ساهم بصناعة إنجاز التأهّل إلى الدرجة الأولى، ووضع بعلبك الهرمل على الخارطة الرياضيّة الوطنيّة” لكنّه يبدي حزنه وأسفه تجاه “العدوان الآثم الذي أدّى إلى استشهاد اللاعب الخلوق المميّز مصطفى غريب، إذ كان أحد صانعي هذا الإنجاز”.

يتابع الشلّ لـ: “مناطق نت”: “إنّ الاهتمام بالفريق والرياضة عامّة، يقعان ضمن اهتمام مجلس بلديّة بعلبك ورئيسها، لكن للأسف، وضع بلدية بعلبك اليوم مثل كلّ بلديات لبنان المتعثّرة، إذ إنّ مخصصات البلديات لا تساعدنا على القيام بما نطمح إليه تجاه الفريق”.

ويضيف: “قمنا قدر المستطاع بتأمين الملعب للتدريب وخوض المباريات على أرضنا، وحتّى لو واجهت البلديات صعوبة في دعم النادي، لكن كلّي ثقة بأنّه لن يبقى متروكًا لوحده، وعندي معلومات عن توجّه العديد من المؤسّسات والفاعليّات والمتموّلين إلى دعم النادي وتأمين استمراره، يجب أن يشكّل نجاح النادي بداية نهضة رياضيّة فعليّة في المنطقة، خصوصًا أنّ الرياضة تساعد في مكافحة الكثير من الموبقات والمشاكل”.

رئيس بلدية بعلبك مصطفى الشل
هوية إنماء وانتماء

شكّل نجاح فريق شباب بعلبك حالة فخر واعتزاز عند أبناء المنطقة، واعتبروه ردًّا وافيًا على إهمال مزمن تجاهها على جميع الصعد.

تقول الناشطة الإعلاميّة والاجتماعيّة وسام درويش لـ”مناطق نت”: “أنا بنت بعلبك، بنت المدينة الجميلة الصامدة بوجه كلّ حملات الاعتداء والافتراء، بعلبك مدينة الفرح والانتصارات، كلّ التهنئة، والفخر بشبابها الذين فازوا على فريق العبّاسيّة بنتيجة (1-0) على أرض مدينتها الرياضيّة. كذلك أتوجّه بالتعزية للفريق والمدينة بارتقاء اللاعب مصطفى غريب شهيدًا باعتداء إسرائيليّ في مطلع شهر رمضان”.

أمّا الناشط السياسيّ والاجتماعيّ مالك العرب، المدير العام لجمعيّة جسور النور، وابن بلدة شعث البقاعيّة فيتناول مع “مناطق نت” أهمّيّة الإنجاز ونتائجه، فيقول: “في وقت أخُرجت فيه بعلبك من القرار على المستوى الوطنيّ، ها أنّ المدينة تثبت يومًا تلو يوم أنّها في عمق الأحداث، وأنّها جزء لا يتجزّأ من نسيج هذا الوطن، وهي قادرة دومًا على تقديم كلّ ما هو مبدع وملهم إلى شباب لبنان”.

الناشطة الإعلامية وسام درويش

ويلفت إلى أنّ تأهلّ الفريق “سيساهم إنمائيًّا في رفع معنويّات الشباب والمجتمع المحلّيّ، ويشكّل دعوة وحافزًا لزيادة الاستثمارات المحلّيّة وتوفير فرص عمل في القطاع الرياضيّ والسياحيّ في مدينة الشمس، وفي المحافظة ككلّ، وهو تأكيد لأهمّيّة ونجاح الاستثمار في المنطقة خصوصًا في مجال الرياضة والترفيه”.

ويعتبر العرب أنّ “للحدث تأثيرًا اجتماعيًّا إيجابيًّا كبيرًا على التفاعل الاجتماعي والتنمية الشخصيّة لشباب المنطقة، فالرياضة تعزّز الروح الجماعيّة والتعاون، وتكرّس القيم التي طالما تحلّت بها منطقتنا كالانضباط والمثابرة، والعمل الجماعيّ والتكافل المجتمعيّ”.

يتابع العرب: “ثمّة رسالة سياسيّة واضحة وصريحة لهذا الإنجاز، هو ردّ على كلّ محاولات شيطنة المحافظة بشكل عامّ ومدينة بعلبك بخاصّة؛ وهو تأكيد أنّ شبابها يملكون المؤهّلات والقدرات والدوافع التي تضاهي أكثر المناطق تنمية في لبنان، ويمكن أن يُبنى على هذا التأهّل الكثير، كمّا أنّها المرّة الأولى في بعلبك يهتف الجميع لراية واحدة، وهذا ما ندعو إليه دائمًا ونطالب به، ألا وهو تغليب الانتماء لبعلبك، ومنها للوطن على أيّ انتماء آخر”.

الناشط السياسي مالك العرب

يختم العرب: “إنّ هذا التأهل يجب أن يعقبه خطة شاملة يشارك فيها جميع المؤثرين في المنطقة ليكون نموذجًا يحتذى به في جميع مبادراتنا المحلّيّة، فالإبداع والعطاء والتضحية ليس بجديد على شباب بعلبك، وهو مسار تعلّمناه وآمنّا به منذ صغرنا وسيبقى معنا إلى الأبد”.

عزم وتصميم

للمرّة الأولى بعد فريق “أولمبيك بيروت” يتأهل فريق لبناني إلى دوريّ الدرجة الأولى من موسمه الأوّل في دوريّ المظاليم. لقد فعلها شباب بعلبك هذه السنة على رغم فارق الإمكانات الهائلة لصالح أولمبيك، مدفوعا بشغف لاعبيه وحبّهم لناديهم ومنطقتهم، وعزمهم على النجاح وكسر الصعوبات. جلّ ما يطمح إليه لاعبو وإداريو النادي هو تمثيل أهلهم بما يليق بهم، لتأكيد هوية بعلبك مدينة الشمس، مدينة العراقة والتاريخ والبيوت المفتوحة على الكرم وحسن الضيافة وإغاثة الملهوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى