الصيد بالديناميت في عكّار دون حسيب أو رقيب! (ڤيديو)

للوهلة الأولى وأنت تسمع أصوات الانفجارات في بلدة حيّ البحر العكّارية في الشمال، تشعر وكأنّ الحرب تجدّدت، وأنّ ما تسمعه ليس سوى صوت الغارات والاستهدافات التي انتقلت من الجنوب إلى الشمال، لكن ما هي إلّا لحظات حتّى تكتشف وأنت تسأل أبناء البلدة التي أنت في ضيافتها عمّا يجري، أنّ ما تسمعه من أصوات أمر معتاد، وناجم عن إلقاء الديناميت في البحر من قبل بعض الصيّادين.

المفارقة أنّه وعلى إمتداد يومين من الإقامة في البلدة، وتكرار سماع أصوات الانفجارات ذاتها، لم يتحرّك أحد، لا من القوى الأمنيّة، ولا من البلديّات، لوقف تلك الأعمال التي أقلّ ما يُقال فيها إنّها ترقى إلى جرائم بيئيّة تُرتكب بحقّ بيئتنا وبحرنا وثروتنا السمكيّة، مع كلّ ما تحمله تلك الممارسات من مخاطر على من يقوم بها من جهة، وعلى أبناء البلدة من جهة أخرى.

صيد بالديناميت

ما تسمعه في الليل يتوضّح نهارًا، إذ استفاق السكان فجرًا، على مشهد نفوق أعداد كبيرة من الأسماك قذفها البحر إلى الشاطئ، وذلك جرّاء الصيد بالديناميت. فعديد من صيّادي الأسماك في تلك المناطق لا يكتفون بمدّ الشباك والاصطياد بشكل عشوائيّ، بل تعدّوا ذلك ليصبحوا “حرّيفي” ضرب ديناميت في البحر، على اعتبار أنّ هذا الأسلوب في الصيد، يزيد عدد الغنائم من الأسماك.

لكن ما يزيد من حجم الجريمة البيئيّة بحقّ ثروتنا البحريّة، هي أنّ عددًا كبيرًا من هذه الأسماك يُعتبر غير صالح للأكل، فيُهمل ويطفو على وجه المياه إلى أن تتقاذفه الأمواج فيفترش الشاطئ في مشهدٍ نافر وفاضح. معظم تلك الأسماك هي من نوع سمكة البوري المعروفة في تواجدها بكثرة قرب شواطئ المتوسّط، والتي لا يأكلها أو يبيعها الصيّادون، نظرًا إلى انتشارها اللافت والكثيف، بالقرب من البواخر في المرافئ، الأمر الذي يجعل طعمها متأثّرًا بمادّة المازوت، بحسب الصيّادين.

خوف وحرمان من السباحة

عشوائيّة الصيد بالديناميت في قرى ساحل عكّار، لا تؤدّي بشكل مقلق إلى تكدُّس كمّيّات كبيرة من سمكة البوري النافقة على الشاطئ وحسب، بل إلى انبعاث روائح كريهة منها فتزعج السكّان هناك، وتحرمهم من الصيد العاديّ بالصنّارة، وأيضًا الاستجمام والسباحة، عدا عن القلق من إصابة عن طريق الخطأ بإصبع ديناميت.

في حديث لـ “مناطق نت ” يقول الصيّاد أبو عمر الأحمد وهو من سكّان المنطقة: “أسكن هنا منذ 40 عامًا، ومشكلة الصيد بالديناميت ليست جديدة، ولكنّ الأمور زادت عن حدّها في السنوات الأخيرة، إذ أصبحت عشوائيّة ومن دون أيّ رادع، وأيضًا من دون وقت محدّد لتلك الممارسات، الأمر الذي أصبح يهدّد سلامتنا أثناء الصيد بالصنّارة، ويهدّد حياة أبنائنا خلال السباحة، فالكلّ معرّض إلى أن ينفجر بجانبه أصبع ديناميت في البحر، بعد أن يلقيه صيّاد في المياه من دون أدنى إنذار.

جهاد: يا ليتني اعتقلت من قبل القوى الأمنيّة يومها، وسُجنت لاستعمالي الديناميت بدلًا من أن تنفجر بي وتحرمني عيني ويدي اليمنى

خطر على حياة صيّادي الديناميت

بيده اليسرى وعين واحدة يحاول جهاد (23 سنة)، (رفض التصريح عن اسمه الكامل) التعايش مع حياته الجديدة، بعد أن انفجر بيده أصبع ديناميت خلال إلقائه أثناء الصيد، وذلك بالقرب من منزله في ببنين العكّارية.

يقول جهاد في حديث لـ “مناطق نت”: ” ليتني لم أذهب إلى الصيد يومها، وليتني لم أستعمل الديناميت يومًا؛ كلّ حياتي تغيّرت، ولم يعد أيّ شيء كما كان؛ أحاول جاهدًا أن أتكيّف مع جسدي الجديد، لكن من دون جدوى؛ أنصح الجميع بعدم استخدامها، ويا ليتني اعتقلت من قبل القوى الأمنيّة يومها، وسُجنت لاستعمالي الديناميت بدلًا من أن تنفجر بي وتحرمني عيني ويدي اليمنى”.

تهديد للبيئة والثروة السمكيّة

من ناحيته يقول رئيس اتّحاد بلديات سهل عكّار محمد المصومعي في اتّصال مع “مناطق نت” إنّ “هذه الظاهرة لا يمكن حصرها بالاتّحاد فقط، والأجدى هو الحديث مع البلديّات التي تنشط في مناطقها مهنة الصيد، علمًا أنّ سلطة الاتّحاد تشمل كلّ قرى وبلدات سهل عكّار الساحليّة منها والداخليّة”. واعتبر المصومعي أنّ “هذه الظاهرة تحتاج إلى معالجة وجهد من المسؤولين كافة، وليس من الاتّحاد وحده”، فالأخير كما أشار المصومعي “ما زال حديث الولادة ولم يبصر النور إلّا منذ أشهر قليلة فقط”.

الصحافيّ المتخصّص بالقضايا البيئيّة مصطفى رعد يشرح لـ “مناطق نت” المخاطر البيئيّة والسمكيّة الناجمة من الصيد بالديناميت قائلًا: “يحتوي أصبع الديناميت على بارود مزوّد بصاعق، يساعده على الانفجار، وحين ترمى بالمياه وتنفجر، تُصبح سُرعة صوت الانفجار تحت المياه، أسرع بأربع مرات من سرعة الصوت في الهواء، وإثر عصف الانفجار القوي، تُصبح السمكة غير قادرة على الاختيار في أيّ اتّجاه تهرب، فتُكسر سلسلة ظهرها وتموت وتطفو على وجه المياه، وأثناء ذلك تفرز سمومًا من جسدها بسبب الرعب، فتصبح غير صالحة للأكل”.

يتابع رعد: “البارود حين ينبعث من المادّة المنفجرة يصبح شبيهًا بمسحوق البودرة ويتناثر بين الصخور في الأماكن التي تضع فيها الأسماك بيوضها لحمايتها من “السلاطعين” وغيرها من الحيوانات المائيّة التي تأكل بيض الأسماك، وبالتالي تقضي هذه البودرة على البيض”.

وعن الملاحقة القانونيّة يؤكّد رعد أنّ وزارة الزراعة تسعى جاهدة إلى مواجهة هذه الظاهرة وملاحقة المرتكبين على الشواطئ، وفي مزادات بيع الأسماك، إلّا أنّ القضيّة تحتاج إلى تكثيف التعاون مع الأجهزة الأمنية.

ظواهر مشابهة في بلدات أخرى

لا يُخفى على أحد أنّ غالبيّة المدن والبلدات الساحليّة في لبنان، يستعمل صيّادوها الديناميت في الصيد، ما يلحق ضررًا كبيرًا في البيئة، وبالثروة السمكيّة، وحتّى بحياة الناس والصيّادين، ويعيدنا ذلك في الذاكرة إلى حادثة مقتل صيّادين اثنين في الصرفند جنوبًا، بعدما انفجرت بهما حشوة الديناميت، حين كانا يقومان بصنعها، فهل تتحرّك وزارة الزراعة شمالًا، كما تحرّكت جنوبًا في أيّار (مايو) الماضي لمحاربة هذه الظاهرة؟

أسماك نافقة على شاطىء حي البحر في عكار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى