شركة “رامكو” تحذّر.. والنفايات إلى الشوارع مجدداً!

ازمة النفايات في لبنان من أمهات الأزمات، وهي الأزمة التي لم تغب عن ملف القضايا المأزومة والمتشابكة منذ أكثر من ثلاثين عاماً. إذ لا يمكن أن يمر وقت دون أن نسمع أن النفايات ستعود إلى الشوارع. الأمر أصبح عادياً ولا يشكل أي اهتماماً لدى الناس! ملّوا منه أو يأسوا من إمكانية سماعهم لخبر يقول أن هناك حلاً لتلك الأزمة التي أصبحت ملازمة لحياتهم وتعيش معهم وبينهم منذ عشرات السنين.

منذ بضعة أيام، أصدرت شركة “رامكو”، المسؤولة عن جمع وكنس ونقل النفايات في جبل لبنان وبعض مناطق بيروت، بيانًا تحذّر فيه من عدم قدرتها على الاستمرار في العمل في ظلّ التأخير الحاصل بدفع مستحقاتها المالية. وبالتالي فإن ازمة النفايات في لبنان قد تعود إلى الشوارع في القريب العاجل.

لم يعرف لبنان يومًا كيفية التعامل مع نفاياته التي تعدّ ثروة بالنسبة لدول أخرى. إنه التسييس والمحاصصة والمصالح الشخصية والحسابات المناطقية والطائفية. كلها اجتمعت في نفاياتنا والتي بالمناسبة ليست وطنية، بل مناطقية وطائفية ومذهبية وتخضع لكل ذلك. أيضاً هي انعكاس لصورة السياسيين الذين تعاقبوا على الحكم. وهم قدّموا على الدوام مصالحهم الشخصية على مصلحة البلد وأبنائه دون تقديم أي حلول لأي مشكلة.

مناشدات “رامكو” مقابل لا مبالاة رسمية

مع انتشار جائحة كورونا وانهيار الوضع الإقتصادي في لبنان، بدأت ملامح تفاقم الأزمة تظهر من جديد. حيث وصل مطمر الجديدة – برج حمود إلى قدرته الاستيعابية القصوى. إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار الذي أدى إلى عدم قدرة الدولة على سداد المستحقات المتوجبة عليها لشركتي “رامكو” و”سيتي بلو”.

منذ ذلك الحين والشركتان تعملان بشقّ الأنفس، ما أدى إلى إصدار شركة “رامكو” بيانًا توضّح فيه أنها تواجه مصاعب جمّة منذ أكثر من 3 أشهر، إضافة إلى عدم قدرتها على تأمين السيولة لدفع المتوجب عليها من رواتب وأجور وتغطية الكلفة التشغيلية التي ارتفعت إلى أكثر من 1200 %. وأوضحت الشركة في بيانها أن مناشداتها المستمرة لإيجاد حلول لم تلقَ أي اهتمام. وبناءً على ذلك، طلبت من أهالي بيروت “عدم رمي النفايات بين الساعة 6:00 صباحًا والساعة 2:00 ظهرًا وحصر رمي النفايات في الحاويات المخصصة لها بين الساعة 3:00 عصرًا والساعة 5:00 صباحًا”.

فاقم الانهيار الذي نعيش تداعياته يومياً ازمة النفايات في لبنان، وانعكس عليها بشكل كبير وهي الآن تأخذ منحىً آخر. والسبب هو أن عقود الشركات مع الدولة ومع العمال الأجانب جميعها بالدولار. إضافة إلى قطع غيار الآليات التي يتم شراؤها أيضاً بالدولار، الأمر الذي فاقم المشكلة وجعلها قابلة للانفجار في أي لحظة.

منذ الحرب الأهلية حتى اليوم.. الأزمة لم تتغير

ازمة النفايات في لبنان ليست جديدة بل قديمة متجددة. وهي بدأت مع اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 حيث كانت البلديات هي من يقوم بمهمة النظافة ضمن نطاقها البلدي. ومع تعطّل هذا العمل بسبب الأعمال الحربية تحولت بيروت إلى مكب كبير للنفايات. مع نهاية الحرب وبدء ورشة الاعمار تم تلزيم تنظيف العاصمة وأجزاء كبيرة من جبل لبنان إلى شركة سوكلين التي أنشأت مكباً للنفايات في منطقة الناعمة.

مع انتهاء عقد سوكلين في العام 2015، عادت النفايات للتكدّس في الشوارع، وتفاقمت الأزمة بشكل كبير. حيث ترافقت مع حملة شعبية كبرى لإقفال مطمر الناعمة وقد نجحت في إقفاله، الأمر الذي أدى إلى أزمة مطامر ومكبات في كل لبنان.
حرّكت مشكلة النفايات الشارع ونزل عشرات آلاف اللبنانيين إلى الشوارع. وكان شعار التحرّك “طلعت ريحتكم”، وتميّز بعنصر الشباب الذي نزل بكثافة حينها مطالباً بإسقاط الحكومة وإيجاد حل لأزمة النفايات المتفاقمة.

حلول آنية بنفسٍ طائفي – مناطقي

إقفال مطمر الناعمة ونزول الناس إلى الشارع لم يشكل عامل ضغط على السلطة من أجل إيجاد حل لأزمة النفايات. بل كان الابتكار على الطريقة اللبنانية بافتتاح مطامر جديدة أخذت بعداً طائفياً ومناطقياً حيث رفضت كل طائفة أن يكون هناك مكباً أو مطمراً في مناطقها. وهذا ما أدى إلى حلول ترقيعية قضت بفتح مطامر للمسيحيين وأخرى للسنة أو للشيعة..

حل ازمة النفايات في لبنان ليست بالمستعصية. لكنها لدى فريق السلطة تتحوّل إلى أزمة متفاقمة بفعل المحسوبيات وأعمال السمسرة والصفقات على حساب بيئة لبنان وصحة أبنائه. العديد من المتخصصين الخبراء البيئيين قدموا عشرات الدراسات والحلول وعملوا على توضيحها وشرحها مرارًا وتكرارًا. بدءاً من الخطوات الأولى وصولاً إلى إعادة التدوير والاستعمال وغيرها من المراحل المذكورة في التسلسل الهرمي لإدارة النفايات.

اليوم تغزو النفايات بحرنا وهواءنا وتربتنا، بفعل الحرق والمكبات العشوائية وعدم فرز النفايات، مؤدية إلى عواقب وخيمة على صحتنا وبيئتنا. كانت نتيجتها ارتفاع نسبة الاصابة بأمراض السرطان إضافة إلى الربو ومشاكل التنفس وغيرها. ويترقب الخبراء البيئيون والمواطنون في لبنان عودة ازمة النفايات في لبنان إلى الواجهة وتكدّس النفايات في الشوارع في أي لحظة.

ومع مشاكل شركات جمع ونقل النفايات بفعل الأزمة الإقتصادية إلى جانب الحلول الترقيعية التي لطالما اعتمدتها الحكومة، سيكون مشهد عودة الأزمة أقرب. ولا ننسى الردميات التي خلّفها تفجير 4 آب والتي بطبيعة الحال شكلت عائقًا وحالة من الارباك حول كيفية التخلص منها. ويبقى الحل الأمثل للحكومة كعادتها برمي “ما هبّ ودبّ” في المطامر دون وجود رؤية واضحة وخطط مستدامة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى